المجالس البلدية المنتخبة: مسلسل «النكوص عن الديمقراطية»
2018-09-23 - 11:43 ص
مرآة البحرين (خاص): نشرت صحيفة البلاد الخميس (20 سبتمبر/ أيلول 2018) خبرًا كان عنوانه "نقاشات جارية لبلورة مؤسسة بلدية تضم كفاءات معينة ومنتخبة". خلاصة الخبر أن ثمة توجها عن تصور سيتم رفعه لأصحاب القرار (الديوان الملكي بالطبع)، هذا التصور خلاصته إلغاء المجالس البلدية المنتخبة، واستبدالها بمجلس مختلط، جزء منه منتخب وجزء مُعيّن.
هذه المصادر التي استندت لها صحيفة البلاد، بررت هذا التوجه بأنه يهدف لما وصفته بـ «ترقية أداء المؤسسة البلدية بالمرحلة المقبلة؛ لتواكب رؤية الدولة بترشيق الإدارات وخفض المصروفات». مردفة «أن ميزانية المصروفات المتكررة للمجالس تصل إلى 612 ألف دينار بالعام 2017، ومثلها بالعام 2018».
مع مراجعة سريعة للأخبار التي سبق ترويجها لهذا التوجه (إلغاء المجالس البلدية المنتخبة واستبدالها بمجلس واحد مختلط معين ومنتخب)، يتضح أن هذا التوجه قديم وليس جديداً، لكن قبل ذلك، لا بد من النظر بصورة أشمل لأساس هذه التغييرات المقترحة.
خطوة أولى
بعد أن أتمت الدولة عدداً من الخطوات لقمع ثورة 14 فبراير، كان من بينها إلغاء مجلس بلدي العاصمة المنتخب، وذلك بسبب هيمنة المعارضة عليه. لقد أيّد مجلس النواب توجها حكوميا (24 يونيو/حزيران 2014)، عندما اختتم مجلس النواب أعمال الفصل التشريعي الثالث، بقرار نهائي يقضي بإلغاء مجلس البلدي للعاصمة، ليحرم أكثر من 40 ألف ناخب في انتخاب ممثليهم البلديين، وليستبدل المجلس البلدي المنتخب بأمانة عامة معينة من قبل الملك.
وبالفعل تغير مرسوم قانون رقم (35) لسنة 2001 الخاص بالبلديات والمجالس البلدية المنتخبة، فقد أصدر الملك في 23 يوليو قانون رقم (24) لسنة 2014 بتعديل بعض أحكام مرسوم قانون البلديات، ونص القانون الجديد في مادته الأولى على أن: تقسم مملكة البحرين إلى عدد من البلديات وأمانة للعاصمة إلى أمانة العاصمة، بلدية المحرق، بلدية المنطقة الشمالية، بلدية المنطقة الوسطى وبلدية المنطقة الجنوبية.
وأصدر الملك في أوائل ديسمبر من العام 2014 مرسوما يُعيّن أعضاء أول أمانة عامة للعاصمة بعد إلغاء المجلس البلدي.
وتجدر الإشارة إلى أن مقدمي مقترح إلغاء المجلس البلدي المنتخب للعاصمة المنامة هم رئيس المجلس أحمد الملا ومحموعة من نواب: أحمد عبدالواحد قراطة، عادل عبدالرحمن العسومي، خميس حمد الرميحي، عباس عيسى الماضي.
كانت خطوة إلغاء مجلس العاصمة البلدي المنتخب هي الخطوة الأولى، ولجأت السلطة لمجلسي النواب والشورى وتحريك أدواتها لاستكمال هذه الخطوة على طريق النكوص، لكن الخطوة الثانية لم تتطلب أكثر من جرتي قلم من الملك، فبعد التأكد من أن المجلس البلدي المنتخب للعاصمة المنامة تم إلغاؤه من قبل المجلس النيابي الخالي من المعارضة، ومجلس الشورى المُعين المطواع، ضرب الملك ضربته الثانية، باصدار مرسوم (22 سبتمبر/ أيلول 2014) بتقليص عددا المحافظات إلى أربع.
قام الملك بإلغاء المحافظة الوسطى من الخارطة بجرة قلم، وأما جرة القلم الثانية فكانت حينما أصدر الملك مرسوم بإلغاء بلدية المنطقة الوسطى، ليلغي مجلسها البلدي المنتخب بدون أي تردد: «تُلغـى بلدية المنطقة الوسطى من بلديات مملكة البحرين!».
تراجيديا التسيير
كانت هذه الخطوات فوضى عارمة، كانت الانتخابات النيابية والبلدية على بُعد أشهر، ولم يكن أحد يدري ما مصير الأعضاء المنتخبين وموظفي المجلسين المنتخبين اللذين تم وأدهما، حتى صدر قرارا عن وزير البلديات حينها جمعة الكعبي يسمح للاعضاء المنتخبين بـ «تسيير الأعمال» كان مشهدا تراجيديا يجسد أعلى مراحل الردة عن الديمقراطية، حينما يسمح وزير لأعضاء منتخبين شعبيا بتسيير الأعمال، وقبلها حينما ألغى الملك بجرتين من قلمه محافظة كاملة من التنظيم الإداري للبلاد، ومجلس بلدي منتخب.
حينها صرح أمين سر مجلس بلدي المنطقة الوسطى، جعفر الهدي «صدر عن وزير شئون البلديات والتخطيط العمراني جمعة الكعبي قرار بشأن تنظيم عمل بلدية ومجلس بلدي المنطقة الوسطى، مضمونه استمرار عمل البلدية بجناحيها (الجهاز التنفيذي والمجلس البلدي) لمدة 3 أشهر، أي لما بعد فترة عملية الانتخابات النيابية والبلدية الجارية والمقررة إجراء الاقتراع فيها بـ 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014».
كش ملك
تم إلغاء الدوائر الانتخابية للمحافظة الوسطى وتوزيعها على بقية المحافظات، وكان للمحافظة الجنوبية نصيب الأسد حيث أصبح لها عشرة مقاعد في المجلس النيابي، لم يعد بمقدور المعارضة لو شاركت وفق التقسيم الجديد سوى الفوز بـ 16 مقعداً من أصل 40 مقعداً نيابياً، ولم يعد لمرشحين سنة أكثر استقلالية مثل اسامة التميمي وغيره فرصاً للفوز، وقد كتب الباحث الأمريكي المعروف جستين غينغلر في مدونة الدين والسياسة في البحرين، مقالا مفصلاً قال فيه «من شبه المؤكّد أنّها (التعديلات) تؤدّي إلى تمثيل برلماني لا يعكس ديمغرافية البحرين، وبالتالي، المشهد السّياسي فيها».
بضاعة قديمة
إذن، هكذا كان، ووفق الخبر الجديد لصحيفة البلاد ومصادرها الحكومية، نجد أن ما يطرح هو بضاعة قديمة نوعا ما. ويمكن الرجوع لمقال نشرته صحيفة أخبار الخليج وهي الصحيفة الرئيسية الداعمة لجناح رئيس الوزراء خليفة بن سلمان، لمعرفة تفاصيل أكثر عما يدور في عقل هذا الجناح الذي يتفق معه جناح الملك في كل ما من شأنه تغيير شكل المجالس البلدية الحالية أو إلغاؤها.
كتبت أخبار الخليج (4 مارس 2016) مقالاً، وهو تقرير ترويجي أكثر منه مقال رأي، بينت فيه أن النائب عبدالرحمن بوعلي أعلن عن مقترح بقانون لمجلس بلدي مركزي يحل محل هذه المجالس ويضم في جعبته 10 أعضاء منتخبين و(8) معينين، ممن يمتلكون خبرات في الشؤون البلدية، ومن الكفاءات الوطنية. كما اقترح النائب بوعلي إلغاء نظام المحافظات وعهد صلاحياتها لمديريات الشرطة.
هكذا بوضوح 10 منتخبين و8 معينين، هذا هو توجه تلك المصادر التي عادت لتروج عبر صحيفة البلاد لتصورها الذي سترفعه لأصحاب القرار.
السيناريو غير المعلن
بعض القياديين في المعارضة يوصّف هذه التسريبات والتغييرات بأنها خطوات في مسلسل النكوص عن مشروع الملك، يقول لـ «مرآة البحرين»: أتصور بأن النظام بدأ يقضي على مشروعه الاحتوائي للمعارضة بعد فشل احتوائها عبر مشروعه الموصوم بالإصلاحي، حيث كان الهدف المعلن منذ الميثاق هو الإصلاح والمشاركة السياسية، ولكن ما هو غير معلن من ذلك المشروع هو سياسة الاحتواء والتذويب للمعارضة ومشروعها النهضوي.
وتابع «كان تعديل الدوائر وتعديل الدستور ومضاعفة جهاز الأمن الوطني وانشاء الحرس الوطني، وكثير من الهيئات والاجهزة والمجالس البلدية ونظام المجلسين، وكذلك السماح لمنظمات المجتمع المدني تصب كلها لتحقيق ذلك الهدف الاحتوائي الاستراتيجي».
مضيفاً «برغم ذلك كله فشل النظام في أن يحتوي المعارضة في مشروعه بل على العكس عملت هي من داخل مؤسساته وخارجها على فضح هذا المشروع وتبيان كل عوراته مما اضطره لضربها بقسوة وبلا حدود متجاوزاً كل الخطوط الحمر التي كانت تضبط ايقاعه معها».
وقال القيادي إنه «في الوقت الذي يصرف النظام فيه الملايين على الأجهزة الامنية، والإعلامية، والعلاقات العامة، وشراء الضمائر، والهدر المالي، والفساد والسرقات، وإدخال البلاد في حروب وفتن المنطقة بلا عقل أو رؤية، ويتخم أجهزته بالمستشارين والوزراء والبطالة المقنعة، تجده في الوقت نفسه يصادر مساحة حرية العمل السياسي والنقابي وحرية الكلمة، وذلك بحل أهم جمعيات المعارضة ومحاولة تحويل مؤسسات المجتمع المدني إلى جمعيات (غونغو) وإغلاق صحيفة الوسط، ومحاربة وسائل التواصل الاجتماعي، وأخيراً سيقدم على إلغاء المجالس البلدية لخنق صوت الشعب أكثر بحجة محاربة الفساد».
وختم تصريحه بالقول "البلد يتجه إلى شلل سياسي واقتصادي غير معهود وغير مسبوق بسبب هذه السياسات المدعومة من الجوار والخارج".
من واقع التجربة
عضو بلدي مخضرم علّق لـ «مرآة البحرين» عن هذه التوجهات بالقول «لقد قامت فكرة تأسيس المجالس البلدية في البحرين على نواة الاستقلال الإداري والاستقلال المالي، كما رسمها مرسوم 35 لسنة 2002 ، لذلك تم تشكيل خمسة مجالس بلدية بعدد المحافظات الخمس آنذاك (المنامة - الشمالية - الجنوبية - الوسطى - المحرق)، ومع ما كان يعتور صلاحيات المجلس البلدي من نقص إلا أنها كانت أرضية صالحة للبناء عليها وتطوير التجربة البلدية التي توقفت انتخاباتها منذ 1920حتى تحركت عجلتها مرة أخرى في 2002».
مستدركاً «لكن من المؤسف أنه سرعان ما ارتدت التجربة الوليدة على أعقابها في ديسمبر 2014 عندما ألغي مجلس بلدي العاصمة المنتخب إلى مجلس أمانة معين فاشل، والسبب الأساس بعلم الجميع أنه سبب سياسي محض».
وتابع «اليوم الحديث عن جمع المجالس البلدية في مجلس بلدي واحد، وهذا التصور وإن كان معمولًا به في دولة الكويت إلا أنه يعد بمثابة موت سريري لروح التجربة البلدية التي بُنيت على أساس الاستقلال المالي والإداري، فهو نكوص بلباس سياسي».
لماذا نكوص سياسي؟، يرد البلدي «لأنه يقلل من مساحة المشاركة الشعبية في أقرب ما يتصل بشأن الخدمات المقدمة للمواطن، فليس للعضو البلدي تخصص سياسي وإنما دوره يتمخض حول الخدمات وتحسين جودتها، واتصال علاقات المجالس البلدية بالوزارات الخدمية على الخصوص».
هل يتعلق إلغاء المجالس البلدية المنتخبة، بملف محاربة الفساد، يرد «قد يتعلق ذلك بملف الفساد أيضًا»، لماذا؟ «لأن رقعة الفساد تقلصت لأدناها فترة المجالس البلدية فعندما تتخلف وظائف المجلس البلدية ويتقلص دورها فبالضرورة يؤثر ذلك على دورها الرقابي. هذا مدخل واسع ليعشعش الفساد من جديد في أروقة البلديات دون حسيب ولا رقيب».