صحافيو البحرين: ملك يطمئن وإعلام يخوّن

2011-05-18 - 9:09 ص

مرآة البحرين (خاص): في رسالة لملك البحرين بمناسبة يوم الصحافة العالمية نشرت في جميع الصحف الرسمية يوم 3 مايو/ أيار، قال: "نطمئن جميع الصحفيين والإعلاميين في مملكة البحرين بأن حرياتهم مصونة وحقوقهم الدستورية مكفولة، ولن يضار أحد بسبب التعبير السلمي والحضاري عن رأيه في ظل دولة القانون والمؤسسات".
 
الملك يطمئن الصحفيين عبر رسالته تلك، لكن سجون الدولة لا تفعل، ولا وسائل إعلامها. السجون يقبع فيها حتى الآن عدد من الصحفيين من بينهم فيصل هيات (جريدة البلاد) وحيدر محمد النعيمي (جريدة الوسط)، ومؤخراً الكاتب الصحافي عباس المرشد الذين لا يعرف عنهم شيء حتى الآن.

أكثر من ٦٨  إعلامياً وإعلامية تعرضوا للضرر الذي أكد الملك أنهم لن يتعرضوا له. تعرضوا بأشكال مختلفة، الطرد تعسفياً من أعمالهم أو الاعتقال أو الاستجواب. السبب هو تعبيرهم السلمي والحضاري عن رأيهم في ظل دولة القانون والمؤسسات، علماً أن قانون الصحافة في البحرين يمنع حبس الصحفي.

ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن "لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير، يتضمن هذا الحق حرية تبني الآراء من دون أي تدخل والبحث عن وتسلم معلومات أو أفكار مهمة عن طريق أي وسيلة إعلامية بغض النظر عن أية حدود". بعض المنظمات غير الحكومية تستخدم إلى جانب ذلك، معايير أكثر للحكم على مدى حرية الصحافة في مناطق العالم. فمنظمة صحفيون بلا حدود تأخذ بعين الاعتبار عدد الصحفيين القتلى أو المبعدين أو المهددين ووجود احتكار الدولة للتلفزيون والراديو إلى جانب وجود الرقابة والرقابة الذاتية في وسائل الإعلام والاستقلال العام لوسائل الإعلام وكذلك الصعوبات التي قد يواجهها المراسل الاجنبي.

الصحفيون في البحرين الآن، ليسوا فقط لا يملكون حرية الرأي والتعبير، وليست فقط الدولة من يحتكر الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، وليست فقط الرقابة تحاصر ما يكتبون وتمنع النشر، لكنهم أيضاً مهددون ولا يأمنون على حياتهم. الانتقام يشمل الجميع دون استثناء ودون حصانة لصحافي أو غيره. قائمة للخونة تم بثها عبر شبكات الإنترنت تتضمن أسماء صحفية بارزة، لمجرد مشاركتهم الإعلامية بمرئياتهم ومشاهداتهم الإخبارية خلال ذروة الأحداث وما تلاها من تطورات. لا ينام عدد كبير من الصحفيون الآن في بيوتهم، بل يتنقلون من بيت لآخر كل يوم خوفاً من مداهمات منتصف الليل، الطريقة التي يستخدمها النظام غالباً في اعتقال من يطلبهم.

الصحافي عباس بوصفوان، كان مسافراً للخارج عندما تم الإتصال به من أجل مثوله بين يدي التحقيق، آثر أن لا يعود، كي لا يكون نصيبه مثل زميله فيصل هيات الذي دخل التحقيق ولم يخرج. كتب على صفحته في الفيس بوك قبل فترة : "تحولت بلدنا الى مملكة الأمن بكل معنى الكلمة. ولذا فإننا نفتقد الأمان". صار الخارج (الغربة) أكثر أماناً من الداخل (الوطن).

الصحافي عادل مرزوق الذي تم توقيفه عن العمل في صحيفة البلاد، غادر خارج البلد هو الآخر، وكتب على صفحته أيضاً: "لسنا سياسيين، نحن صحافيون كتبنا وصرحنا بما رأينا، دعمنا دعوات الحوار ورفضنا الخطاب الطائفي من منطلق وطني... فلماذا فعلتم بنا كل هذا؟" في إشارة منه إلى التهديد الذي يعيشه أصحاب الرأي والاعلاميين، وفرار الكثير منهم إلى الخارج.

لا يأمن الصحافي في البحرين الآن على نفسه أن يدلي بتصريح صحافي لأية جهة إعلامية إلا إذا كان ناطقاً بلسان الرواية الرسمية أو ممثلاً لها، حينها ستكون كل وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة تحت تصرفه ورهن إشارته. يمكنه أن يمارس الأدوار الإعلامية كلها معاً في الوقت نفسه. فهو كاتب ومقدم برامج ومذيع ومحاور وضيف حلقات في نفس الوقت. لكن أن تكون غير ذلك فأنت مفصول من كل ذلك، وأنت مشروع خائن.

الكثير من الصحافيين غير الرسميين، لا يردون على الاتصالات التي تأتيهم من قنوات إخبارية عربية وأجنبية خوفاً من دفع الثمن غالياً. تقول إحدى الكاتبات: "لقد أدليت بتصريحين لإحدى القنوات العالمية التي اتصلت بي تسألني عن الساحة إبان اشتداد الأحداث، كان هذا كافياً للتحقيق معي في عملي مطولاً وتوقيفي عن العمل".

الوسط، الصحيفة الوحيدة المستقلة في البحرين، تعرضت لحملة إعلامية تسقيطية، أحيل على إثرها كل من رئيس تحريرها منصور الجمري ومدير تحريرها وليد نويهض ورئيس قسم المحليات عقيل ميرزا إلى النيابة العامة. الآن صارت الصحيفة تتحسس الحرف وتتهجى ما يُسمح أن يقال وما لا يُسمح. وعلى غير عادتها، نشرت مؤخراً على صفحاتها ملفاً صحفياً موسعاً وهاماً حول "القوانين الخاصة بأحكام التوقيف في العمل في ظل وضع التحقيقات الحالي" من غير اسم الصحفي الذي قام بإعداد الملف. الصحافيون الذين لم يغادوا البلاد يخشون كتابة أسمائهم. الضرر يتهددهم والخطر يحاصرهم. وتبقى رسالة الملك المطمئِنة، بأن الحرية مصونة للصحفي، وبأنه لن يضار أحد بسبب التعبير السلمي والحضاري عن رأيه في ظل دولة القانون والمؤسسات، لا تزال تنتظر تفعيلها على أرض الواقع.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus