الحاجة إلى الاعتراف: عقدة تجمع الوحدة الوطنية
2011-05-24 - 9:30 ص
"أنا اللي استغرب منه لدرجة إني شوي واضحك، لما طلعوا ناس محتجين على حسين أوباما. يقولون له: ليش همشتنا
وماذكرتنا في خطابك؟يايبة خل اللي هني يعترفون بكم اول"من ستيتاس فيس بوك مصعب الشيخ صالح صحفي في اخبار الخليج.
مرآة البحرين (خاص): كحال المريض النفسي، لا ينتبه إلى عقدته، ولا يمل من تكرار العبارات الدالة عليها، هذا هو حال تجمع الوحدة الوطنية، لا ينتبه إلى أنه يعاني من عقدة الاعتراف به من قبل سيده (السلطة)، ولا يمل من تكرار العبارات الدالة على عقدته، وتأتي هذه التكرارات في سياقات مختلفة.
في سياق تجمع الفاتح الأول يوم الاثنين الموافق 21 فبراير/ شباط 2011 والثاني الأربعاء 2 مارس/ آذار 2011، كان التأكيد على الرقم، رقم الحضور، وقد عرّف الشيخ عبداللطيف المحمود جمهوره بالإحالة إلى الرقم "وقد أثبتم أنكم رقم مستقل لا يمكن تجاوزه أو تجاوز مطالبه". صارت حرب الفاتح، حرب أرقام، كما في بلاك بيري جريدة الوطن: "وصل عدد المتجمعين عند جامع الفاتح أكثر من300آلاف". أرقام حربها، من هو الأكثر، لم تجر لحظتها بعدُ، إسناد صفات الشرف والوطنية والخيانة والفتنة للأرقام.
بدأت حاجة تجمع الوحدة الوطنية إلى الاعتراف ترتفع نبرتها وحاجتها النفسية والسياسية، مع قرب نفاذ صلاحية استخدامه، واضطرار السلطة إلى التسويات، باعتبارها سنة السياسة وسنة الحياة، هنا اشتدت عقدة المريض النفسيه، بدأ يشعر ببوادر الاستغناء وانتفاء الحاجة، والعودة إلى سياسة الاستلحاق.
كان شعار "لنا مطالب" معداً لمواجهة مطالب المعارضة، وهي مطالب معيشية في مجملها. وبدأت حدة هذا الشعار تخف إلى حد التلاشي مع ضرب المعارضة ومطالبها السياسية، وتحول البلد من الحوار المحتمل إلى الخوار الأكيد الذي فرضته قوات درع الجزيرة. مع إعلان حالة الطوارئ، صار شعار المرحلة "لا عفا الله عما سلف"، وقد عبّرت عنه اللوحات الإعلانية الكبيرة التي انتشرت في مناطق التجمع بسرعة لافتة، وفيها مطالبة بإعدام من أسمتهم رموز الفتنة والانقلاب. إلى هنا والمطالب التي تريدها السلطة، مازالت تمررها عبر التجمع، فتبدو وكأنها مطالب شعبية.
لكن مع اضطرار السلطة إلى الإعلان عن إيقاف فرض قانون السلامة الوطنية قبل انتهائه بأسبوعين، وظهور بوادر الحوار مع المعارضة، لم تعد السلطة بحاجة إلى أن تمرر سياستها عبر التجمع، بل صار هذا التجمع حملاً ثقيلا على سياستها التي يجب أن تذهب مضطرة فيها. وهنا تبرز في سياق الحاجة إلى الاعتراف، استعارات الولادة الصعبة والجنين الذي يجب أن نحافظ عليه، والمولود الذي جاء ويجب أن يبقى، لن يخلو خطاب من خطابات تجمع الوحدة الوطنية، من استخدام لهذه الاستعارات. وتزداد هذه الاستعارات تداولاً كلما شعر آباء الجنين أن القبيلة بدأت تتنكر له أو تتجاهله أو لا توليه اعترافها الذي يليق به.
أمسى (وليس أصبح!) هذا التجمع يدرك أن الحاجة إليه بدأت تنتهي صلاحيتها، وأنه لن يعود حتى مستخدَّماً. هنا تظهر الحاجة إلى الاعتراف بقوة، قوة الحاجة السياسية الصراعية لا قوة التمثيل الوطنية، يعني حاجة جماعة التجمع إلى أن يكون لها كلمة مسموعة لتحفظ وجه كرامتها، أمام جمهورها وأمام خصومها، ويبرئها من الشعور النفسي الذي سيظل ملازما لها، وهو شعور أنها صنيعة الحكومة، وتيارها المتشدد على وجه الخصوص.
ستتخذ الحاجة إلى الاعترف في سياسة التجمع تحويل الخلاف السياسي إلى خلاف وجود، فالتجمع يوجد بقدر ما يُغيَّب المكون الآخر المعاوض، الاعتراف هنا قائم على إلغاء المكون الآخر. بقدر ما تعدمه تعترف بي، وبقدر ما تقصيه تعترف بي، وبقدر ما تهمّشه تعترف بي، وبقدر ما تستمر في سياسة التضييق عليه وعلى جمعياته وقواعده الشعبية، فأنت تعترف بي، بقدر ما تفتح سجونك له وتجوّع أبناءه وتذل عمّاله، فأنت تعترف بي، بقدر ما تقصي مشاركاته في السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، فأنت تعترف بي.
الاعتراف في المعارضة قائم على الاعتراف بالمطالب، تسلمت المعارضة شعار "ولنا مطالب" بترحاب وتفاؤل وطني كبير، وسعت لمدّ جسور وصل، ظنت لوهلة أن التيار الموالي بدأ يتحرك حسه الوطني، فصار مواطنا يطالب لا رعية تناشد. لكن تكشف الأمر مع خطاب الفاتح الثاني أن الشعار كان مراوغة سياسية وتشويشا على المعارضة. وتأكد للمعارضة خواء الشعار والاسم، فليست هناك مطالب حقيقية، وليس هناك رابطاً وطنياً يشد هذا التجمع.
الاعتراف سيظل مقروناً بالتذكير بالدور الذي أسداه هذا التجمع لتثبيت الحكم والخدمة التي قدمها لسلطته. ولسان حال هذا التجمع يقول: اعترفي بنا يا حكومة لأننا ثبتناك، اعترفي بنا لأننا حملنا صور خليفة بن سلمان في الفاتح، بعد أن كانت تداس في الدوار، اعترفي بنا لأننا حميناك من أن تتحولي إلى مملكة دستورية، اعترفي بنا ليس لأننا مواطنون وفق منطق الديمقراطية، بل وفق منطق القبيلة والحليف والموالي الذي يفزع لعصبيته.
إنه اعتراف لا تفرضه المواطنة، وإن لاك مشتقاتها في خطابه، بل تفرضه الحرب. الحرب مع المكون الآخر الذي لا يمكن أن تلتقي معه في إطار المعارضة أو المواطنة أو السياسة. إنه طلب اعتراف خطير، لأنه يحيل الدولة إلى مجموعة دول متحاربة أو مجوعات أهلية متصارعة.
في منطوق التجمع مع الحكومة، تقاس الأمور هكذا: أنت لن تعترفي فينا، حين تقبلين تغيير رئيس الوزراء أو تغيير الدستور، أو التحول إلى مملكة دستورية، أو تقبلين المكون الآخر مواطنا مسوايا لنا. هذا هو المنطق نفسه الذي جعل القبائل ترفض مشروع الدولة في 1923 الذي جاء بمحاكم مدنية يقف فيها سواسية ابن القبيلة وابن غير القبيلة. إننا لا نحتاج الى التحول إلى نظام الدولة كما في 1923 أو إقرار مبدأ المواطنة كما هو 14فبراير/ شباط، اذا كانت تساوينا مع المكون الآخر: الخونة، أهل الفتنة، الانقلابيين، الروافض، الصفويين.
الاعتراف صراع على السلطة في مفهوم التجمع، وحياة مشتركة في مفهوم المعارضة. في الصراع تريد فئة التغلب على فئة، وفي الحياة المشتركة تريد جماعة أن تتعايش مع جماعات، في صراع التجمع، الهدف هو أن يعترف بك رجال السلطة والقبيلة الذين يملكون القوة في أيديهم. وفي حراك المعارضة، الهدف هو أن تعترف بك أجهزة الدولة ومؤسساتها كمواطن لا كموالٍ ولا تابع ولا رعية.
في الاعتراف القائم على الصراع. تستعين بالكذب وتشويه خطاب الآخر وتهويله وشيطنته، كي تصطنع عدوا. اصطناع العدو هو المهمة الأساسية في هذا النوع من طلب الاعتراف. بقدر ما أثبت لك أنه عدوك تصبح حليفي، فتعترف أنت بحاجتك لي. هذا ما فعله التجمع، فالشيخ ناجي العربي عضو تجمع الوحدة الوطنية، طالب الحكومة بالقبض على الشيخ علي سلمان وجميع عناصر الوفاق وجميع رؤوس الفتنة دون تمييز. والشيخ عبداللطيف المحمود يصرح لجريدة الأيام أن رئيس جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان أبلغهم خلال الاجتماع الأخير أنه سيطلب الدعم من الجمهورية الإيرانية في حالة التعرض إلى الشيعة في البحرين، وأن لديه شهوداً سمعوا ما قاله سلمان بالحرف الواحد وكانوا معه في الاجتماع من ضمنهم الشيخ ناجي العربي وعدد كبير من أعضاء تجمع الوحدة الوطنية. لقد مضى أكثر من شهرين ولم نسمع تصريحاً أو تلميحاً أن الأمين العام لجمعية الوفاق قد طلب دعماً من أحد.
في الجزء الثاني، نحاول أن نجيب على الأسئلة التالية:
ما الذي يهدد هذا الاعتراف الآن؟ وما الذي يجعل الصحافي مصعب الشيخ يضحك على رسالة التجمع إلى حسين أوباما؟ وما علاقة بعبع العودة إلى القمقم بعقدة الاعتراف؟