»

وعكرتهم تعكيرا ..

2012-10-26 - 11:05 ص


جاسم العويك*

في اليوم الذي تكتب فيه سوسن الشاعر صباحًا عن أنّ حصار العكر هو الفتح الثاني، تنسحب نقاط التفتيش عصرًا، ولو عادت لمقالها مساءً لرأتْ أن ما يجري هو العكس تمامًا، أي بداية النهاية لعقلية " الفتح والغزو. فعندما ترى بأن الدولة ممثلة، فقط، في جيب شرطة له  عقيدة "الفتح والغزو" فلا تلومنّ حينها من يسمي تلك الأجياب بـ "مركبات الاحتلال".

وعبثًا، تحاول سوسن أن تفصِّل في الانشقاقات داخل المذهب الشيعي، ويبدو أنها كمن يستمتع  بكونه قرأ  بعض الكتب ويحاول أن يظهر ذلك بمناسبة ومن دونها. وتخلُص  في النهاية لكون قرية العكر دخلت في تيارٍ مُتشدد يستلزم من الدولة أن تقتحم وكر الإرهاب هذا، بينما الحقيقة أن أغلب مناطق البحرين انتفضت من أجل هذهِ القرية ـ فكم من وكرٍ يجب أن تحاصره الدولة حتى تجد نفسها هي محاصرة بسؤال الشرعية؟!

فهل تظن الكاتبة أن الدولة ماهي إلا مدرعة وجيب شرطة؟ أين الدولة/ الخدمات/ التمثيل الشعبي/ تكافو الفرص؟ فهل تُقزِّم الدولة ذاتها لتصبح، فقط، جيب شرطة يتجول بين الأزقة، يقوده مرتزقة هم ضحايا لهذا النظام، الذي غرّر بهم ثم يتباكى على موتهم أو جرحهم،  ليستغلهم سياسيًا فيما بعد؟ ماذا ستقول سوسن لعائلة الشرطي عمران، الذي هو ضحية لجشع الدولة وجشع كُتّابها؟

أما السؤال لماذا العكر ؟

فلأنها من أوائل القرى التي نقلت الاحتجاجات في أيام السلامة الوطنية إلى نمط وأسلوب مختلف يتجاوب وطبيعة المرحلة، حيث برز اللثام، وتكوين المجموعات، و(تسكير) الشوارع منعًا لدهس "مركبات الاحتلال" لهم ، واستطاعوا خدش وجه القوة بفيديو بسيط يظهر فيه فتى عكرواي يستهزئ بالمرتزقة ويُمارس رياضة الضغط وسط طلقاتهم لمسيلات الدموع، وكلنا يذكر كيف تهارب المرتزقة كالجرذان عندما هبَّ الشباب العكرواي عليهم دفاعًا عن الأعراض، كان الفيديو مخزيًا لقوات حفظ النظام، التي تعتدي على النساء وتفر من أول مواجهة حقيقية، أسلوب "مهزة " والعكر" وغيرها أيضًا من القرى سرعان ما انتشر بين مختلف القرى، وأزعم أيضًا أن العكر بعد الحصار ستنقل بقية القرى إلى مستوى آخر من الاحتجاجات.

يظن العسكر الأغبياء أن القوة وحدها تستطيع فعل كل شيء بقدرة كن فيكون، فالدولة لها القدرة على فرض الحصار بالقوة، لكنها لن تستمر للأبد كما يقول درويش: "سيمتد هذا الحصار إلى أن يحس المحاصِر مثل المحاصَرِ أن الضجر سِمةٌ من سمات البشر" وحينها ستبدو المعارضة وكأنها بمظهر المنتصر بعدما تحولت الدولة إلى مجرد ردة فعل، ترد على الاتهامات وتحاول تلميع صورتها، وفي هذا الحصار ضيعت قضية الشرطي بغبائها، ويتضح أن الهدف من الحصار ليس القبض على متّهمين، وإنما هو لتأديب بقية المناطق وفرض معادلة ميدانية، ولذلك عندما تعرّض أحد المرتزقة في منطقة بوري لإصابة جرّاء طلقة شوزن عن طريق الخطأ، بعد حصار العكر، سرعان ما أعلنت الداخلية الحقيقة، وهي التي كانت سابقًا ستستغل الإصابة لعمل مسرحية ما، سرعان ما أعلنت الحقيقية لكي لا يبدو وكأن حصار العكر لم يفعل شيئًا.

كلمة أخيرة لسوسن الشاعر :

دم الشرطي عمران في رقبتك ، مثلما هو دم الضحايا من المواطنين ، ضحايا لكل قلم يرفض أن تكون الدولة للجميع وأن تبقى عقيدة غزو وفتح ممثلة في جيب شرطة. وأما اللعب على انشقاقات المعارضة فهو وهم ٌ آخر، لأن اختلافاتهم لا تعني شيئًا عندما تتحوّل المسألة إلى حياة أو موت، فهذهِ العكر ستستقبل وفود المعارضة من الجمعيات والائتلاف وغيرها، لماذا؟ لأنها قرية أصيلة، ولا تهتم بما تكتبينه من تهيؤات وانشقاقات حزبية لا دخل لهم بها، لأن الناس هناك بقرويتهم البسيطة يعرفون حقيقية واحدة وهي: أن هذا النظام يجب أن يتغير، وأنهم جزء من الدولة التي يجب أن لا تكون ممثلة في جيب شرطة فقط. وسؤال أخير: متى قمتِ بزيارة العكر آخر مرة ؟

*كاتب بحريني.
   


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus