شاهدة عيان من انتهاكات المنامة: كانت لحظة موت شاهدت فيها أطياف الرضيعة ساجدة، الطفل ياسين، المسن لطف الله.

2012-09-22 - 7:05 ص



مرآة البحرين (خاص): المغردة @free4ever1 نشرت على صفحتها في تويتر تجربتها كما عايشتها عصر يوم أمس الجمعة 21 سبتمبر في مسيرة العاصمة المنامة، وخصت مرآة البحرين بتفاصيل شهادتها التي عاشتها وسط سحابات الدخان قريباً من الموت. تقول:

كانت الساعة الثالثة والنصف، خرجنا في مسيرة المنامة التي دعا اليها شباب الائتلاف، كنا مجموعة من الفتيات نحمل لافتة كبيرة (بنر)، نتقدم به المسيرة. سريعاً ما تم قمعنا بالغازات الخانقة. تفرقنا بعد ملاحقة رجال الشغب لنا وهم يقمعونا بالغازات. سمعنا عن اعتقال معصومة السيد التي رفضت التحرك من مكانها.

اعتقال مريم..

توجهنا للسوق. رأينا قوات الشغب تدفع مريم التي تسير أمامنا لأحد المحلات وتقوم باعتقالها بلا سبب. مريم (16 سنة) لم تفعل شيئاً. كانت برفقتنا إلا أنها تتقدم عنا ببضع خطوات، ركضت الفتيات لتخليص مريم من قبضة قوات الأمن. اعتلى الصراخ. تدافع الشباب والفتيات في محاولة لفك مريم من بين أيديهم إلا أنهم تكالبوا علينا بأعداد كبيرة وكان بينهم شرطة نسائية. كانت أخت مريم تصرخ بصوت عال في محاولة لتحرير أختها وصراخها أختلط ببكاء ونحيب والشرطة تدفعها للوراء كي لا تتقدم أكثر، إلى إن تم اقتياد مريم بعيداً عنا.

صارت مواجهات كلامية بين الفتيات وقوات الأمن لإقناعهم باخلاء سبيل مريم، لكن لم تكن من ردة فعل غير العنجهية المفرطة والتهديد بمغادرة المكان أو سيتم قمعنا. لاحقاً سمعنا أنه تم إخلاء سبيل الأب.

كانت أكثر اللحظات التي أثارت غضبنا هو ضحك أحد رجال الشغب على بكاء أخت مريم وابنة عمتها، أًستفزت الأخيرة وصرخت  غاضبة طالبة منه أن يتوقف عن الضحك والشماتة وأن يحترم نفسه. لم يكن بحرينياً ولا عربياً ليفهم ما تقول.

رذاذ الفلفل..

كنت التقط الصور حينها، لمحني أحدهم فيما هو خارج من المحل الذي اعتقلت فيه مريم. فاجأني برش بخاخ رذاذ الفلفل على وجهي، التهب وجهي سريعا، لم أعد قادرة على فتح عيني، رغم أني كنت حينها أرتدي نظارة شمسية، إلا أنه قام برش كمية كبيرة وصلت لعيني. بقيت أكثر من ثلث ساعة أتلوى بسبب حرق وجهي وعيني ويديي، غير قادرة على فتح عيني. الفتيات حاولن مساعدتي في المشي وكن يحاولن تهدأتي. لم يكن قادرات على فعل شيء لي، فلا يجب أن ألمس وجهي ولا أرشه بالماء ولا بالحليب كي لا يلتهب أكثر. كنت أتألم وأضرب على رأسي دون وعي مني من شدة ألم الحرق في وجهي وعيني.

مرت حينها مجموعة كبيرة من قوات الشغب يتوسطهم ضابط يرتدي الثوب البحريني. شكت له الفتيات ما فعله بي رجالهم. سأل ماذا كانت تفعل حين تم رشها بالفلفل؟ قالوا لا شيء سوى أنها وقفت تُشاهد ما يحدث، قال إذن لتذهب للمركز وتشتكي إن كان لها حق! قلت له: ليس هناك (رجال) في حكومتك يأخذ لي حقي، فنحن في بلد مقلوبة فيه الآية، جميعكم أشباه رجال، تظهرون بعض من رجولتكم على النساء. تجاهلني وسار مع من معه بعد أن طلب منا أن نبتعد عن المكان وإلا ....! (تهديد لم أُميزه).

قوات النظام أفرطت في استخدام المادة الحارقة (رذاذ الفلفل) ورشها على وجوه المحتجات. هذا الرذاذ يُهيج الجلد ويسبب حرقان لمدة طويلة. لا تزال يداي متهيجتين وأشعر بالحرقة.

تحرير الشاب..


رأينا بعدها فرق الشغب، تُلاحق المتظاهرين الذين يرددون شعارات التسقيط. استطاعوا أن يمسكوا بأحد الشباب، تدافعنا نحن الفتيات لتحريره، كان الشاب يتوسطه العديد من المرزقة، اختلط المشهد بالمرتزقة الذين يُنكلون بالشاب في محاولة اعتقاله، والفتيات اللاتي يحاولن تحريره. استفزني منظر الشاب الملقى على الأرض وهو في طور الاعتقال. دفعت أحد المرتزقة الممسكين بالشاب بيدي، فقام المرتزق بضربي على أعلى بطني. ركلته بقدمي ويديي محاولة تحرير الشاب، وجهت له عدة ضربات على أعلى جسده حتى استطعت مع الفتيات تحرير الشاب. فررنا سريعاً أنا والشاب والشغب يلاحقنا. اختبأت في أحد المحلات. كان بطني يؤلمني من  شدة الضربات التي وجهها المرتزق لي. لم أكن مكترثة. أكثر ما أهمني حينها أن الشاب قد فلت من قبضتهم.

المضحك أن صديقتي@OmMujtaba2005 كانت تحاول مساعدة فتاة سقطت على الأرض، فيما هي تناضل من أجل تحرير الشاب  (ابن عمتها)، وحين شاهدت المرتزق وهو يضربني، قامت بلا شعور بدفع الفتاة ناحيته كي يتركني.  

الرائع أن المحتجين كانوا يعيدون ترتيب صفوفهم ويخرجون للتظاهر بعد كل قمع مفرط بالغازات السامة والقنابل الصوتية والملاحقات الشرسة.

قنابل صوتية..

  &&qut2&&
من ضمن جرائم النظام التي شهدتها اليوم أيضاً، إلقاء عدة قنابل صوتية بشكل مباشر على المتظاهرين حتى أصابت إحدى الفتيات وتمزقت عباءتها بشكل كبير. الحمدلله أن الطلقة لم تصب جسدها وإلا أحدثت لها إصابة خطيرة.

قنبلة صوتية أخرى تم القاؤها على فتاة تسير برفقة والدها، حتى اتسخا من رأسيهما لأسفل قدميهما بالرمل. لا أعرف هل نوعية القنابل الصوتية تتناثر منها حُبيبات الرمل، أو أنها عند لمسها للأرض يتناثر الرمل منها، مع أن أرض السوق مرصوفة ولا رمل فيها.

واصلت قوات الشغب قمعها الهستيري. وابل كبير من عبوات الغازات الخانقة، أحداها كانت قريبة منا جداً. قام أحد الشباب بحملها بيده وإعادة إلقائها ناحيتهم.  

هل أنا التالية؟

أختنقنا بالغازات السامة التي ملأت كل مكان حولنا. كدت أختنق وأنا أحاول أن أخرج من السحابة الكبيرة من الأدخنة. صرت أتصرف بهستيريا مجنونة. فقدت قدرتي على التنفس، كانت تمر حينها على رأسي صور الشهداء الذين قضوا اختناقاً بالغازات السامة: الرضيعة ساجدة فيصل، الطفل ياسين العصفور، الشهيد المسن جعفر لطف الله وغيرهم الكثير، هل سأكون التالية؟

ليس من السهل أبدا أن يموت أحدهم اختناقاً بالغازات، القتل خنقاً ليس أهون من القتل بالشوزن أو بالرصاص الذي يطلقه النظام على أجساد شبابنا، بل ربما أصعب، إنه قتل بطيء واللحظة في وسط الاختناق بعام.

قررت أنا وصديقتي مغادرة المنامة بعد أن حل الظلام. تفاجأنا بفرقة من قوات الشغب لا تزال تمارس عنجهيتها بملاحقة المتظاهرين. كانت المنامة تختنق. هكذا غادرناها. مليئة برائحة القمع وسحابات الخنق، ولا عزاء لحرية الرأي ولا لحرية الاعتصام السلمي ولا لشيء مما يقال في معاهدات الكذب الباهظ الثمن.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus