مرسوم "السلامة": خزي المراسيم واليد المطلقة
2011-05-25 - 4:25 م
مرآة البحرين (خاص): فيما تقترب لحظة رفع حالة "السلامة الوطنية"، فإن أسئلة عديدة تتظافر بشأن القانون المرعب الذي شرّع قتل البحرينيين واستباح قراهم ومدنهم الآمنة. طيلة 3 أشهر رأى الناس الجحيم. أكثر من 25 شهيداً راحوا ضحيته ما بين الهجوم الأول والثاني على "اللؤلؤة" 4 منهم أُزهقت أرواحهم في غرف التعذيب الوحشية. أكثر من 700 معتقلاً منهم نحو 100 امرأة و8 مفقودين لا يعرف مصيرهم حتى الساعة، إضافة إلى جرحى ناهزوا المائتين و 30. وفوق كل ذلك هناك عدد 2 محكومان بالإعدام. في ظل افتقار إلى أدنى مستويات الشرعية وظروف المحاكمات العادلة. كل شيء تغير في ظرف الثلاثة أشهر. يبدو التدقيق في هذا القانون السيء الصيت وتاريخه المخزي واجباً الآن بعد أن أزفت ساعة زواله.
■ طعون:
قدم عدة محامين في محاكم السلامة الوطنية، طعوناً في دستورية كل من المحكمة، والمرسوم الملكي رقم 18 لعام 2011، بشأن إعلان حالة السلامة الوطنية.
المرسوم لم ينشر في الجريدة الرسمية إلا بعد 3 أسابيع من صدوره، ما يجعله لاغياً، رغم مراوغة هيئة شئون الإعلام التي أصدرته كملحق.
في أقل الأحوال، جميع الإجراءات التي اتخذت بين إعلان حالة السلامة الوطنية وبين نشر المرسوم في الجريدة الرسمية باطلة وغير قانونية بنص المادة 122 من الدستور. هذه المادة لا تجيز العمل بالمراسيم إلا بعد شهر من نشرها في الجريدة الرسمية. لكن إجراءات الاعتقال والإخلاء ونشر الجيش ونقاط التفتيش وفرض حظر التجوال وغيره، كانت قد بدأت قبل نشر المرسوم وقبل معرفة تفاصيله.
■ وخطاب:
في رد فعل أقل حدة، قدم مجموعة من المحامين وقادة القوى السياسية خطاباً إلى النائب العام في وقت سابق (قبل نشر المرسوم بقانون رقم 18)، طالبوا بالإفراج عن المعتقلين، معتبرين احتجازهم مخالفاً للقانون. مذكرين أن حالة السلامة الوطنية لا تجيز تعطيل أحكام الدستور، ولا الحقوق والحريات والقوانين، لأن الدستور فرّق بوضوح بينها وبين الأحكام العرفية في هذا الشأن. وذكر الخطاب أن ليس هناك مبرر باختصاص القضاء العسكري، وخروج الأمر من النيابة العامة بمجرد إعلان حالة السلامة الوطنية، وذلك بحسب النص الواضح للمادة 105 فقرة (ب) من الدستور .
في دستور 2002، وردت حالة السلامة الوطنية في المادتين 36، و123. شملت تفسيرات توضيحية بحالة السلامة الوطنية في المذكرة التفسيرية للدستور.
■ وتقارير:
تحدثت تقارير صحفية في نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول 2002 عن قرب صدور مرسومين بـ "قانون السلامة الوطنية " وقانون "الأحكام العرفية". الخوف، أن يحل الأول مكان قانون أمن الدولة، بسبب مواد مسودة القانون التي سربت للصحافة، أبرزها أن القانون سيعطي السلطات المكلفة بإدارة حالة السلامة "خمسة عشر تدبيرا واجراءاً يشمل سلطات على التنقل والمرور، والتفتيش، ومنع التجمعات، وإيقاف مؤقت لجمعية أو نقابة، وتوقيف الصحافة لمدة سبعة أيام قابلة للتجديد بإذن من النيابة العامة، وتوقيف الأشخاص لمدة سبعة أيام قابلة للتجديد بإذن من النيابة العامة، ومراقبة المراسلات والمحادثات بإذن من السلطة القضائية".
الغريب أن إحدى مواد القانون المسربة، الثامنة تحديداً، تنص على "أن يحال الأمر إلى المحكمة الكبرى المدنية وليس العسكرية ". الأمر الذي اعتبرته التقارير الصحفية آنذاك، اختلافاً أساسياً عن قانون الأحكام العرفية رقم 27 لعام 1981 والذي "يعطي السلطات المسئولة مساحات واسعة لاتخاذ تدابير متشددة من دون الرجوع إلى القضاء المدني، إذ يتم الرجوع إلى القضاء العسكري . إذ تنص مواده على إنشاء محاكم خاصة تحت مسمى محاكم أمن الدولة لتختص بالنظر في الجرائم ذات العلاقة بالقانون".
■ وتاريخ:
كان مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ 4أغسطس/ آب، أي قبل انعقاد المجلس الوطني الجديد، أحال فعلاً مشروع مرسوم بقانون بشأن حالة السلامة الوطنية، إلى اللجنة الوزارية للشئون القانونية، يهدف إلى "تنظيم الوسائل التي تلجأ إليها الدولة عند حدوث أي طارىء يهدد السلامة العامة".
كما أحال في نفس الجلسة مشروع مرسوم بقانون بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 27 لعام 1981 بشأن الأحكام العرفية .
في 12 أغسطس/ آب 2002، أقامت جمعية العمل الوطني الديمقراطي ندوة تحت عنوان : "الشرعية الدستورية لكل من الأحكام العرفية و إعلانها" ، تحدث فيها المستشار حسن بوحجي الباحث في القانون الدستوري، عقّب على إحالة مجلس الوزراء للمشروع، وأشار إلى أن ذلك يعمل على "سلب اختصاص أصيل للسلطة التشريعية"، وحذر من تعطيل أحكام الدستور عن طريق الأحكام العرفية.
خلال تلك الفترة، انتشرت في المنتديات الإلكترونية نقاشات حول عودة قانون أمن الدولة بمسمى جديد هو قانون السلامة الوطنية وقانون الأحكام العرفية المعدل، وسط تشاؤم من العودة إلى المربع الأول.
■ وغرابة:
الغريب، أنه لا المرسوم بقانون بشأن حالة السلامة الوطنية قد صدر فعلاً، ولا المرسوم بقانون بشأن الأحكام العرفية قد تم تعديله.
في ظل الفراغ التشريعي فيما يخص حالة السلامة الوطنية، لا يوجد قانون تستند عليه الإجراءات والتدابير المشرّع استخدامها في هذه الحالة. القوانين الجاهزة للإصدار لم تصدر. المذكرة التفسيرية للدستور كانت واضحة في حاجتها لنص يفرّق بين حالة السلامة الوطنية (وهي المفردة الجديدة على الدستور) وحالة الأحكام العرفية (التي لا زال قانونها سارٍ منذ 1981).
في تفسير المادة 36 أن الدستور فرّق بين حالتين، السلامة الوطنية وحالة الأحكام العرفية "بحيث تختلف الوسائل التي تلجأ إليها الدولة في كل من الحالتين عن الأخرى". ذهبت المذكرة أبعد من ذلك: "لا تعلن الأحكام العرفية إلا في الحالات التي تهدد أمن وسلامة المملكة، ولا يكفي للسيطرة عليها استخدام ما ورد في القوانين العادية من إجراءات، أو تلك التي يفرضها إعلان حالة السلامة الوطنية".
السؤال: ما هي "تلك" الإجراءات والتدابير التي يفرضها إعلان حالة السلامة الوطنية؟
■ ودهشة:
الأكثر غرابة ودهشة، أن المرسوم الملكي رقم 18 لعام 2011، بشأن إعلان حالة السلامة الوطنية، يحتوي نصوصاً قانونية متطابقة مع المرسوم بقانون رقم 27 لعام 1981 بشأن تنظيم الأحكام العرفية، الإجراءات والتدابير نفسها.
النصوص الخاصة بإنشاء المحاكم الخاصة بالسلامة الوطنية، في المواد من 7 إلى 13 من مرسوم "السلامة الوطنية"، جاءت على غرار المواد من 5 إلى 11 والمادة 16 من المرسوم بقانون "الأحكام العرفية" والمتعلقة بتشكيل محاكم أمن الدولة.
رغم أن المرسوم الملكي لحالة السلامة الوطنية أشار إلى أنه استند إلى المادة 36 من الدستور، إلا أنه يكفينا اللجوء للمذكرة التفسيرية التي تفرّق بين السلامة الوطنية والعرفية، بأن إجراءات الأولى "أقل حدة ومساسا بحقوق الأفراد وحرياتهم من تلك التي يتم اللجوء إليها في حالة إعلان الأحكام العرفية".
■ وتساؤل قانوني:
القانونيون والسياسيون والمواطنون الذي انتهكت حقوقهم يتساءلون : ما الفرق بين حالة السلامة الوطنية وحالة الأحكام العرفية؟ وعلى أي قانون استند المرسوم الملكي في بيان الإجراءات والتدابير التي فوّض بها القائد العام؟ وكيف يقوم مرسوم ملكي بمقام قانون يمس سيادة وسلامة البلاد، فيشرّع إجراءات وتدابير قانونية تمس حقوق المواطنين التي كفلها الدستور، ويشكل محاكم خاصة دون مستند قانوني؟ والسؤال الأخير ما علاقة من صاغ قانون الأحكام العرفية بمن صاغ مرسوم حالة السلامة الوطنية؟