مطر .. مطر: أنشودة الغياب
2011-05-26 - 8:27 ص
"مطر..
مطر..
مطر..
في كلّ قطرة من المطرْ
حمراء أو صفراء من أجنَّةِ الزَّهَرْ.
وكلّ دمعة من الجياع والعراة
وكلّ قطرةٍ تراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظار مبسمٍ جديد
أو حُلمةٌ تورَّدت على فم الوليدْ
في عالم الغد الفتيّ، واهب الحياة " الشاعر بدر شاكر السياب.
مرآة البحرين (خاص): في هذه القصيدة؛ لم يكن الشّاعر العراقي بدر شاكر السّياب يتحدّث عن النّائب المستقيل مطر مطر. هذا لا شكّ فيه. لكن أنشودته كانت حتماً تُحلِّق في الخليج، هذا المدى الذي تتماطرُ عليه دماء أهل البحرين.
النّائب الأصغر سنّاً في البرلمان، والحاصد أعلى الأصوات التّمثيليّة؛ لا يمكن أن يكون شيئاً مختلفاً عن اسمه ولقبه: مطر. يريد النّائب الشّاب أن يؤكّد علينا أنّ بشارته تبقى مطراً، في الأوّل وفي المنتهى، ولو كان مطافه السّياسي القصير قد انتهى بالاعتقال التّعسفي.
أحد أصدقاء مطر يتحدّث عن جوانب من شخصيته مؤكّداً أنّ "آخر ما كان متوقّعاً هو اعتقال هذا الشّاب المليء بالسّكون والعقلانيّة". يتبنّى مطر رؤية سياسيّة مفادها أنّ العمل السّلمي من خلال المؤسّسة هو أفضل الخيارات المتاحة. ينتقدُ الخيارات الأخرى التي تحمل عناوين الممانعة، رغم اقترابه من أجوائها، وحرْصه على توقير رموزها.
في إحدى ليالي شهر رمضان، عندما كان أحد أقربائه معتقلاً في شبكة أغسطس؛ لم يُغيّر مطر من مكانه السّياسي في جمعية "الوفاق". جادَله بعض أصدقائه بأنّ السّلطة "انقلبت على تعهّداتها أكثر من مرّة"، والأنباء تؤكد "تعرُّض المعتقلين لتعذيبٍ وحشي". حاول مطر أن يُظهِر تأثّره الصّادق، لكنه عادَ وأكّد أنّ التّصعيد واللّجوء إلى الشّارع يعني تقديم مزيد من الضّحايا، ومن غير داع.
من موقعه في شورى "الوفاق"، لم يكتفِ مطر بأدوار الاستماع والإمضاء على القرارات. يذكرُ أحد زملائه أنّه كان يُناقش كلّ "المسلّمات" التي تتبنّاها الجمعية. أسلوبه في مناقشة الآراء يعتمد الدّليل دائماً، ويُفضّلُ توفير "أوراق" معدّة لكلّ ما يُطرَح. لهذا السّبب كان له بروزه في بعض الملفات التي تولّتها كتلة الوفاق النيابيّة في دورتها السّابقة.
رزانته في الاختلاف، وخلوّه من التملّق واستجداء المناصب والشّهرة؛ جعله الخيار الأنسب عند أمين عام الوفاق. الأهمّ من ذلك، فإنّ النّائب الشّاب ناجح في حياته العمليّة، وله نشاطه الشّبابي المعروف، وقد عزّز هدوءه الفكري واعتدال مقارباته بتوسيع نطاق معرفته للعلاقات السّياسية الدّولية ودراسة بعض "البرامج لتخصصية".
"المشكلة في النظام الحاكم. هل لديه الاستعداد للكفّ عن سلطته المطلقة لصالح الإرادة الشّعبيّة أم لا؟!". بهذا الوضوح كان يحضرُ في الإعلام الأجنبي الذي مهرَ في مخاطبته. وليس مجهولاً وقوفه أمام الوزيرة كلنتون موضّحاً طبيعة المطالبات الشّعبية وسياسة النّظام الرّافضة للحوار. عاينَ عن قُرب طبيعة التّفكير الغربي، الأميركي خاصة، وكان لديه قناعة بأنّ المتغيّر الخارجي ليس له أيّ تأثير حاسم على الإصلاح الدّاخلي، إلا بقدر تحقيق نقلة نوعية في أوضاع البيت الدّاخلي للمعارضة.
في أوّل آهات فبراير؛ لم يخش الالتحام بالنّاس، وهو الشّاب الذي لا يملك حصانة الرّموز ولا إسناد الشّعبيّة الكاسحة. بهزّاتٍ من رأسه، وحبّاتٍ من العطف المتدفّق من عينيه.. وضعَ نفسه بين غضب الجمهور الملتهب بعسف النّظام وبأسه، يُشارُك الألم ويفتح معهم الخيارَ الجديد.
يقبعُ مطرُ اليوم في العتمة. غير معروفة الاتهامات الموجّهة إليه، عدا وقوفه إلى جانب شعبه ووفائه للقسم. سيكون، مع النّائب المستقيل جواد فيروز، من أوائل النّواب الذين وظّفوا طاقتهم للإصلاح والحوار، فأرادهم النظامُ سجناءَ مشروعه الإصلاحي الواعدُ بالإعدامات والسّجون المؤبّدة.
"تعطّل الجهاز". نظرية مطر، العارف بتكنولوجيا الحاسوب، تقترحُ أحد حلّين، معالجة العُطل بإضافة تحسينات برمجيّة ملائمة وأصليّة، أو استبدال الجهاز بآخر جديد من غير مماطلة، وبلا تكبّد لخسائر إضافيّة في التّصليح الدّائم. لكن ماذا إذا تعطّل النّظام؟ الأقوى أنّ نظرية مطر تصلحُ هنا أيضاً.
.. وبانتظار هطول المطر..