هل هما سلطتان؟ أم ديكور دستوري بقرار واحد؟

2025-12-24 - 6:13 م

مرآة البحرين : حين تقول وكالة الأنباء الرسمية إن "السلطتين التنفيذية والتشريعية عقدتا اجتماعاً مشتركاً"، فهي لا تنقل خبراً بقدر ما تروّج لوهم. الوهم هنا ليس في الاجتماع ذاته، بل في الافتراض المسبق أن هناك سلطتين منفصلتين اجتمعتا. السؤال الحقيقي هو:: أين هما السلطتان أصلاً، حتى تجتمعا؟

السلطة التشريعية، في أي نظام يحترم نفسه، لا تُعرَّف بعدد أعضائها ولا بفخامة مبناها، بل بقدرتها على تعطيل القرار الخاطئ، وكبح تغوّل الحكومة، وحماية المجتمع من السياسات المؤذية للمواطن. أما حين تجلس هذه السلطة على طاولة واحدة مع الحكومة لمناقشة إجراءات مالية تمس حياة الناس، بلا أي موقف معلن، ولا اعتراض مسجل، ولا حتى تحفظ خجول، فهنا لا نتحدث عن "تكامل"، بل عن ذوبان كامل.

الخبر طويل، متخم بالألقاب، مشبع بالإنشاء، لكنه خالٍ من أهم كلمة في السياسة: الخلاف. لا نقرأ أن نائباً اعترض، ولا أن مجلساً تحفظ، ولا أن مقترحاً رُفض، كل ما نقرأه هو سباق محموم على الإشادة، وكأن الهدف ليس حماية المواطن، بل إثبات حسن السلوك السياسي. منذ متى كانت السلطة التشريعية جهاز علاقات عامة؟

الأخطر أن الاجتماع لم يُعقد لمساءلة الحكومة عن فشل السياسات السابقة، بل لتمرير حزمة جديدة من الإجراءات المالية. أي أن المجلس الذي يفترض أن يسأل: لماذا لم ينجح برنامج التوازن المالي منذ 2018؟ ولماذا تتكرر الأزمة نفسها؟ ولماذا يُحمَّل المواطن الكلفة كل مرة؟ كان شريكاً في البحث عن كيف نُقنع المواطن بالدفع مجدداً. هنا تنتفي الرقابة، ويتحوّل المجلس من ممثل للشعب إلى وسيط بين السلطة والشارع.

لغة الخبر فاضحة. كل شيء "تنفيذاً للتوجيهات"، وكل خطوة "تأكيداً للرؤى"، وكل قرار "حرصاً على المواطن". لا وجود لإرادة تشريعية مستقلة، ولا لرؤية بديلة، ولا حتى لمحاولة تعديل، وكأن المجلس يقول صراحة: نحن لسنا هنا لنفكر، بل لنبارك. وهذا جوهر الأزمة السياسية في البحرين: القرار يُصنع في مكان واحد، ثم يُوزَّع على بقية المؤسسات للتصديق.

لو كانت هناك سلطتان فعلاً، لكان هذا الاجتماع ساحة صراع سياسي مشروع، لسمعنا من يقول إن الدعم النقدي ليس حماية بل خطوة أولى لرفع الدعم كلياً. لسمعنا من يحذر من أن الطبقة الوسطى تُستنزف باسم حمايتها. لسمعنا من يطالب بفتح ملفات الهدر والامتيازات قبل فرض رسوم جديدة. لكن الصمت كان سيد الموقف، لأن الصمت هنا هو السياسة الرسمية غير المعلنة.

حين تُغيّب المعارضة داخل المجلس، لا يبقى للمواطن إلا الشعور بالعجز، فمن يمثله؟ ومن يقول ما لا يُقال؟ من يقف في وجه القرار عندما يكون القرار خاطئاً؟ إذا كانت السلطة التشريعية تجتمع مع الحكومة لتنسيق الإجراءات، فمن يراقب من؟ ومن يحاسب من؟ وأين يذهب حق الاختلاف؟

هذا الاجتماع لا يعكس شراكة، بل يعكس تماثلاً خطيراً. لا سلطتين، بل سلطة واحدة بأدوار مختلفة:: حكومة تقترح، ومجلس يشرح، وإعلام يلمّع. أما المواطن، فهو الغائب الدائم، الحاضر فقط عندما يحين وقت الدفع.

في النهاية، السؤال ليس دستورياً ولا أكاديمياً. هو سؤال وجودي: عندما تُتخذ قرارات تمس الخبز والكهرباء والماء والوقود، دون صوت معارض واحد داخل المؤسسة التي يفترض أنها تمثل الشعب، فهل بقي معنى لكلمة "سلطة تشريعية"؟
الواقع يقول بوضوح قاسٍ: ليست سلطتين بل قرار واحد، وواجهة مزدوجة لحكم القصر.