البحرين: رفع حالة الطوارئ لا يبعث الأمل بانزواء النهج السعودي
عباس بوصفوان - 2011-05-17 - 7:16 ص
عباس بوصفوان *
بدت المنامة كئيبة، حتى وهي تستمع إلى تلفزيون البحرين معلنا إصدار الملك حمد بن عيسى آل خليفة، مرسوما يقضي برفع قانون السلامة الوطنية (قانون الطوارئ) مطلع الشهر المقبل ونيو/ حزيران، قبل نحو ثلاث أسابيع من وقت انتهائه المفترض.
ورغم ما ظهر من بيانات لقوى المعارضة، إسلامية ويسارية وقومية، مرحبة بالإعلان الملكي، فإن الوفاق (كبرى جمعيات المعارضة)، وهي إذ تناشد السلطات العودة للحل السياسي لمعالجة الأزمة الراهنة، فإنها لا تبدو متفائلة إزاء احتمالية وقف الانتهاكات لحقوق الإنسان، خصوصا وأن نائبين من أعضائها وراء القضبان، وشبح حل الجمعية يطاردها، بعد توقيف نشاط جمعية "وعد " المعارضة، واعتقال زعيمها البارز إبراهيم شريف، ضمن قيادات سياسية وحقوقية أخرى، يقدمون للمحاكم العسكرية، المدانة دوليا، بتهمة قلب النظام.
بيد إن الوجع الأكبر للأمين العام للوفاق الشيخ علي سلمان ـ ولعموم قوى المعارضة ـ أن جمهورها العريض مستهدف في نفسه وأهله ورزقه، في ظل استمرار المداهمات الليلية وتجاوزات نقاط التفتيش المنتشرة في البلاد. وبعد أن وصل عدد المسرحين من أعمالهم ـ بسبب مشاركتهم في التظاهرات المطالبة بالملكية الدستورية التي انطلقت في 14 فبراير/ شباط الماضي ـ إلى نحو 1400مواطن، فيما تم اعتقال نحو 1000 شخص، من بينهم 100 امرأة ـ في بلد خليجي محافظ ـ اشتكى العديد منهن من التحرشات الجنسية الفاضحة، بحسب مركز البحرين لحقوق الإنسان.
كما اعتقل أكثر من 50 فردا من الكادر الطبي، وتعرض أكثر من 60 صحافي للفصل التعسفي والاعتقال والتهديد، واستشهد نحو 25 مواطنا في أعقاب استخدام السلطات القوة المفرطة لمواجهة التظاهرات الحاشدة.
وقد سقط العديد من الشهداء في 17 فبراير/ شباط الماضي إبان الهجوم الدامي الأول على دوار اللؤلؤة ـ مركز الاعتصامات التي استمرت نحو شهر ـ وسقط الآخرون في الفترة التي سبقت وتلت تدخل القوات السعودية والإماراتية إلى الأراضي البحرينية في 14 مارس الماضي، لمساعدة الجيش والشرطة البحرينية على السيطرة على التظاهرات.
ويرجح ـ على نطاق واسع ـ استمرار سيطرة معادلة "الأمن أولا" في تسيير شئون البلد، إذ لا دلائل على العكس، خصوصا مع تصريح ملك البحرين بأن رفع حالة الطوارئ "لا تعني ترك الأمن وعدم تطبيق القوانين وعدم الاهتمام بالاستقرار".
بيد أن الأكثر دلالة، قول الملك بأن "الإخوة الذين أسهموا في الحالة الاستثنائية قاموا بدورهم على أكمل وجه بكل ما يملكونه من قدرة وحكمة وصلاحيات، وأنا كنت أتابع عدم تجاوز هذه الصلاحيات وبالفعل كان كل شيء دقيقاً وتمت مراعاة القانون الذي كلفهم بهذه المرحلة".
ويتساءل كثيرون: إذا كان سقوط القتلى والجرحى، والإدعاءات المتواترة بالتعذيب في السجون، ووفاة 4 مواطنين فيها، لا تستدعي القلق من إن تجاوزات قد تمت فعلا، فإن استمرار خوف الناس يبدو مبررا من أن القادم قد لا يحمل معه أملا في إنزواء "النهج السعودي" الداعم للحل الأمني، والرافض لتسوية سياسية متوازنة، خشية أن تصل عدوى الديمقراطية إلى الرياض.
ويطالب البحرينيون ببرلمان كامل الصلاحيات، وحكومة منتخبة، وإعلام حر، على أمل الوصول إلى دولة القانون والمؤسسات التي تعزز المواطنية، وتحيل الدولة الأمنية تاريخا، وتسعى لتنمية اقتصادية واجتماعية شاملة.
في هذه الاثناء، لا يبدو أن المحامين في وارد تنفس الصعداء، كما كانوا يأملون، مع الأخبار التي بدت مؤكدة من أن المحاكمات العسكرية لرموز المعارضة سوف تستمر، مادامت بدأت في ظل سريان قانون الطوارئ، كان من بين أهداف تطبيقه تأسيس محاكم "خارج إطار المنطق القانوني"، تماما كما جل الإجراءات الأمنية والسياسية والإعلامية التي اتخذت منذ انطلاق شرارة 14 فبراير/ شباط.
وفي المبدأ ترفض الجهات الحقوقية المرموقة محاكمة مدنيين في محاكم عسكرية لا توفر الضمانات الواجبة لإجراء محاكمات عادلة، وهي تماما حالة المحاكم العسكرية البحرينية، كما تعتقد منظمتا هيومن رايتس ووتش، والعفو الدولية.
ومما يزيد قلق المحامين من أن تكون قرارات هذه المحاكم "سياسية" و"جاهزة" أنها تتواكب مع الفزعة المضادة لحركة 14 فبراير، وهذه "الفزعة" هي ذاتها التي تسمى في مصر وتونس "الثورة المضادة"، والتي تقودها عادة جماعات مستنفعة، مدعومة أيضا سعوديا، التي اجتهدت كثيرا لوقف إزاحة مبارك، وتشتغل لإحداث تغيير "مضمون" في اليمن.
وتنشط هذه الجماعات وفلول الحزب الوطني في مصر حاليا لبث الفرقة الطائفية في عموم القاهرة، كما أعلنت جهات مصرية عديدة، مستشهدين ببعض الجماعات السلفية التي خرجت من "تحت الأرض" بعد الثورة، والتي نشأت أصلا بتشجيع ودعم لا يخفى من الرئيس والحزب المطاح بهما، وبأموال خليجية.
وإذا كان الهدف الحكومي البحريني المعلن من الحملة الأمنية، معاقبة المساهمين في حركة 14 فبراير/ شباط، أولا، وضمان عدم حدوثها، ثانيا، حينها يمكن أن يكون مؤكدا أننا بعيدون كثيرا عن التهدئة والحل السياسي، ذلك أن ضمان عدم تكرار المطالبات بمزيد من الحريات والديمقراطية ـ في بلد اعتادت جماهيره الهبة بين فترة وأخرى مطالبة بالشراكة في السلطة والثورة ـ فإن ذلك يجلعنا نتوقع من السلطات مواصلتها لاستهداف أجنحة الحركة الاحتجاجية وجماهيرها، خصوصا مواصلة قمع الطبقة الوسطى والتكنوقراط الذين هم عقل الحركة.
* صحافي وكاتب بحريني