الشّعب يريدُ!

نادر المتروك - 2011-05-12 - 5:56 م

نادر المتروك
(1)
لم تتيسّر الأحوالُ للبحرين وانتفاضتها أنْ تمرّ بذات المنْعطف الزّمني (الحركي) للثّورات الأخرى. لم تتوافر لها الأيقونات والصّيغ الثّوريّة والشّعبيّة التي يمكن رصْدها في الأخريات. وهذه ليست منْقصة أو قصوراً، بل علامة التميّز والافتراق. لا تحظى البحرين بصانعٍ إلكتروني بارز للثورة مثل وائل غنيم، وليست بينها ثائرة تختزنُ عِناداً بشوشاً كما هي نوّارة نجم، وطبعاً ليس بين منْتِجات انتفاضة النّاس هنا رجلٌ عاندته أقدارٌ عابرة فأضرمَ في نفسه النّار، وبعده تشتعلُ أوّل الثّورات. إلا أنّ الحدث البحريني صنَع نموذجه الخاص، والأكثر حشْداً للمواعظ، والمآسي، التّاريخيّة.

(2)

إنّها، ببساطة، انتفاضةُ السِّلم والعَلم الوطني. لم يُقدَّر لهذا البلد أنْ نظّر عملياً للفعل السّلمي، كما حصلَ خلال أحداث 14 فبراير وما تلاها. علمُ البلاد وُوجه بسُخْرةٍ رسميّة، وبسُخْرية غير رسميّة طوال المنعطفات الصّعبة في العقود الماضية. استعاد العَلم معناه الوطني بين النّاس، ومن غير ضخّ دعائي وأغان راقصة أو دروس ديماغوجيّة في المُواطنة. كان مزيجُ السّلميّة وراية الوطن لوناً فريداً من الاحتجاج الشّعبي، اسْترسلَ – بنحوٍ اندفاعي – في الالتحام المُطمئن بالدّبابات، وتدثّرَت فيه الشّعاراتُ المطلبية باللّونين الأبيض والأحمر. ولّدَ هذا المزيجُ، ولأوّل مرةٍ، إجماعاً على خلاص وطني، تتشارك فيه مختلف الفئات والجماعات المهنيّة والفكريّة. عبّر عن ذلك عنوان "الدّولة المدنيّة" والمملكة الدّستوريّة. برغم اكتساح شعار "الشّعب يريد إسقاط النّظام"؛ إلا أنّ المعادلة التفاوضيّة التي شكّلها اعتصام دوّار اللؤلؤة وفّرَ بيئة حواريّة قاربت بين الشّعار الشّعبي والحركة المطلبيّة.

(3)

الدّمويّة بعيدة المدى التي أشاعها سلوكُ السّلطات لم تفعل شيئاً غير تبديد الاعتصام المركزي في الدّوار ومحو أثره المادي، لكنّها قدّمت معطيات  جديدة تُعزّز  تخلّف الرؤية الرّسميّة عن حيويّة النّاس، ومتغيّرات العالم. لجوء النّظام إلى سياسات الإبادة والإماتة التدريحيّة؛ لم يُقابَل بردود فعلٍ تسْلب الحركة امتيازاتها. لقد نالت المطالب تأييداً أوسع وأكثر حسْماً بُعيد التدخّل العسكري المفتوح، وتعمّقَ نتيجة ذلك خيارُ الضّغط الخارجي الذي وصلَ حدود "لاهاي". يُعيدُ الشّعبُ مقدرته غير المنقطعة في إبقاء وجوده الأبيض، في حين يضطرّ رأسُ النّظام إلى تكرار خطاب التّناقضات الكبرى، وهي علامة التّهاوي المعنوي، والعجْز عن تحصيل المُراد. ليس من خيار غير الاستجابة المباشرة لما يريده الشّعب، وعدا ذلك فهو حماقة ارتكبها كلّ الطغاة الذين تسبّبوا في نهايتهم.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus