»
ما العمل سلميًا؟
2012-05-07 - 8:07 ص

جاسم العويك*
لم يستنفد شعب البحرين كل خياراته في المقاومة السلمية، بينما استنفذت السلطة أغلب خياراتها ( قمع / حوارات وهمية / تعديلات دستورية شكلية)، ولم يبق لديها الآن سوى زيادة جرعات القمع أو خفضها حسب الأوضاع، والتي لن تؤثر كثيرًا في مسار الحركة السلمية المطالبة بالديمقراطية. الشعب انتصر منذ يوم الرابع عشر من فبراير، وما تحقيق الانتصار سوى مسألة كلفة ووقت فقط، بل إنني أستطيع القول أن الانتصار أمر ثانوي تمامًا ، فهدف الحركة السلمية النهائي هو تحقيق العزة والكرامة، وأن يشعر الفرد بذاته ووجوده الإنساني، وهذا الإحساس يتوالد لدى شعب البحرين وهو في حال المقاومة السلمية، هذا الإحساس هو الهدف النهائي وهو ما نحققه الآن .
بدأت ثورة الرابع عشر من فبراير بأحداث دراماتيكية غير متوقعة من ناحية الهبّة الجماهيرية والقمع المقابل لها.كان هناك استعجال لتحقيق النصر كما حدث في تونس ومصر، والآن بعد مرور سنة ونصف على الثورة، نستطيع أن نضبط أعصابنا. هناك خيارات كثيرة في المقاومة السلمية والتي لم تعتمد منها المعارضة إلا خيارًا واحدًا، وهو التجمعات والاعتصامات ولواحقها كطوق الكرامة.
كانت هناك نداءات عبر الفيسبوك للمقاطعة أو فعاليات بنك الكرامة، بدأت بداية جيدة لكنها لم تستمر طويلًا، ففعاليات من هذا النوع تحتاج إلى تنسيق جميع فروع المعارضة، مع دعاية جيدة، فاللامركزية مفيدة في حال الاعتصامات التي ستقابل بالقمع من أجل تشتيت رجال الشغب، لكن في مسائل المقاومة المدنية كالمقاطعة من المهم تنسيق الجهود والإعلان المستمر وعدم الاكتفاء بحماسة الناس للمشاركة.
من الضروري استغلال كافة فئات المجتمع، فالاعتماد على الشباب في الساحات هو خيار مهلك على المستوى البعيد ، كما أنهم أقلية بالنسبة للمجتمع، فهناك طاقة معطلة من المجتمع، أو أنها لا تجد طريقًا للمقاومة السلمية بما يتناسب وقدراتها. فليس الجميع شجاعًا أو قادرًا على تقديم التضحيات، لكن الأغلبية تشعر بكرامتها وحريتها التي استنشقتها في ميدان اللؤلؤة، وتريد أن تفعل شيئًا ما، أو أن تساهم بشيء ما. كلنا يعرف أن التراجع في هذا الظرف التاريخي يعني انتحارًا، وأن السلطة ما أن تسترد أنفاسها حتى تطبخنا على نارٍ هادئة، هذا الإحساس هو ما يدفع الجميع للتكاتف والصمود.
يقدم لنا عبد الهادي الخواجة درسًا بليغًا في المقاومة السلمية، وهو السجن (في السجن؟) عبر إضرابه عن الطعام، فهو منتصر بجميع الاحتمالات؛ إن رحل تحول إلى أسطورةٍ عالمية وكشف قبح النظام، وإن أُفرج عنه فهذا يعني انتصار إرادة الحرية، إن غذوهُ قسرياً فهذا يعني خوفهم لدرجة أن يكونوا مسؤولين عن الحفاظ على حياته .هذا خيار الخواجة الذي اتخذه بما يتناسب وقدراته وصلابة روحه، ووفق ظرفه وموقعه. إنه درسٌ بليغ لسجانيه وللشعب أيضًا، فالمقاومة السلمية غير قادرة على إسقاط حكم العسكر، لكنها قادرة على إحراجهم إلى أن يقتنعوا ذات يوم، أو يضطروا للاقتناع بأن البشر متساوون، عندما تصبح كلفة القمع واللامساواة أغلى من الدم المسفوك.
هل لابدَّ للعمل السلمي أن ينتصر؟
كلا، هناك احتمالية للفشل أو النصر تمامًا كأي مقاومة، سواءً كانت مسلحة أو مدنية، سلمية أو تتخذ العنف، وهذا لا يطعن في شرعيتها، لكنها لابدَّ أن تنتصر معنويًا وأخلاقيًا. يعلمنا السيد المسيح والإمام زين العابدين كيف نحوّل كل حياتنا البسيطة إلى حياة كرامة ومقاومة للطغاة.
تختار بعض الشعوب الخيار السلمي ليس لأنها لاتملك خيارًا آخر فقط، لكنه أشبه ما يكون بعملٍ أخلاقي وأسلوب حياة، ومن أجل الحفاظ على السلم الأهلي. أما النصر النهائي فيتحدد بعوامل عديدة، لكن بذرته تأتي من الشعب ذاته، وما يبدو فشلًا في الوقت الراهن، قد يؤسس لانتصارٍ لاحق. في المجال العسكري النهاية واضحة بالانتصار أو الهزيمة بينما في العمل السلمي لا توجد هزيمة، لأنه لا توجد نهاية نستطيع القول فيها إن الشعب لم ينتصر.
استراتيجيات العمل السلمي تقوم على:
- البساطة: تتخذ المقاومة شكلًا بسيطًا يكون في متناول الجميع، مع الحفاظ على الحياة أو الأذى المباشر، ويجعل الدولة في موقع الحرج لو مارست القمع، مثال لجوء غاندي إلى البحر لاستخراج الملح ومقاطعة الملح البريطاني، أو نسج الملابس ومقاطعة الملابس المصنعة في بريطانيا، أو كما فعلت إحدى حركات السود في أمريكا عام 56، حيث كانت باصات النقل العام مقسمة عنصريًا إلى صف للسود وصف للبيض، فدعت الحركة إلى مقاطعة وسائل النقل والذهاب للعمل مشيًا على الأقدام، وتكفلت الحركة بنقل المرضى والعجائز، وفي النهاية اضطرت الشركة للتفاوض وإزالة الحواجز العنصرية.
- رؤية الأثر: بالإضافة للشعور الداخلي الذي يمنحه العمل السلمي للفرد، من الجيد أن يبدو ما يحدثه في الخارج، مما يشكل محفزًا على الاستمرار. عدم التغافل عن أي أثر خارجي مهما كان بسيطًا
- الكل حسب قدرته: لا تقدم على شيء إذا شعرت أنه يتجاوز قدرتك على الاحتمال، حفّز السلبيين على المقاومة وضخم أعمالهم مهما بدت صغيرة، ولا تضع نفسك معيارًا للشجاعة أو الجبن.
- استمثار كافة الفئات: من الطبيعي أن يكون الشجعان في أي مجتمع هم القلة، وهؤلاء لا يمكن الاتكاء عليهم وحدهم لنجاح العمل السلمي، قد تبدو المسيرات المرخصة مضرة في أحد جوانبها لكنها مفيدة في هذا الجانب.
- جذب التعاطف: حشد الأنصار، مهما بدا الشيء متأخرًا لابدَّ من تقديره، الاهتمام بالأفكار والأهداف عوضًا عن الشخوص.
- نزع الرغبة في الانتقام: وهذهِ من أصعب الأشياء على النفس البشرية، فالأنظمة قد تصل لمرحلة تجد أنه من الضروري عقد حوار حقيقي والتنازل لكنها لا تفعل ذلك خوفًا من الانتقام، لكن لابدَّ من أن تصل الرسالة الصحيحة: الصفح عن قوة ومحبة في الحياة وليس عن جبن.
- تحمل التضحيات: قد يجد البعض ذاته أو جماعته هي التي تتحمل كلفة التغيير، بينما ينعم الآخرون بحياة طبيعية، فيتولد لديه شعور باليأس: لماذا أنا وحدي من يتحمل التضحية بينما الخير سيعم الجميع؟ هذا لايبدو عادلًا، لكن من الذي سيتحمل كلفة التغيير إن لم تكن هي الفئة التي تتعرض للتهميش أو الاستغلال؟! كما أن أسلوب المقاومة السلمية بحد ذاته يجعل الإنسان إنسانًا بغض النظر عن النهاية، فقبل 14 فبراير وصلنا لمرحلة من اليأس اعتبرنا فيها الظلم والفساد واللامساواة والاعتقالات التعسفية وكأنها شيء طبيعي أو كأنها قضاء وقدر.
لنفكر معًا في وسائل سلمية ولنتخذها أسلوبًا حيًا، ولتتحد الجهود جميعها، فلم نستنفد بعد كل الوسائل بينما السلطة أعلنت إفلاسها وهذا هو الوقت المناسب للتصعيد السلمي.
*كاتب بحرني.