علي عبدالإمام يخص «مرآة البحرين» بحديثه الأول: فخور بالثورة التي لا تموت، والبحرينيون يستحقون التضحية من أجل آمالهم

2013-05-11 - 5:03 م


مرآة البحرين (خاص): المدوّن البحريني ذو الشهرة العالمية، علي عبدالإمام إلى النور، يتحدث لمرآة البحرين لأول مرة بالكثير من تفاصيل العامين الماضيين اللذين عاشهما متخفيّا.

يقول عبدالإمام الذي كشف عبر «مرآة البحرين» وجوده في لندن، وهو الخبر الذي هزّ المجتمع البحريني فرحاً "توقعت حدوث انتفاضة في العام 2005 إلا أنني لم أتوقع ثورة بهذا الحجم، ثورة 14 فبراير كانت اللحظة التي غيّرت حياتي وجعلتني أؤمن بإنسانيتي أكثر، بأن أحترم إنسانيتي حتى ولو كان خصمي خارج الإنسانية، وحشًا لا يُمّتعه شيء أكثر من أن يراك تعذب وتقتل"

وعن لحظة الوحشية في 16 مارس 2011 يقول "كنت أحترق في داخلي أن الأغبياء قد ضيعوا فرصة أخرى على هذا الوطن الجميل من أجل أن يمنحوه فرصة ولو أخيرة ليجعلوه يعيش بأمان بعيدا عن القمع، كنت أشعر بأنني احترق في داخلي".
عن اختفائه يقول "كنت في البدء تقريبًا معزولاً عن العالم كلياً، لم يكن سوى جهاز تلفاز، والانترنت لم يكن متوفراً، كانت تلك أقسى الفترات"
عن يوميات الاختفاء يوضح "في تلك العزلة، كان كل شيء متوفرًا إلا الحرية، كان الوقت كثيرًا لا تعرف كيف تصرفه أو تقسمه، الأمنيات كثيرة، لكن جلّ وقتي كان يذهب للقراءة، كنت أنهي الكتاب في يومين، تحديت نفسي في أن أنهي مائة كتاب في سنة وفعلتها"

وعن موقع ملتقى البحرين "بحرين أون لاين" الذي أسسه، يتحدث بفخر " لو لم يكن من إنجاز لملتقى البحرين طيلة السنوات الماضية، إلا التحشيد لهذه الثورة وبدئها لكان يكفيني"


مرآة البحرين: في لحظة خاطفة، كنت مسجوناً وفجأة خرجت لترى أكبر ثورة في تاريخ البحرين، كيف رأيت الثورة؟

علي عبدالإمام: في تلك اللحظة بالذات، كل ما استطعت أن أشمه هو رائحة الكرامة عوضا عن رائحة الكراهية التي كنا نرغم على تنفسها طيلة فترة اعتقالنا، لأول مرة أحس بأن هذا البلد بهذا القدر من العظمة، وأن شبابه قادرون على فعل ما لا نستطيع تخيله أو فعله، الثورة كانت هي ذاتها لحظة الاختيار بين أن تكون إنسانا حرا كريما عزيزا مواطنا، أو أن تكون غير ذلك ، أن تقف مع الإنسان لأنه إنسان، أو أن تكون ذلك الآخر الذي تكرهه في ذاتك، بالرغم من أني قد توقعت بحدوث شيء قريب من هذا في العام 2005 إلا أنني لم أتوقعه بهذا الحجم الكبير، الثورة كانت اللحظة التي غيرت حياتي وجعلتني أؤمن بإنسانيتي أكثر، بأن أحترم إنسانيتي حتى ولو كان خصمي خارج الإنسانية، وحشا لا يمتعه شيء إلا أن يراك تعذب وتقتل، أخترت أن أكون إنساناً.

المرآة: فجأة تغير كل شيء في 16 مارس2011، كيف تستعيد لحظة اختفائك، كيف تصرفت، بماذا فكرت؟

عبد الإمام: لازلت أتذكر تلك اللحظة التي اتصل بها صديقي في منتصف الليل من أمريكا يخبرني بأن هناك مداهمات لمنازل النشطاء وعلي أن أخرج من منزلي الآن قبل الهجوم، كان الوقت قريب أذان الفجر، لم يكن هناك من مكان أستطيع أن أفكر فيه في تلك اللحظة، لحظة قانون الطوارئ، هدأت صديقي ووعدته كذبا أنني سأبحث عن مكان آمن، لكنني واصلت نومي.

في اليوم التالي وصل الخبر باعتقال معظم مجموعتنا التي كانت بالسجن، لم يكن من الصعب أن أتوقع أن اسمي على القائمة، أخبرت بعض الأصدقاء أنني أتوقع قدومهم، لم أنم تلك الليلة في منزلي، لا زلت أتذكر أن رأسي كان يؤلمي من ضجيج أحداث ذلك اليوم، على عكس من ذلك، لحظات خروجي التي كنت أشم فيها رائحة الكرامة، كانت رائحة الكراهية قد غطت أجواء البحرين كلها، كدت أرى الكآبة كغيمة في سماء البحرين، كنت أرى الخوف في عيون الكل، كنت أحترق في داخلي أن الأغبياء قد ضيعوا فرصة أخرى على هذا الوطن الجميل من أجل أن يمنحوه فرصة ولو أخيرة ليجعلوه يعيش بأمان بعيدا عن القمع.

كنت أحس بأنني أحترق في داخلي، لم أستطع تحمل مشاهدة القنوات الإخبارية، ذهبت إلى داخل إحدى الغرف لأنام، استيقظت نصف الليل لأرى رسالة من أهلي يسألون إن كنت مستيقظا أم لا، رددت على الرسالة ماذا هناك؟ كنت أحس أن هناك شيئا ما. كنت كمن ينتظر خبر موت حبيب ويسأل بخوف، هل هل هناك شيء؟ وهو يقصد هل مات  حبيبي. كنت أسأل هل هناك أمر، وقلبي يقول إنهم اقتحموا البيت. لم يجبني قريبي، بعدها واصلت النوم، واستيقظت مرة أخرى ورسالة من القريب نفسه، هل أنت مستيقظ؟ وأعدت السؤال مرة أخرى هل هناك شي؟ لم يكن هناك جواب، ثم نمت واستيقظت للمرة الثالثة والرسالة نفسها تصلني من قريبي، كان الوقت فجرا، صليت، بعدها بفترة وعند حوالي الساعة الثامنة وصلني الخبر، إنهم اقتحموا البيت بتلك الوحشية التي وصفت بها جيوش المغول والإنكشارية، عاثوا فسادا، هددوا أهلي، لم يكونوا يعرفون مكاني، لم يفد التهديد.

عندما وصلني الخبر، مباشرة قمت بعمل الاتصالات مع بعض الأصدقاء والمعارف من أجل تدبير المكان الآمن لي وبالفعل تم ترتيبه بسرعة لم أكن أتخيلها، ولحظة خروجي، أخبرت أهلي أنا ذاهب إلى ما لا أعرف، ومن الأفضل لكم ألا تعرفوا مكاني، وأن الأمر في اعتقادي لن يتجاوز الأيام، طبعا، كنت مخطئاً.

 
المرآة: هل كنت معزولاً عن العالم لفترة ما وكيف كانت هذه الفترة، وكيف رأيت الثورة في فترة اختفائك؟

عبد الإمام: في الفترة الأولى من اختفائي كنت تقريبا معزولا عن العالم كلياً، لم يكن سوى جهاز تلفاز والإنترنت لم يكن متوفراً، كانت أقسى الفترات، لازلت أتذكر أن الشخص الذي كان يستضيفني - وأنا مدين له بحياتي وحسن ضيافتي طيلة تلك الفترة - يحاول أن يفهم هل أن الثورة انتهت أم لم تنتهِ، أخبرته أن الثورة لم تنته، كنت أفهم حجم الغضب، وحجم الاستعداد من خلال تشييع الشهداء الحاشد، ذلك لم يكن تجمعا سلميا. في فترة قانون الطوارئ ذهابك للتشييع يعني أن تكون "الشهيد التالي" ومع ذلك كان الناس موجودين بكثافة وغضب وإصرار،، لذلك لم أكن أرى الثورة قد انتهت برغم اختفاء مصادر المعلومات كلها تقريبا، كنت مطمئنا أن المعركة لم تنته، اطمئناني أنها لم تنته وأن النصر حليف الشباب كاطمئنان المؤمن الخاشع في محرابه لله.
 
علي عبدالإمام في يومه الأخير بالبحرين

المرآة: ما الصفة الأكثر تعبيرا عن وضعك طوال السنتين الماضيتين؟ هل هي عزلة أم اختفاء أم هروب أم فقدان أم أسر؟

عبد الإمام: هي كل ذلك وأكثر، فقد كنت معزولا مجبوراً، وإخفائي كان قسرا، وهروبي من المجهول الذي ينتظرني، ومفقوداً لأن أهلي لم يكونوا على اطلاع على حالتي، وهل أنا مرتاح أم محتاج،، وأسيراً لأن الظروف حتمت علي أن أكون أسيرها، وهذا أكثر ما أكره، أن أكون أسيراً لشيء ما.

المرآة: كيف كنت تقضي يومك؟

عبد الإمام: في تلك العزلة، كان كل شيء متوفرا إلا الحرية، كان الوقت كثيرا لا تعرف كيف تصرفه أو تقسمه، الأمنيات كثيرة، لكن جل وقتي كان يذهب للقراءة، كنت أنهي الكتاب في يومين، تحديت نفسي عبر موقع www.goodreads.com في أن أنهي مائة كتاب في سنة وفعلتها، شاهدت أفلام كثيرة، تعلمت استخدام البرامج الجديدة، حاولت ألا أفقد صلتي بالتقنية، كنت أحاول بقدر الإمكان أن أستمر في متابعة أخبار الثورة اليومية.

المرآة:كيف عايشت (أسرتك) الصغيرة والكبيرة فترة غيابك الطويلة؟

عبد الإمام: كان أقسى شيء على قلبي هو وضع أسرتي من حيث إنها لا تعلم عن ظروفي شيئا، ولم يكن من السهل إيصال أي شيء إليها، علمت فيما بعد أنهم عانوا الاعتقال والتهديد بسببي، وعلمت أنهم هجروا منازلهم طيلة فترة قانون الطوارئ، باختصار تشتت شمل الأسرة بسببي، وهذا مزعج أن تكون سببا في مضايقة الآخرين في الوقت الذي تتمنى أن تكون سببا  في سعادتهم.

أسرتي الصغيرة عانت أكثر من أي طرف آخر، وجدت زوجتي نفسها أمام مسؤولية منزل مكون من ثلاثة أطفال، ابن وتوأم لم يبلغا العام، هي مسؤولة عن كل شيء بخصوصهم، كان مطلوب منها أن تكون الأم والأب في الوقت نفسه، كان مطلوبا منها، ما قد يكون فوق طاقتها، ألا تجعل فراغي شيئا يتعود عليه الصغار، فكانت تعرفهم على أبيهم من خلال بعض الصور الموجودة في الهواتف، كان مؤلما أن تكتشف أن توأميك يعرفونك من خلال الصورة وفقط، ومع كل ذلك كانت صبورة ومؤمنة بي وبشعبي وبالثورة وبالله، ومن خلال معرفتي لزوجتي أستطيع أن أقول إنها كانت مقتنعة تماما بأنني لم ارتكب خطأ، وأنها فخورة بي بالقدر الذي أنا فخور بها.

المرآة: كيف كنت تتابع الأحداث بالبحرين؟

عبد الإمام: في الفترة الأولى كنت أتابعها من خلال أخبار النشرات الإخبارية للقنوات المتعددة حيث لم يكن الانترنت متوفرا، وعملي طيلة السنين الفائتة في الانترنت أعطاني خبرة نوعا ما، في أن أميز هل هذا الخبر حقيقي أو كاذب، وما هي نسبة الصدق من الكذب فيه، بل قد يتعداه إلى فهم نفسية كاتب الخبر.

المرآة: وضعت وزارة الداخلية اعتقالك ك"جزء من التحقيقات الجارية بخصوص شبكة إرهابية متهمة بالتخطيط لحملة من العنف والتخريب والمضايقات في البحرين، وتنفيذها" وأطلقت سراحك في 22 فبراير 2011.ما العلاقة بين اعتقالك في 4سبتمبر 2010 وشعورك بالاستهداف بعد دخول قوات درع الجزيرة البحرين؟

عبد الإمام: لحد هذه اللحظة لم أعرف ما هي علاقتي بقضية سبتمبر 2010 فضلا عن قضية مارس 2011، كل ما أعرفه أن السيناريو نفسه  الذي طبق علينا في 2010 طبق بوحشية أكثر في 2011 ولم يختلف إلا مقدار الوحشية التي زادت وتجرّأت، ولا أعتقد أنني سأفكر في شيء يربطني بكل هذه الأمور سوى أن هناك مخططا لاستهداف النشطاء، وكوني كنت ناشطا من خلال الانترنت وهو نشاط واضح مدى إزعاجه، لذلك كان الأمر باستهدافي.

المرآة: كيف تلقيت حكم 15 عاما الذي أصدرته غيابيا ضدك المحكمة العسكرية؟

عبد الإمام: أتذكر أنني كنت أشاهد التلفاز وضحكت بصوت عالٍ وهيستيري.

المرآة: انطلقت حملة دولية تحت شعار "أين علي عبدالإمام". كيف كنت تتابعها؟

عبد الإمام: كنت أقرأها وأنا محرج، كنت مؤمن أن على الناس أن ينصرفوا إلى قضايا أخرى أكثر أهمية من قضيتي، أعلم أنني كنت مقصرا في الكشف عن مصيري ولكني كنت محكوما بعدة أمور، فاتصالي مع أي شخص سواء كان من الأهل أو غيره كان يعني تعريض هذا الطرف إلى الخطر، وهذا ما لم أكن أريده، لكن هذه الحملة كشفت لي عن مسألة هي أيضا محرجة لي، كشفت لي أن لدي معزة خاصة في قلوب الناس. هناك شيء أشبه بالعلاقة الخاصة بيني وبين الناس خصوصا الشباب منهم، ليس في تلك الحملة فقط، بل كلما ذكر اسمي كانت الناس تسأل بخوف وكان المفترض ألا تسأل، لكنها تريد أن تسأل لتطمئن، لا أكثر ولا أقل، هؤلاء الشرفاء أناس يستحقون أن يحبهم الشخص.

 


علي عبدالإمام في أول ظهور له في لندن

المرآة: هل تقوّل عليك أحد ليستثمر غيابك ليقول على لسانك ما لم تقله؟

عبد الإمام: نعم تقوّل علي بعضهم، وبعضهم ألف قصصا من الخيال، وبعضهم نسج بطولات وهمية معي وهي جميعها لم تحصل، كما أن هناك من كان يحاول المتاجرة باسمي، للأسف لم أكن في الموقع الذي يسمح لي أن أنفي أو أثبت أي شيء، كنت أثق في الناس وفي فهمها ومعرفتها، وأنا واثق أن الناس على درجة من الوعي تستطيع من خلاله التمييز بين الحقيقة والكذب.
  
المرآة: نشطت في أوساط دولية كثيرة وعرفتك أغلب المنظمات الغربية. كيف ترى مواقف هذه المنظمات والأوساط من قضية البحرين، وكيف ترى موقف الغرب الرسمي (الحكومات) من ثورة البحرين؟

عبد الإمام: إجمالا كانت مواقف معظم مؤسسات المجتمع المدني الدولية مؤيدة وداعمة في أحيان كثيرة لمطالب الشعب، لكن المواقف الرسمية للحكومات الغربية كانت مخزية لأقسى درجات القبح، نظرت إلى مصالحها قبل مبادئها التي تعلن التمسك بها، بل وفي أحيان كثيرة سعت هذه الدول إلى تجميل صورة النظام الوحشية، أو حتى إلى دعمه في الأوقات التي يقع فيها تحت ضغط كبير، لقد أدارت هذه الحكومات ظهرها لشعب البحرين في الوقت الذي كان يصرخ من خلال التلفاز "الحقونا يا عالم" تلك الصرخة التي خرجت من قناة (الكوت) في أيام قانون الطوارئ لازالت تهتز في أذني وتجعلني أحتقر كل هذا العالم الذي لا يحترم إنسانيتك بقدر احترام المصلحة التي من الممكن أن تجلبها له.
 
المرآة: أنشأت منذ1999 (www.bahrainonline.org) وتُوجت أباً للتدوين بالبحرين.كنت حاضراً بقوة في شبكات التواصل الاجتماعي الحديثة وشهدت تطورها بالبحرين، لكن (تويتر) شهد انتشاره في البحرين فترة اختفائك. هل كنت تتابعه؟

عبد الإمام: نعم كنت أتابع وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة وفرح لتوسع استخدامها، وهي كفضاء واسع يصعب التحكم به وتعطي حصانة وضمانة من التلاعب بالعقول وتوجيهها. 

المرآة: كيف تشعر وأنت ترى أن الفضاء الافتراضي الذي أنشأته وسجنت أكثر من مرة وعُذبت بسببه، فتح المجال للنقاش العام للقيام بأكبر ثورة في تاريخ البحرين؟

عبد الإمام: لو لم يكن من إنجازٍ لملتقى البحرين طيلة السنوات الماضية إلا التحشيد لهذه الثورة وبدئها لكان يكفيني، لم أكن موجودا حينها، وقرأت ما كتب بعدها، لكني فخور بما قمت به، لست نادما على أي شيء قمت به، صحيح أنني من قام بإنشاء الموقع، لكن الفضل الأول والأخير فيه هو للأعضاء الذين لولاهم، ولولا تطوعهم في نشر الأخبار ومشاركتهم في النقاشات، لما كان الموقع يستطيع القيام بكل ما قام به، ولما كان له الأثر الأكبر في إنشاء أكبر ثورة عرفها تاريخ البحرين.



التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus