»
اسطوانات كتاب السلطة : البحريني الأصيل
2011-08-19 - 2:00 م

فمن هو هذا البحريني الأصيل الذي يقبع في مخيلة (سوار)؟
جاسم العويك*
تكمن وظيفة كاتب السلطة في تبرير البقاء على الوضع الراهن ومقاومة أي تغيير سياسي أو اجتماعي وأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، وذلك حفاظاً على المنجزات والمكتسبات، والتي هي مكتسباته ومنجزاتهُ الشخصية وليست مكتسبات ومنجزات الوطن، فمادام الكاتب ينطوي تحت مؤسسة السلطة التي تدفع راتبه ومنها يعتاش فإنه لايستطيع أن يتبنى موقفاً نقدياً محايداً ـ ومن ثم تبرز حزمة التبريرات، ولكل كاتب موهبته وأسلوبه وثقافته التي بها يقصف الناس لكنهم يعزفون على وترٍ واحد، وهو أننا نعيش أجمل الأيام .
فعقيل سوار مثلاً ـ كاتب المسرحيات الشعبيه ـ يمجد كل ما يراه حكمة وفطنة شعبيه إن كانت قدريّه وترضخ للوضع القائم، وهو يرش في ثنايا مقالاته بعض العبارات والأمثال والألفاظ الشعبية ويمجدها باعتبارها تمثل البحريني الأصيل، بينما تكون ذات النفس الشعبية مثار استهزاء وسخرية من قبله إن كانت تمثل الرغبة بالتغيير، بل تصل المسألة حد السخريه من لهجة فئة معينة من الناس باعتبارها تقول كلاماً أكبر منها، مثال ذلك قوله في مقال نبوءة الحاجة زينب في صحيفة الوطن الاثنين 4 يوليو (نسيت أضيف، لقائمة العرافين، عمتنا الحاجة زينب من الحورة الحدادة أطال الله عمرها... فهي دائمة التذكير: قلت ليهم لا تطلعون من الدوار.. نطروا بس مال اليمن يطيح!) وفي صحيفة الوطن 10 يوليو يقول (فبمثل هذا التحصين المذهبي هتك حق التفكير وأنزل مستوى وعي الناس إلى حضيض مناقشة صحة أو خطأ استخدام المولوتوف أو (المنتوف) كما يلفظه بعض هؤلاء)، وكلنا يعرف أن الأمثال الشعبية تقول الشيء ونقيضه، فهي قد تحث على البذخ من غير حدود وقد تحث على الإدخارالمبالغ به أيضاً، وليس هنالك من منطق في استخدامها سوى مزاج الشخص وعاطفته على طريقة المثل الشعبي (حب وقول وابغض وقول) وعندما ترتكز مقالات سوار على الأمثال الشعبية يصبح كل ما هو حسن باتجاه السلطة وكل ماهو سيء باتجاه المعارضة مثل ذلك تشبيهه سلوك الوفاق بـ (عمى القطاوة) لأنها تصر على مطالبها رغم كل الضربات الأمنية التي يتلقاها جمهورها، فيقول في صحيفة الوطن السبت 3 يوليو "فإذا أخطأ الواحد منهم قيل له زجراً (وعمه قطاوة!!)، فهل أن القطط تختلف عن غيرها من الحيوانات أم أنها فحسب كانت عرضة للملاحظة لأنها أكثرانتشارا في بيئتنا البيتية من أبناء عمومتها الكلاب والذئاب إلخ.. ما أعرفه ولاحظته في صغري إبان شغف أبناء جيلي بالحيوانات، وقبل وقت طويل من شغفي بالمجازات الشعبية، هو أن القطة الضريرة تثابر مثابرة غير عادية على أن تصل لغايتها من نفس المكان الذي تصطدم به مرة بعد مرة) مع أنَّ ذات الأمثال يصح استخدامها على السلطة أيضاً والتي تكرر تعاملها الأمني مع مطالب الشعب دون حلول جذرية.
وفي مقصدٍ آخر يستخدم سوار مثل ( عبد طايح في عصيدة ) في صحيفة الوطن السبت 30 يوليو، يقول (وشواهدي على المجاهرة، هي أن الوفاق أصبحت مؤخراً تتصرف تصرف (العبد الطايح في عصيدة!) كما يقول المثل الشعبي، وكما يبدو من استخفافها مجدداً بالحوار الوطني وبلجنة بسيوني) وعندما يقُال بأن الأمثال لاتُعارض، ذلك كونها لاتشكل حجة منطقية يمكن الرد عليها إلا باستخدام أمثال تناقضها، ولايمكن معارضتها رغم أنها تسيء إلى جموع عريضة من الناس، فهي بالنهاية مجرد أمثال وبهذا يتملص قائلها من أي شبهة إساءة أو عنصرية تجاه من يقصدهم بحزمة الأمثال تلك، ويكفي أن نعكس تلكَ الأمثال باتجاه رموز السلطة لنعرف كم تحوي من إساءة لن يتقبلها (سوار) على من يحبهم، وعلى الرغم من أنَّ الحركة الاحتجاجية منذ فبراير كانت شعبية، وتشهد بذلك شعاراتها ورمزوها التي أفرزتها ممن يسميهم (سوار) استهزاءً بالأفندية، والتي طغت على التأثيرات الدينية أو الأيدلوجية لبعض القوى المشاركه، فنموذج مثل نبيل رجب يغيظ كاتبنا أكثر من أي شخصية دينية كونهُ من حيث الهيئة وطريقة العمل بسيطاً وشعبياً، وأصبحت (زلابية) نبيل تتردد شعبياً أكثر من أي مقطعٍ من مسرحية ( سوق المقاصيص) لكاتبنا، فيقول عنه في صحيفة الوطن / الثلاثء 26 يوليو (هذا حتى مع معرفة أطراف (عليمة) مثل نبيل رجب، وغيره من كتاب وناشطين أفندية، تحولوا فجأة لمخلوقات طائفية فضائية لزجة وساع العيون، صغار القلوب، ألسنتهم أطول من لسان ''الخبابة''!،)والعجيب في كاتب المسرحيات الشعبية أن ينحاز للأرستقراطية بتصوير حركةٍ شعبية غوغاءَ وفوضى، وهي ليست معياراً للبحريني الأصيل.
ومصطلح (البحريني الأصيل) بحاجة لتشريح، فمن هو هذا البحريني الأصيل الذي يقبع في مخيلة سوار، وماهي صفاته وماذا علينا أن نفعل تجاه شخص لايمثل البحريني الأصيل، وهل الهوية هي حالة دائمة وأبدية أم أنها في حركة مستمرة، وهل هناك على مقياس البحريني الأصيل، ألماني أصيل أو إيطالي أصيل، بلى، هما من اختراع أدولف هتلر وموسوليني، إن مفهوم البحريني الأصيل الذي يطرحه سوار يشكل احتفالاً بالجمود ومصداً لأي تغيير بحجة مخالفته للطبع البحريني الأصيل، وككل مهتمِّ بالشأن الشعبي فإنه يخلق لنفسهِ يوتوبيا رومانسية عن الماضي وفي حالة سوار فهو يجعل من منطقة الحورة في الستينات بمثابة دلمون المفقودة، وكل ما يخالفها من طباع أو لهجات أو مزاج مخالفاً لمعيار البحريني الأصيل، إن كل خطاب لديهِ تصور عن أصالةٍ ما، فإنه يحمل في داخلهِ نزعةً استئصالية، سواءً كانت أصالةً دينية أو قومية أو وطنية، فلكل شخص الحق في الحنين لماضيهِ وما يشكل لهُ من مرجعية، لكن المشكلة تبدأ عندما تجعل من هذا الحنين معياراً تقيس بهِ الآخرين.
* كاتب بحريني