»
بنزين 14 فبراير وبيضة الديمقراطية
2012-10-03 - 4:37 م
جاسم العويك*
بشأن التغيير بكافّة مستوياته، هناك نظريتان، الأولى تسير على قاعدة (الناس على دين ملوكهم)، فالنظام الحاكم يُغيّر أخلاق الناس ويصوغهم مُستخدمًا لذلك كافة الإمكانيات والموارد. ومن هذهِ النظرية قد يذهب البعض لتأييد حُكم المُستبد العادل، أو قد يذهب البعض إلى أن التغيير الحقيقي يجب أن ينبع من تغيير رأس الهرم أولًا.
بينما النظرية الثانية تسير على قاعدة (كما تكونوا يُولّى عليكم)، وهي أنّ المُجتمع الغير ديمقراطي والفاسد لايُمكن إلا أن يُنتج نظامًا فاسدًا بالضرورة، فالنظام هو تجسيد لكل إمكانيات الشعب في السوء والفساد والديكتاتورية، وأنَّ التغيير الحقيقي يجب أن ينبع من قاعدة الهرم، أي تغيير ثقافي شامل للمُجتمع سيؤدي لا محالة إلى تغيير النظام من الداخل .
وبين هاتين النظريتين، اللتين تشبهان جدلية البيضة أم الدجاجة، هناك منطقة فراغ أو حلقة مفقودة، وهي أنَّ التغيير ينبع أساسًاً من الشعب، من تغير ظروفه الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، لكنّ السلطات تعوق هذا التغيير وتؤخّره.
وقد يمتد هذا التأخّر لعشرات أو مئات من السنين ـ لذلك لابدَّ أن نصل لمرحلة أستطيع أن أسميها "التوقيت المناسب" والتي هي منطقة الفراغ بين من يعوق التغيير "رأس الهرم أم قاعدته".. وفي هذهِ المنطقة لايصلح أن ندعو لمزيد من التنظير الثقافي الذي يشوبه الكثير من المازوخية على طريقة "نحن لا نصلح للتغيير لا بدَّ أن نتغيّر نحن أولًا". وهذهِ الفكرة قد تستخدم كمسكّن روحي لاعتلالات الضمير أو للجبن والخوف من الفشل، أو تستخدم لأن المثقف إن لم يستخدمها فلن يكون لديه شيء ليكتب عنه. في رأيي، أنّه في هذهِ المنطقة "التوقيت المناسب" لا بدَّ من "التجريب"، من بدايةٍ جديدة، وبلا نتائج مضمونة أيضًا، لكن لابدَّ من فتح الطريق أولًا .
فمثلما يبدأ متعلم (قيادة السيارة) بالإرشادات والتعلم النظري، لكن لابدَّ في يوم ما، لكي يكمل تعلميه، أن يمسك المقود وأن يدوس على البنزين، وهذا يصحُّ على الأفراد كما المجتمعات .
فالقول بأننا شعوب لا تصلح للديمقراطية "دونًا عن العالم أجمع" هو كلام حقِّ يراد بهِ باطل، فلم نقل بأننا ولدنا وفي فمنا ملعقة من الحرية، والفلسفة، والديمقراطية، لكن أن تمنعونا من التعلّم لكي نظل تحت الوصاية الأبدية، فهذا يفترض أنّ لكم مصالح في أن يبقى الوضع كما هو عليه .
نعرف أنّ الديمقراطية هي سلوك وفلسفة، وليست مجرّد صندوق انتخاب، لكنّ هذا الصندوق لابدَّ منه في مرحلةٍ ما، وإلا قضينا جلَّ حياتنا في التنظير من يسبق الآخر (البيضة أم الدجاجة). ولا أجد أفضل من لحظة 14 فبراير، لنكسر هذا الجدل التنظيري، ونبدأ فعليًا بالتعلّم : هكذا .. أن نمسك المقود، وأن ندوس على البنزين .
*كاتب بحريني.