مُشَاهدات من البحرين«3»: المرأة الوفاقية.. وقفة تأمل

إيمان شمس الدين - 2013-05-15 - 7:34 ص


إيمان شمس الدين*

بعد حضور مؤتمر المرأة، الذي نظمته دائرة شؤون المرأة في جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، تلمست مدى انعكاس الثورة على تطور مسيرة المرأة الوفاقية، ومدى قدرتها على اجتياز كثير من العوائق التي كانت تقف أمامها حائلًا في تحقيق مواقع متقدمة، داخل جمعية الوفاق بشكل خاص، وفي المجتمع البحريني بشكل عام.

حيث شكلت الثورة لحظتها التاريخية في إحداث التغيير الذي كانت تنشده وتسعى إليه سابقًا، فأثبتت قدرتها في التخطيط والتنفيذ والحضور في الميادين، حالها حال نساء البحرين كافة.

لكن كون المرأة الوفاقية تنتمي إلى تيار إسلامي، ولم تكن في الساحات السياسية كغيرها من نساء البحرين بالشكل الحالي، رغم وجودها بأشكال أخرى، إلا أنها حققت إنجازًا مهمًا في فترات زمنية كانت أقصرها زمنًا وأكثرها إنجازًا أثناء الثورة البحرينية.

لكن لا يخلو الأمر من ثغرات تعتبر طبيعية في سياق العمل ولازمة التغيير من أجل تطويره. فما زالت، بشكل عام، غالبية التيارات الإسلامية تعاني من أزمة ثقافية هي ثقافة العمل المؤسسي والمدني، من خلال  نظامٍ مؤسسيٍ داخلي، يتم من خلاله تحديد الأقسام والوظائف والصلاحيات، للتخلص من مركزية الإدارة من جهة، وعدم تداخل المهام من جهة أخرى، وعدم تداخل الصلاحيات من جهة ثالثة.

وقد لامستُ واقعًا وجود هذا الخلل المؤسسي في عمل المرأة الوفاقية، سواء كانت في حركة الوفاق أو في جسد جمعية التوعية أو المجلس العلمائي. هذا الخلل في العمل المؤسسي والخلل في التنظيم الإداري أمر وارد  جدًا أثناء مسيرة تطور العمل، إلا أن الإشارة له من باب لفت النظر لضرورة العمل على سد هذه الثغرات التي تسبب خللًا إداريًا ينعكس على ديناميكية وسيلان العمل النسوي من جهة، وعلى تطوره من جهة أخرى، حيث تُستنزف العاملات من النساء في خلافات تتمحور حول سوء الإدارة وعدم وجود تنسيق، وتداخل المهام والصلاحيات، بما ينعكس واقعًا على قطف مزيدٍ من الثمار المهمة في تقدم المرأة الوفاقية، خاصة في مجال العمل السياسي، الذي يؤهلها أكثر، ويؤهل قابليتها لتكون نائبة في البرلمان حينما يحين أوان ذلك.

فترتيب البيت الداخلي، والقدرة عليه، والتمكن منه، هو بداية مهمة للتمكن من الخارج، وتجهيز القابليات والكفاءات لاستلام زمام الأمور في البرلمان، جنبًا إلى جنب مع الرجل.

فكون جمعية الوفاق أعلنت تبنيها لنزول نساء في الانتخابات ودخولهن للبرلمان فإن ذلك لا يعني وجود تلك الكفاءات التي من الممكن أن تنطبق عليهن المواصفات والمعايير، فتبني الأمر كأبجدية وقناعة سياسية شيء، ووجود المصداق الفعلي الذي تنطبق عليه هذه الأبجدية شيء آخر، إذ أن تبني النظرية لا يعني أبدًا توفر القابليات للتطبيق.

وهذا يدفع المرأة الوفاقية لإثبات وجودها أكثر في هذه الثورة، وأول خطوة هي ترتيب البيت الداخلي، فمن قدر على نفسه كان على غيرها أقدر. فالترتيب الإداري والتنظيمي يقلل من عملية استنزاف الطاقات في غير محلها، ويختصر من الوقت والجهد المبذول، ويوجه هذا الجهد والوقت ليوظف في محله، فتزداد عملية التنمية الداخلية من خلال إبداعات الكوادر المنظمة.

إضافة للتركيز على التخصص بين الكوادر وليس الكادر الشامل، وتوزيع الظهور الإعلامي خاصة في الثورة، وفق هذا التخصص ووفق المهام والوظائف، كون التعدد في الظهور يعكس وجودًا للمرأة الوفاقية على كافة الأصعدة، ويعكس تنوعًا يضفي تعددًا في الأفكار والآراء، ولا يبقى حبيسًا لوجه واحد وعقل واحد وفكر واحد.

وللتشبيك دور مهم بين الوفاق والتوعية والعلمائي، في الجسد النسوي، لوجود دوائر مشتركة ومتداخلة بين جميع الجهات المذكورة، يتطلب فقط تحديده وتنظيمه، كي لا يسبب عائقًا في العمل المؤسسي. فالاكتفاء بعقلية التدين الظاهري والكمال الظاهري لم تعد مقبولة في أدبيات العمل المؤسسي، الذي يركز على إبراز الخارج بأجمل وضع بينما الوضع الداخلي فيه مضطرب إداريًا وتنظيميًا، وهي عقلية ابتلينا فيها جميعا في تعاطينا مع الآخر المختلف، حينما نطلق أحكامنا عليه من لباسه الظاهري، حتى لو كان داخله مضطرب وخواء. والمثل يضرب للتوضيح ولا يقاس. لذلك، وإن بدت الأمور ظاهريًا على مايرام، لكن ذلك ليس كافيًا؛ لأن ترتيب البيت الداخلي يساعد على صلابة الوجود ودافعية الاستمرار في أسوأ الظروف.

لا نستطيع أن نخفي تميز المرأة الوفاقية، واجتهادها، وإبداعها، ولكن نأمل أن يتم الالتفات لمؤسسة العمل، من خلال عمل دورات تثقيفية في كل الجسد حول العمل المؤسسي وأهمية التنظيم الإداري، ومن ثم خوض معركة الحسم في تطبيق هذه القوانين الإدارية بطريقة بعيدة عن المجاملات والترضيات، التي تأتي غالبًا على حساب العمل ترضية للأشخاص، رغم أن اللازم في العمل هو الفصل بين العلاقات الشخصية والعمل المؤسسي، كي تدور رحى العمل دون ثغرات كثيرة وعوائق أكثر.

ومنا إلى المرأة، الوفاقية بشكلٍ خاص، والبحرينية بشكلٍ عام، تحية إجلال على صمودها رغم كل الظروف، ومحاولتها لأن تجد لها موطئ قدم قوي في جسد الثورة، وتكون موجودة في كل الميادين، بما لا يتنافى مع كينونتها الخاصة كأنثى، ولا يتعارض مع نوعها كإنسان.

* كاتبة كويتية.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus