جستين غينغلر: الدّوائر الانتخابية الجديدة في البحرين: لا فائدة منها للمعارضة؛ وتضر بالسنّة المزعجين

2014-10-14 - 8:23 م

جستين غينغلر، مدونة الدين والسياسة في البحرين

ترجمة: مرآة البحرين

لم تسنح لي فرصة، منذ فترة طويلة، للكتابة هنا كما ينبغي، ولو توفّر لدي الوقت والامكانات لكان من الجميل أن أحافظ على تغطيةٍ، بأسلوب ستيفن كولبرت، للعاصفة السوداء الوشيكة، وهي على الأرجح انتخابات البحرين البرلمانية في نوفمبر/تشرين الثّاني. إذ شكّل قرار كتلة المعارضة بالمقاطعة عنوانًا بارزًا في الإعلام اليوم، ولكنّ قرارًا كهذا لم يكن إلّا إجراءًا شكليًّا بعد إعادة رسم الدوائر الانتخابية، الأحادي الجانب في البحرين، المعلن عنه في أواخر سبتمبر/أيلول، بالإضافة إلى مسائل أخرى، يُزعم أنّها أُجريت لجعل الدّوائر "متساوية الحجم".

لن أُطلع القرّاء على تفاصيل هذا التّغيير، الذي يمكنهم إيجاد رسم توضيحي له في صحيفة الوسط، ولكن حصيلة هذا التّغيير هي إلغاء المحافظة الوسطى وتوزيع الدوائر الانتخابية فيها على المحافظات الأربعة المتبقية: المحرّق، والعاصمة، والشّمالية، والجنوبية. وكانت الغاية المزعومة، أيضًا، "تحقيق توازنٍ" بين الدّوائر الانتخابية بما يتناسب مع مطالب المعارضة، ووفقًا لإطار الحوار الأخير الذي دعا إليه ولي العهد والمُعلَن عنه في 18، سبتمبر/أيلول، والذي من عناصره "[أ] الالتزام بإعادة رسم الدّوائر الانتخابية لضمان تمثيل أكبر وتحسين الرّقابة والإشراف أكثر على العملية الانتخابية."

فلماذا المعارضة منزعجة بهذا الشكل إذن؟

تكمن المشكلة هنا، كما في الكثير من القضايا، في عدم الدّقة في استخدام اللّغة، أو بالأحرى الاستخدام (المتعمّد) للغةٍ غير دقيقة. وبينما يبدو صحيحًا أنّ التّغييرات الجديدة تُعالج الاختلاف في حجم المحافظات-يدّعي وزير العدل أنّ "90% من المحافظات متساوية في الحجم تقريبًا الآن،" ومهما كان معنى قوله هذا-من الواضح أنّ هذه المسألة لم تكن أبدًا مصدر قلق أساسي للمعارضة. بل كان اهتمامهم بمسألة التّمثيل الإجمالي للمحافظات، التي تبدو، حتّى في شكلها الجديد مرسومة وفقًا للحدود الجغرافية الطّائفية، وبالتّالي من شبه المؤكّد أنّها تؤدّي إلى تمثيل برلماني لا يعكس ديمغرافية البحرين، وبالتالي، المشهد السّياسي فيها.

والحصيلة واضحة في الخريطة أدناه، والتي تقارن بين توزيع الفائزين من دوائر البحرين الانتخابية للعام 2010 وبين خريطة ديمغرافية طائفية للبلاد.

وبالفعل، كانت المحافظة الوسطى التي تمّ إلغاؤها، المبنية على المنطقة المحيطة مدينة عيسى المختلطة طائفيًّا، أكثر المناطق تنوعًا على المستوى الطائفي في البحرين كما يُزعم. والآن تمّ تقسيم أحيائها بتأنٍ بين محافظة الجنوبية ذات الغالبية السنّيّة (التي ازدادت مقاعدها من 6 إلى 10)، ومحافظة الشّمالية ذات الغالبية الشيعيّة (من 9 إلى 12 مقعدًا)، ومحافظة العاصمة الأكثر تنوّعًا (من 8 إلى 10 مقاعد). واحتفظت محافظة المحرق بمقاعدها الثمانية الأصلية؛ يمكن مراجعة التّفاصيل أدناه. وأخيرًا، تمّ تغيير حدود المحافظات المتبقّية بشكل ملحوظ؛ وسيتم عرض المزيد عن هذا الأمر لاحقًا أيضًا.

وعقب دراستها هذه التّغييرات، استنتجت جمعية الوفاق أنّ الفرص الانتخابية تغيّرت كلّيًّا: ففي الانتخابات الأخيرة في العام 2010، والتي اعترضت على نتيجتها، كان للجمعية مرشّحون عن 18 مقعدًا من أصل 40، مع الإقرار بأنّ الأمل بالفوز في 22 منطقة أخرى ذات غالبية سنّيّة غير وارد. وفي الشّهر الماضي، أكّد علي سلمان أنّ حسابات الجمعية هي نفسها، إذ قال إنّه من المؤكد أنّ المرشّحين المؤيّدين للحكومة سيشغلون ال22 مقعدًا.

ولكنّ لا يبدو أنّ جمعية الوفاق هي المستهدف الوحيد-أو الأساس-بهذا التّغيير. ففي الوقت الذي لم تتحسن فيه فرص الجمعية ولم تسؤ، لا يمكن قول ذلك عن فريق النوّاب السّنّة الصّعب المراس. فعلى سبيل المثال، كان أسامة التّميمي -الذي يُجاهر بمعارضته للحكومة، والذي تمّ إطلاق النّار على مشروعه التّجاري على نحو معروف في العام 2012، بعد أن طالب في مجلس النّوّاب بتحقيق ٍ في قضية فساد تخص رئيس الوزراء- يمثّل مدينة عيسى في المحافظة الوسطى السّابقة، ولا تبدو كيفية تأثير هذه التّغيرات على فرصه في الانتخابات واضحة.

وكانت جمعية وعد أيضًا تحظى بتأييدٍ كبير في المنطقة المختلطة طائفيًّا بين السّنة والشّيعة، حيث كادت منيرة فخرو تفوز بمقعد وعد الوحيد في العام 2006. (وبالتّالي، من المثير للاهتمام رؤية ردّة فعل النّظام على إعادة تأكيد الجمعية في سبتمبر/أيلول على بقاء إبراهيم شريف أمينها العام. فقد هدّدت وزارة العدل بحل جمعية وعد في حال إعادة انتخابه.)

والأمر مشابه بالنسبة للمرشحين الإسلاميين السنة وهو بالتأكيد من شأنه ألا يرضي فقط الولايات المتحدة وإنما الأخوان المسلمين أيضًا، والذين يكرهون السعودية. وعلى الرغم من إعفاء معقل الإسلاميين في المحرق من إعادة التقسيم من جهة، كان من جهة أخرى المحافظة الوحيدة التي لم تربح مقاعد جديدة. وفي الوقت عينه، يواجه المرشحون الإسلاميون في الجنوب دوائر محلية متوسعة في حين تعتمد المنطقة على مناطق مجاورة إضافية لتصحيح معدل المُرَشّحين المنخفض للانتخابات. لن يستطيع المرشحون الاعتماد بعد اليوم على قواعد الدعم المحلية في الرفاع والمناطق المجاورة لها؛ فعلى سبيل المثال، يواجه الآن جاسم السّعيدي، السّلفي المثير للفتن، والذي بقي في منصبه لثلاث دورات، معركة شاقة ضد نظيره عضو البرلمان خميس الرميحي حيث اضطر الإثنان إلى الدخول في تحديات جديدة للتنازع على المقعد نفسه في الدائرة الجنوبية الثامنة.

وفي الواقع، فإن الآثار المترتبة على السّنة مماثلة لدرجة أن المجموعة الموالية للحكومة "مواطنون من أجل البحرين" (وأنا أظن أن لولي العهد صلة بالأمر) مجبرة على الاعتراف أنه "من غير الواضح ما إن كانت الجمعيات التابعة لتحالف الفاتح ستنجح في تشكيل كتلة سياسية. يبدو أن التغيير في حدود الدوائر الإنتخابية عملية معقدة" (للمزيد، راجع التحليل الغني بالمعلومات عن التغيرات الإنتخابية لكل مقاطعة على حدة).

ومن جهة أخرى، سيواصل المُرَشّحون المستقلون الموالون للحكومة؛ بمن فيهم رجال القبائل والأقلية من أعضاء البرلمان، المفيدين في عرض التزام البحرين للتنوع، عملهم بصورة جيدة. وعلى الرغم من ادعاء الحكومة أن دافعها لإعادة تقسيم الدوائر كان جعل الدوائر الإنتخابية "متساوية الحجم"، إلا أن منصب "أول نائبة أنثى في الخليج" الشهيرة لطيفة القعود - والتي شغلت الدائرة العاشرة في المحافظة الجنوبية- بقي من دون أي تغيير، بالإضافة إلى السبع مائة وخمسين ناخبًا مسجلًا أو ما يقرب ذلك العدد. وأعتقد أن دائرتها كانت من بين الدوائر غير المتساوية التي تشكل 10%، والتي كان يتكلم عنها وزير العدل.

ويدل هذا الاستنتاج - أي أن دوائر البحرين الإنتخابية الجديدة تستهدف السنة كما الشيعة- على حقيقة أكبر، تزداد وضوحًا في البحرين كما في الخليج وفي الشرق الأوسط أيضًا بشكل عام: القلق الدولي المتزايد (ونقصد هنا قلق الولايات المتحدة) من نشأة داعش ودعمه من قبل سكان الخليج. ويقدم هذا الأمرتأثيرًا دبلوماسيًا جديدًا لقادة الخليج على سياسة أمريكية لطالما تعارضت مع حساباتهم الاستراتيجية منذ العام 2011، وكذلك لا يعير اهتمامًا للقلق الأمريكي حول انتهاكات حقوق الإنسان والافتقار إلى الإصلاح وما إلى ذلك. (يبدو أن التهديد الضمني بالدوران في أفق روسيا والقوات الآسيوية أخرى أصبح التكتيك البحريني المفضل هذه الأيام).

وتحتاج الولايات المتحدة اليوم إلى وصول مضاعف إلى منشآت استراتيجية عسكرية في المنطقة وجمع المعلومات ومشاركتها وإلى التزام من دول الخليج للمساعدة في محاربة داعش في معقله أو على الأقل دعم التدخل الغربي ضد داعش في العراق وسوريا. ومن جهة أخرى، يظن الواحد منا أن صناع السياسات في الولايات المتحدة يتأثرون بالرغبة المتزايدة للإصلاح السياسي والذي يبدو أنه يمهد الطريق، في نظر المسؤولين الجاهلين في وزارة الخارجية في واشنطن، لتمكين الإسلاميين الأكثر أو الأقل تعاطفًا مع داعش. (راجع المقال الأخير عما يمكن أن تواجهه الولايات المتحدة في مصر التي يزورها كيري أسبوعيًا الآن مع الإشارة إلى الوضع السياسي الداخلي).

وفي حالة البحرين، أطلعني مصدر موثوق على تأييد الولايات المتحدة الآن بقوة للجانب البريطاني لدعم التغيير السياسي المتواضع الذي لا معنى له في الحدود السياسية. وقال مسؤول أمريكي لإحدى الشخصيات البحرينية إن "هذه هي السياسة" مشيرًا إلى حاجة الولايات المتحدة إلى دعم البحرين فيما يتعلق بداعش. وعلى الرغم من أن السفير كراجيسكي تعمّد البقاء في البحرين لدعم مبادرة ولي العهد الجديدة للحوار والنقاشات السابقة للانتخابات، إلا أنه سيعود إلى واشنطن قبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني. (وهذه نقطة جدل مع مقاطعة المعارضة).

وبالتالي، بدلًا من تطبيق روح خطة النقاط الخمسة للإصلاح التي أعلن عنها ولي العهد سلمان في 18 سبتمبر/أيلول والتي تضمنت (بشكل غامض) بنودًا ليس فقط في مجال إعادة تقسيم الدوائر الإنتخابية وإنما تغييرات في مجال السلطة التشريعية أيضًا وتشكيل مجلس الوزراء والقضاء وقطاع الأمن، يبدو أن البحرين تواجه أمرًا واقعًا آخر في ميثاق العمل الوطني. ومنذ أكثر من عقد، رحبت المعارضة وغالبية المجتمع بحذر بترسيم استراتيجية تحرير، تبعها تنفيذ من قبل طرف واحد لجوانب انتقائية من الإصلاحات المقترحة، مع تجديد التحرر من الأوهام وتأكيد الشكوك الأصلية للمواطنين.

13 أكتوبر/تشرين الأول 2014

النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus