الإعلام السعودي وحرية الخوف
علي داوود - 2011-05-16 - 7:53 ص
علي داوود
في ذروة الحدث البحريني، يوم كان الشارع وسط المنامة يفيض بالمتظاهرين، كانت صحف الجارة الكبيرة تكتفي معظم الوقت بالنقل من الوكالات، كأنها في حيرة من أمرها، لأن مجريات الحدث خلال الشهر الأول من الاحتجاجات وبعد الخميس الدامي لدوار اللؤلؤة، ترافقت مع تسامح رسمي في البحرين، الأمر الذي لا يبدو أنه محل ترحيب لدى هذه الصحف التي اختارت أن تقدم المواقف الرسمية فقط، وأن تمرر بعض ما تضيفه وكالات الأنباء من توصيفات وتحليلات.
التردد كان سيد الموقف في معظم الصحف السعودية التي كانت تتابع من بعيد ما يحدث في بلد هو الأصغر ضمن المنظومة الخليجية، غير أن الأمور سرعان ما حسمت بعد تغليب الخيار الأمني في البحرين، وبعد دخول قوات درع الجزيرة إلى هناك، وتحول الاحتجاج السياسي إلى مواجهة أمنية بامتياز، مواجهة مفترضة مع عدو لم يغادر قائمة الاحتمالات دائماً.
هناك فقط انبرت الأقلام، وشمرت سواعد الكتاب الفطاحل، وكتاب الاحتياط، لتختزل الموقف السعودي من هذا الحدث، وتختصر هذا الوطن الممتد في صورة الموقف الرسمي، ولأن الحدث تعنون بعنوان الوطنية والعروبة والهوية ووحدة الخليج احتشدت الأصوات ليعبر كل واحد منها على طريقته عن رغبته المؤجلة لرفع الغطاء عن الشارع المغدور به في البحرين، لتصبح هذه القضية شأن من لا شأن له، يقلبونها على ظهر الحسابات الطائفية والسياسية والشعبوية التي لا يراد لصفحاتها أن تطوى من دفاتر الزمن.
منذ بداية الأزمة لم نرَ نافذة للاختلاف في الصحافة السعودية حول الموقف في البحرين، كانت الهرولة جماعية ناحية استثمار عناوين "المد الصفوي" و"الحقد المجوسي" لتمرير كل ما يمكن أن يمحو الصورة الأصل في مشهد الاحتجاج، ويجعل من احتشاد الحالمين في وسط المنامة مجرد بروفة لعرض رخيص من إخراج "الولي الفقيه" الذي يدير جهازاً من الملالي كما هو الوصف الشائع في تلك المقالات. في حين مضى ما تبقى من أصوات خارج المعادلة الرسمية إلى ساحات التويتر والفيس بوك ليعبروا عن تضامنهم مع المعارضة في البحرين، في إشارة واضحة إلى أن سقف الحرية في الصحافة السعودية لا يسع كل الناس.
أزمة البحرين لم تكن المختبر الأول والأخير لأحوال الحرية الصحفية في هذا البلد، فقد سبقتها بأيام أحداث تونس ومصر التي أمتازت فيها التغطيات الصحفية بالبرود، والأقلام الصحفية بالتردد في أيامها الأولى، وكان واضحاً الانشغال بإبراز حكم حرق النفس في الحالة التونسية، والتمدد في الهجوم على قناة الجزيرة في الحالة المصرية، قبل أن تفتح الأبواب للكلام المباح حول فساد مبارك وابن علي، وكانت الصحف لا تبخل بإعطاء التوجيهات لكتابها في كل مرحلة، فكل انتقالة من خانة إلى أخرى محسوبة على المسطرة!
طبعاً لن يمل وزير الإعلام السعودي عبدالعزيز خوجة من تذكيرنا في تصريحاته المتكررة بحرية الصحافة، كما لن تمل تقارير بيت الحرية من تأكيد استحقاقنا للبقاء في ذيل قائمة الحريات الإعلامية، وسيصر الوزير على أن لا أحد تم إيقافه عن الكتابة منذ وصوله إلى الوزارة، بينما تستمر عملية المطاردة والاعتقال لعدد من المدونين الذين لا تتجاوز عباراتهم وتطلعاتهم مفردة الإصلاح السياسي، لنفهم من هذا وذاك أن حرية الصحافة التي يروج لها هي حرية الخوف، أن يختار كل واحد كمية الخوف التي يحتاج ساعة يكتب.