السجون في البحرين: جهاز قمع رسمي وانتهاكات إنسانية ممنهجة برعاية الدولة

2025-12-08 - 11:23 م

مرآة البحرين : تكشف المعطيات المتراكمة من داخل السجون في البحرين أن سياسة الاحتجاز لم تعد مرتبطة بتطبيق القانون أو إنفاذ العدالة، بل باتت جزءاً أصيلاً من منظومة الحكم القائم على القمع الأمني. فالسجون تحوّلت إلى أداة سياسية لإسكات المعارضين وكسر أي حراك حقوقي أو مدني، في تناقض فاضح مع الخطاب الرسمي الذي تحاول السلطات البحرينية تسويقه خارجياً تحت عناوين "الإصلاح" و"حقوق الإنسان".

تشير الشهادات والتقارير الحقوقية إلى أن الانتهاكات تبدأ من الأساس القانوني للاحتجاز، حيث يُجرّد السجناء من الضمانات القانونية، وتُفرض عليهم قيود تعسفية تمس جوهر حقوقهم الإنسانية. هذه الممارسات تعكس سياسة عقاب جماعي ممنهجة، تتعامل مع السجناء بوصفهم خصوماً سياسيين يجب إخضاعهم، لا مواطنين يتمتعون بحقوق كفلها الدستور والقانون والاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها الدولة.

ويُعد الإهمال الطبي أحد أخطر أدوات هذه السياسة، حيث يُترك السجناء، بمن فيهم المصابون بأمراض مزمنة، دون رعاية صحية ملائمة، مع تجاهل متكرر للحالات الحرجة وتأخير ممنهج في توفير العلاج. هذا السلوك لا يمكن فصله عن مسؤولية وزارة الداخلية، وعلى رأسها الوزير راشد بن عبدالله آل خليفة، التي تُشرف بشكل مباشر على إدارة السجون، ما يجعل هذا الإهمال شكلاً من أشكال الانتهاك المتعمد للحق في الحياة والحق في الصحة، وليس مجرد تقصير إداري.

كما تفيد التقارير باستخدام العزل الانفرادي كأداة عقابية وانتقامية، تُفرض لفترات طويلة خارج أي إطار قانوني واضح، في ممارسة ترتقي إلى المعاملة القاسية واللاإنسانية. إلى جانب ذلك، تتواتر المعلومات حول تعرض سجناء لسوء المعاملة والاعتداء داخل مراكز الاحتجاز، في بيئة مغلقة تخلو من الرقابة المستقلة وآليات المحاسبة، ما يكرّس ثقافة الإفلات من العقاب. وتزداد خطورة هذه السياسات مع استهداف فئات ضعيفة، بما فيها القُصّر، في انتهاك صريح للاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية الأطفال.

وقد جاءت إدانة لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة لتضع هذه الانتهاكات في سياقها الصحيح، مؤكدة أن ما يجري داخل السجون البحرينية ليس حالات فردية، بل نمطاً مستمراً من الإهمال الطبي، وسوء المعاملة، والعزل الانفرادي. ومع ذلك، تواصل السلطات البحرينية إطلاق وعود سياسية بالإفراجات وتحسين الأوضاع، دون تغيير ملموس على أرض الواقع، ما يحوّل هذه الوعود إلى أداة تضليل سياسي موجّهة للمجتمع الدولي.

وتؤكد الشهادات الميدانية والتقارير الدولية أن ملف السجون في البحرين يعكس أزمة بنيوية في منظومة الحكم، حيث تُدار أماكن الاحتجاز كجزء من جهاز أمني مغلق، بعيداً عن أي إصلاح حقيقي أو مساءلة. ويكشف هذا الواقع فجوة عميقة بين الخطاب الرسمي الذي تتبناه السلطة في الخارج، وحقيقة السياسات القمعية التي تُمارَس في الداخل، ما يضع سجل البحرين الحقوقي مجدداً في موقع الاتهام الدولي.