تأملات في الدولة والمجتمع في البحرين

يوسف مكي - 2013-06-11 - 5:32 م

يوسف مكي* 

(1)
من حيث المظاهر والمناظر يبدو أننا في دولة مدنية تسودها المؤسسات الحديثة وتنتظمها القوانين المدنية، التي يعيش تحتها المواطنون سواسية، وبدون عناء يمكن العثور على الكثير من مظاهر ومعالم الدولة الحديثة، حيث الصحف، والمحاكم، والجمعيات السياسية، والانتخابات الدورية، ووجود مجلس تشريعي، ووجود دستور ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ومؤسسات مجتمع مدني، ومؤسسات حقوق الإنسان والحيوان، ومؤسسات خاصة بالطفولة، وجهات خاصة بالمرأة وشؤونها، ومؤسسات خاصة بالشباب، وأخرى بالثقافة، وأخرى بالاقتصاد، وغيرها كثير. 

(2)
كل هذه المؤسسات، وبغض النظر عن مسمياتها موجودة في مملكة البحرين، إلا أنها من حيث المحتوى لا تعبر عن مفهوم الدولة المدنية، على الرغم من شكلها المدني الحديث، إنما تعبر عن مفهوم آخر هو مفهوم الدولة القبلية، الدولة التي تتمظهر في زي مدني مختلف الألوان والأشكال، ولكن المضمون قبلي من حيث الممارسات، بحيث يتم توظيف كل هذه الأشكال المدنية الحديثة، من القوانين إلى المؤسسات، بعيدًا عن وظيفتها المدنية الأصلية، لتستعمل من أجل تأبيد حكم القبيلة، وثبيت دولة القبيلة بدلًا من دولة القانون، ومصالح القبيلة  بدلًا عن مصالح المجتمع ككل. 

(3)
في الدولة المدنية، يُحكم الناس وفقًا لإرادتهم وعن طريق صناديق الاقتراع، ومن خلال تداول السلطة، وإن المواطنين سواسية أمام القانون، كما يوجد فصل وظيفي بين السلطات الثلاث: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية. أما في مملكة البحرين فالسلطات الثلاث هي بيد السلطة التنفيذية، المملوكة حصريًا والمسجلة باسم القبيلة. فأين الدولة المدنية من هذا الاستيلاء بالقوة على مفاصل الدولة، وتوظيفها في خدمة القبيلة بدلًا عن خدمة المجتمع؟ إنها البحرين؛ الدولة ذات القبيلة الواحدة، والتي بيدها كل شيء، حتى الدولة غنيمة. 

(4)
في الدولة المدنية تكون الصحافة كما القضاء حرة، كما الناس أحرار، وفي البحرين صحافة وصحف وصحفيون أسوة بأكثر الدول تقدمًا، لكن مع ذلك الفرق كبير بين صحافتنا المدنية، وصحافة الدول المتقدمة، ولا وجه للمقارنة، لا في الشكل ولا في المحتوى، حيث أقرب وأصدق وصف على صحافة مملكة البحرين هو أنها صحف صفراء (مع استثناء جريدة واحدة)، وموالية، وملكية أكثر من الملك، وقائمة على التطبيل والتزمير لسياسات القبيلة، وصحفيوها يزاوجون بين عقلية التزوير والتدليس وعقلية رجال المخابرات. مؤسسات صحفية حديثة من حيث الشكل، تؤدي وظيفة كاتب او منشد القبيلة فيما مضى، صحافة بواجهة حديثة، ولكن بروح قبلية وعنصرية وفئوية، لأن دولة القبيلة تريد ذلك. 

(5)
الوظيفة الأساسية للدولة المدنية كما هي في الدول المتقدمة، هي أن تكون مدنية؛ أي أن تكون مرجعياتها المجتمع بقواه الحية والمدنية الحديثة، وليس مؤسسات المجتمع ما قبل الدولة المدنية، لكن الوظيفة الأهم للدولة هي أن تخدم جميع مواطنيها وتحميهم دون استثناء ودون تمييز، باعتبارهم مواطنين كلهم على قدم المساواة في كل شيء. 
أما في البحرين فالأمر مختلف جدًا، إذْ توجد دولة/ قبيلة لكن لا يوجد من منظورها مواطنون إنما رعايا، ووفقًا لذلك يتم تشطير المجتمع على أسس طائفية ومذهبية، وفي الأحداث الجسام تقوم الدولة بشق المجتمع إلى موالين ومناصرين ومخلصين من جهة، وآخرين خونة ومتآمرين وصفويين من جهة أخرى، أوغير موالين للشيوخ/ للقبيلة. 
في البحرين كل شيء حديث وبواجهة حديثة، لكن بالمقابل كل شيء من حيث المضمون قديم وتجاوزه الزمن، فالحكم مضمونه قبلي بامتياز، والقضاء مضمونه قبلي، والمملكة الدستورية محتواها قبلي، حيث الشيخ في يده كل شيء، وبيده يحيي ويميت، وبيده يعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء. نعم هذه هي المملكة الدستورية شكلًا، والقبلية من حيث المضمون والممارسات. 

(6)
في الدولة المدنية الحديثة يكون الأمن مجالًا مفتوحًا لمختلف طبقات الشعب دون مصادرة حق أي فئة أو طبقة أو طائفة في الانخراط في قطاع الأمن أو الدفاع، أو أي قطاع آخر، فالدولة هي ملك مشاع لكل فئات الشعب، للمواطنين الاحرار والمتساوين أمام القانون وأمام الوظائف، بما فيها الأمن. 
أما في مملكة البحرين فإن الأمن فهو ملكية حصرية في يد القبيلة، ومن يواليها من القبائل والعوائل، أو ممن تجلبهم القبيلة من مختلف أصقاع الدنيا، لكنه ممنوع على الطائفة الشيعية أن ينخرطوا في هذا القطاع، فهم رعايا من الدرجة الثانية والثالثة، ولا يؤمن جانبهم من وجهة نظر الدولة/ القبيلة،  وحقهم مصادر في هذا الشأن. أمن في البحرين الحديثة يقوم على منطق القبيلة كما كان العهد في الماضي حيث يعتمد الأمن  فيما مضى على الفداوية، والآن فداوية ولكن ببزّات حديثة، وبشكلٍ حديث.   

(7)
الدولة الحديثة تكون حيادية في تعاملها مع المجتمع وقواه ومكوناته المتنوعة والمختلفة المشارب، بمعنى أن تكون الدولة ممثلة للكل الاجتماعي دون تمميز أوتفريق، وعلى نفس المسافة من كل الأطراف. 

في مملكة البحرين الأمر مختلف، فهناك أهل الفاتح الأصيلين والموالين للقبيلة، والذين أوقفوا الانقلاب على الشيوخ، وفي المقابل هناك العملاء والخونة وأهل الدوّار والصفويون، وأصحاب خيمة 6.  وهناك أيضًا الإرهابيون الذين يرشقون رجال الأمن بالمولتوف والأسياخ،  يرشقون رجال الأمن المساكين، الذين جاءوا من شتى بقاع الأرض، الذين يقومون بمواجهة المتظاهرين والمحتجين منذ 14 فبراير، بالوروود، وليس بالرصاص، أو بالشوزن، أو مسيلات الدموع، أو بالدهس بالسيارات، أو بالضرب على مرأى ومسمع من المارة. المجتمع في مملكة البحرين، ووفقًا لمنطق القبيلة، هو مجتمعان : أهل الفاتح الموالي، وأهل الدوّار الخائن. إنها قسمة ضيزى. 

(8)
هذه هي الدولة المدنية في البحرين، وهذه هي تعبيراتها المدنية، والتي هي أبعد ما تكون عن منطق المدنية، ومنطق الحداثة والتحديث. إنها دولة بالتاكيد لكنها ليست مدنية بأي حال من الأحوال، إنها في أبسط أحوالها دولة قبلية، حتى ولو وجدت فيها مؤسسات مدنية، يظل منطق القبيلة هو الحاكم والمسيطر لآليات عمل هذه المؤسسات. والتعامل مع المجتمع من منظور القبيلة ومصالحها. تلك إذن تاملات في دولة القبيلة ومجتمع القبيلة، المبتلى بالقبيلة. 


*باحث بحريني في علم الاجتماع.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus