»
الأعمدةُ السبعة تَرْفَع لؤلؤةً واحدة
2013-01-29 - 9:35 ص
جاسم العويك*
كلّما طال عمر الحراك، فإن أغلب القوى، من سُلطة ومُوالين ومُعارضين، مُرشّحة للتحلُّل والتفكُّك، ووحدهُ من يستطيع الحِفاظ على تماسكه الداخلي، هو من سيُمرِّر مشروعه لبحرين المستقبل.
فما هي العوامل التي تمتلكها السلطة لتحافظ على تماسكها ومحاولة تفكيك القوى الأخرى -بما فيها القوى الموالية- وتلك التي تملكها المعارضة وتستطيع من خلالها الصمود؟
تمتلك السُلطة الدولة بما فيها من موارد وخيرات عامّة، تهِب من تشاء وتمنع من تشاء، وفق تقسيمٍ يعتمد على الولاء القبلي، وهذا عامل قوّةٍ مهم، وعاملُ ضعفٍ أيضًا. فالشرائح المُستبعَدة لا تملك إلا أن تنتفض، كما أنّها لن تتمكّن من رشوة كل فئات الشعب.
كما تمتلك السلطة الخبرة المُتَحَصَّلة من قمع عدّة انتفاضات ونزع الشقاق بين الفُرَقَاء، فهي حينًا تضرب اليساريين بالإسلاميين والعكس، كما في السبعينات، أو السنة بالشيعة، أو ما يُسمّى بالمستقلين لضرب الجمعيات السنية، أوالليبراليين بالإسلاميين، كلّما دعت الحاجة لذلك. وكل ذلك عبر تحريك ملفّات ثانوية ـ كما حدث مع قانون الأحوال الشخصية ـ مع تشغيل الماكنة الإعلامية.
وتعتقد السُلطة أنّه مع استمرار الحراك بوتيرة لا تلفت انتباه الرأي العام في الخارج، فإنّها قادرة على تفكيك المُعارضة ببطء وتصميم، وفق تلك الوسائل، وعبر غرس الشكوك بين الفُرَقَاء. فهي لن تكتفي بجعل المُعارضة فرقتين أو ثلاث، بل ستستمر إلى أن تصل المُعارضة للتحلّل الكامل ـ خصوصًا عبر دعوات الحوار الشكلية- أو الضغط على الجمعيات لإدانة ما يُسمّى بـ "عُنف الشارع". أما الإعلام الرسمي فقد فقد مصداقيته ولم يعد يؤثّر مهما بلغ الكم من الهيجان.
أمّا المُعارضة بمُختَلَف أطيافها فإنّها تملك عدّة عوامل للتماسك الداخلي وهي:
العُمْق الشعبي: فثورة 14 فبراير نشأت شعبيًا، وما موقف القوى السياسية سوى محاولة إدارة الحراك والتناغم معه .
عدالة القضية: وقد يبدو هذا العامل مثاليًا، ولكنّني أعني به مُجاراة المشروع لما يعتقد أنه "خير" في عصرٍ ما مثل الديمقراطية، وكذلك كونه يُلبّي احتياجاتٍ واقعية لدى فئةٍ كبيرة. وهذا العامل يؤدّي لمزيد من التصميم والإرادة، وفق إمكانياتٍ بسيطة، كما يجعل القضية واستمراريتها غير مُرتبطة بأشخاصٍ، مهما بلغت درجة الكاريزما التي يمتلكونها. ولذلك فإنّ المُقاومة ذات النَفَس الطويل ليست خيارًا، ولكنها اضطرارٌ يُدفع الناس لهُ دفعًا، حتى تلبية المطالب، وإن بدا الفتور في بعض اللحظات، لكنّ الجمرة لا تخبو فتظل تشتعل، لأنها لا تملك كينونةً أخرى .
حلقات الوصل: تلك القادرة على تجميع مُختَلَف الرؤى بين أطياف المُعارضة لخلق حالة من التكامُل في الحراك، ومن ضمنها الحقوقيين بقيادة نبيل رجب، ومُمثّلي الطبقة الوسطى من إعلاميين وأطباء ومهنيين، كما يمكن اعتبار الشيخ عيسى قاسم، بما يُمثِّله من رمزية دينية، حلقة وصلٍ مُهمّة تمنع التفكّك والانقسام. بالإضافة إلى وعي أهم طيفين من المعارضة وهم "الوفاق" و"شباب 14 فبراير".
كما أنّ لحظة التأسيس في دوار اللؤلؤة، جعلتْ الناس تعرف أنّ قوّتها في وحدتها. هذهِ اللحظة يجب أن تُستذكر دائمًا وأبدًا بكل تفاصيلها النفسية، وقد تكون الذكرى الثانية لثورة 14 فبراير موعدًا مناسبًا لإقامة كرنفالات تضم الجميع في مناسبة وطنية.
حاولت السُلطة تفكيك المُعارضة على مدى عامين وفشلت. نجاحها الوحيد هو فك ارتباط المنبر التقدمي مع تحالف الجمعيات. فبسبب تلك العوامل، بالإضافة إلى سرعة انتشار المعلومة وازدياد الوعي، أصبح جمهور المعارضة أكثر تقبُّلًا لإدارة اختلافاته في الرأي دون أن يؤثّر في مسيرة الثورة .
فمنذ دوار اللؤلؤة، عقدتْ الوفاق عدّة لقاءاتٍ مع السُلطة، ولم تفقد جزءًا من شعبيتها، لأنها لم تتنازل عن مطالبها المُعلنة والواضحة مُنذ بداية الثورة. ومع الصمود فإنّ الحراك مرشّحٌ لجلب المزيد من الأصدقاء الذين ستتضح لديهم مسيرة القطار.
*كاتب من البحرين.