» تقارير
فـ «فبراير» ... V for Vendetta
2013-02-13 - 5:07 م
مرآة البحرين (خاص): مع بدء يوم 5 نوفمبر، يقوم رجل بنسف المبنى المركزي للقضاء البريطاني في "أولد بايلي" في عتمة الليل ليفتتح بذلك مشروعه لقلب النظام الديكتاتوري الظالم في بلاده، ذلك هو "ڨي: ڨانديتا"!
الفيلم الأمريكي الشهير V for Vendetta والذي صدر في 2006، كان أساسا سلسلة قصصية من 10 أجزاء صدرت في بريطانيا بين عامي 1982 و1988، لانتقاد سياسات المرأة الحديدية "مارغريت تاشتر" التي ترأست الحكومة بعد أن وصل حزب المحافظين إلى سدة الحكم، حيث رأى الليبراليون وأنصار حزب العمال سياساتها تتجه بالبلاد نحو الديكتاتورية خاصة على الصعيد الاجتماعي.
أعيد إحياء قصة V في 2006، عبر رواية تلخص السلسلة، وبعدها بشهرين صدر الفيلم رسمياً من هوليوود، ممتلئا بإشارات واضحة إلى المناخ السياسي الذي خلقه حكم "جورج بوش" والمحافظين الجدد في الولايات المتحدة آنذاك، في ظل مخاوف من الشمولية الحديثة، ومظاهرها المختلفة، بدءا من تشديد الرقابة، التعذيب، والتلاعب بوسائل الإعلام، وحتى الفساد في الشركات والنفاق الديني.
قصة الثائر V
V هو رمز لاسم الرجل، الذي يطلق ثورة في بريطانيا في العام 2030. يتخذ هذا "البطل" لنفسه قناعاً لا يخلعه أبداً كجزء مركزي من رمزية الفيلم. القناع الباسم، والذي بات يعرف بقناع "V"، يمثل وجه رجل معروف في التاريخ الإنكليزي اسمه غاي فوكس Guy Fawkes كان قد حاول أن يفجر مجلس اللوردات البريطاني في قصر ويستمنستر في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 1605.
يريد V أن يحقق ما لم يتمكن من تحقيقه غاي فوكس. وهو يتقن فنون القتال والتمويه والاختراق الإلكتروني. كما أنه يتحدث بهدوء شعراً وسجعاً بنفس معاصر، ويحمل في قلبه حقداً على ما لحق به من تعذيب في السجون، وتفانياً لمشروع انقلابي قضى عشرين عاماً يخطط لتنفيذه، إنه رجل نذر حياته لتحرير وطنه من الفساد والقمع والظلم.
يحضر المشهد السياسي والمشهد الثقافي في دراما الفيلم، تجعل غرف التعذيب والعقوبات الجائرة والتمييز ضد الأقليات وهيمنة السلطة المطلقة على كل مناحي حياة الناس، من أي تغيير مستحيلاً بدون اللجوء لأساليب "V" الانقلابية.
بعد تفجير مبنى القضاء، يسيطر V على موجات البث المركزية التابعة للحكومة، وفي أول رسالة متلفزة يذيعها يعلن مسئوليته عن الهجوم، ويدعو شعب بريطانيا إلى الانتفاض ضد الحكومة ومقابلته بعد عام واحد، في التاريخ ذاته 5 نوفمبر، خارج مبنى البرلمان، الذي وعد بتدميره.
وبينما يجهد رئيس شرطة سكوتلاند يارد البريطانية، في البحث عن هوية V الحقيقية، تقترب ذكرى 5 نوفمبر، ويوزع V آلافا من أقنعة غاي فوكس على الناس في بريطانيا، استعدادا لليوم المشهود، يزيد ذلك الفوضى في البلاد ويستثير الناس أكثر وأكثر.
عشية الذكرى، تقود Evey، صديقة V والعنصر الأنثوي في ثورته، قطارا في نفق تحت الأرض تجاه البرلمان. يحمل هذا القطار على متنه المتفجرات وجسد V الذي قتل في اللحظة الأخيرة قبل بدء العملية.
الآلاف من سكان لندن، المسالمين العزل، يقفون أمام قصر وستمنستر، في انتظار اللحظة الرهيبة، وهم يرتدون جميعا أقنعة غاي فوكس. وبينما يدمر مبنى البرلمان، يسأل رئيس شرطة سكوتلاند يارد الفتاة Evey عن هوية صديقها V، فتجيبه "لقد كان كل واحد منا"! 1
الفوضى والقناع المجهول
لغويا تعني V for Vendetta "ثاء تعبيراً عن ثأر"،. تريد القصة أن تجعل من ثوري غامض اسمه "V" يتبنى نهج الفوضويين (بالمعنى الرافض لأي سلطة، وليس بمعنى العمل العشوائي) بطل حملة متقنة وعنيفة لإسقاط الحكم الشمولي.
يرى ناقدون أن رؤية التغيير في الفيلم فوضوية تماماً، وهي تتحقق عندما يخرج آلاف الناس إلى الشوارع ليشاهدوا حدثا استثنائيا، متحدين حظر التجول، وكل واحد منهم يلبس قناع غاي فوكس مبتسماً" 1
وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت إلى الفيلم، لترويجه إلى هذا النوع من الفوضى، إلا أن أكاديميين غربيين رأوا أن رسالة الفوضى خرجت إلى العالم فعلا حتى قبل "هوليوود" . ديفيد غريبور، وهو أستاذ في جامعة يالي الأمريكية، يرى أن هذه "الفوضى هي من أجل إنشاء مجتمعات يكون صنع القرار فيها ديمقراطي، وهذا ما كان غائبا عن تفسير هوليوود".
الكاتب والناقد الأمريكي ديفيد والش، يقول تعليقا على الفيلم "إن الشعب إذا لم يلعب أي دور في الثورة، فإنها لن تكون قادرة على إنتاج مجتمع جديد متحرر".
العديد من الجماعات السياسية صارت تنظر إلى الفيلم بوصفه حكاية رمزية عن قمع الحكومات. الليبراليون وأنصار فلسفة الفوضى السياسية (اللا سلطوية) يستخدمون الفيلم لترويج آرائهم، كما يستخدم نشطاء ينتمون إلى مجموعة المخترقين الأشهر في العالم Anonymous نفس قناع غاي فوكس حين يظهرون في العلن، كما استخدمت هذه الأقنعة في أحداث حركة "احتلو" الشهيرة.
ويعتبر ناشطون أن قناع غاي فوكس أصبح الآن هوية مشتركة، ولافتة مناسبة للاستخدام في الاحتجاج ضد الطغيان، ورمز للثقافة الشعبية التي تأخذ هذا الطريق.
سيميولوجيا 14 فبراير
التاريخ: 14 فبراير/شباط 2011... المكان: دوار اللؤلؤة، المنامة... الحدث: ثورة البحرين، أطول ثورات الربيع العربي...
بدأ الربيع العربي، بحدث لم يخطط له، لكنه استطاع أن يستثير الناس جميعا. أحرق البوعزيزي نفسه في تونس، لأن السلطات صادرت عربته التي يبيع عليها الفاكهة، رغم أنه عاطل جامعي. كان البوعزيزي، هو الرمز الصعب الذي يتطلبه تحريك الثورات في حيز مثل العالم العربي.
من خلال البوعزيزي، ستنشأ صناعة "الرمزيات" في ثورات الربيع العربي، ولكن بالاعتماد قليلا على إيحاءات " ڨانديتا". سيضع المصريون زمانا ومكانا للتحدي: سنلتقي في ميدان التحرير، ليكون 25 يناير، يوما للثورة.
سيميولوجيا "ڨانديتا"، والبوعزيزي، وميدان التحرير، ستنتقل إلى المنامة. هكذا نظّر هؤلاء الشباب "المجهولون" في فضاء الإنترنت "الافتراضي"، وتحديدا في منتدى "بحرين أون لاين" إلى ضرورة أن يصل موج الثورة ضفاف المنامة:
"من أهم الأمور التي استفاد منها الشعب المصري بعد الثورة في تونس هو أن جعل لنفسه تاريخا معين وهو 25 يناير، وتم تعميم هذا الخبر شعبياً على الفيس بوك و تويتر والمواقع الاجتماعية والمنتديات، وكرسوا هذا التاريخ لانطلاقة ثورتهم ضد النظام .نحن كشعب البحرين مدعوون لتحديد تاريخ مناسب ويتم تعميمه شعبياً بجميع الوسائل المتاحة ولتبدأ الثورة في البحرين".
بعد التاريخ، كان هناك الحاجة إلى المكان الذي يجب أن يحاكي "قصر ويستمنستر" في مقدار الضغط السياسي الهائل الذي سيصنعه، ويحاكي أيضا "ميدان التحرير" في مقدار إمكانيته!
واليوم، لم يعد ذلك "مجرد" زمان ومكان!
لقد تحول دوار اللؤلؤة، من مجرد مساحة مرورية تربط العديد من الشوارع بالعاصمة، ويقع في نصفها تمثال منحوت عمره 30 عاما، إلى "مركز الاحتجاجات التاريخي"، إلى ساحة الثورة وميدانها. بات فيه المناهضون للنظام ما يقارب الشهر، وشهد مقتل العديد من الشهداء على يد الجيش والشرطة، ثم أصبح منطقة محتلة و"ذكرى سيئة" وجب هدمها وتغيير معالمها!
وقد تحول 14 فبراير من مجرد تاريخ مقيت صنعه الملك لنفسه، حين اختاره يوما للتصويت على الميثاق الوطني، ويوما للإعلان عن الدستور غير الشرعي، إلى تاريخ يهابه الجميع!
كالبريطانيين في "ڨانديتا"، لم يكن أحد يتوقع ما حدث في 14 فبراير، الكل كان يترقب ويتساءل "ماذا سيحدث؟" حتى المتظاهرون أنفسهم انصدموا من تلقائية ما حدث، انصدموا بأنهم قريبون جدا من الحلم، بأنهم يستطيعون كشف ما بأنفسهم، وبأنه بات بإمكانهم، لقد هاب الجميع 14 فبراير، حتى من خاضه مناضلا.
تجمع الناس التلقائي والسريع، والذي لم ينتظر قناع "غاي فوكس"، كان هو الصدمة الكبيرة. لقد تجاوز الناس دور "المشاهد" و"المتابع" و"المشارك الافتراضي". كيف تشجع الناس فجأة للنزول إلى الشارع رغم أنه للتو قد سقط شهيدان، كيف تشجعوا لكشف صدورهم أمام مدافع الجيش؟ كيف تجرأوا على العودة إلى اللؤلؤة رغم أن القوات قتلت هناك 5 شهداء في ليلة مظلمة؟
ماذا كان ينتظر الناس ليعيشوا لحظة "اللا خوف"؟ في فيلم "ڨانديتا"، لم يكن المنقذ "ڨانديتا" نفسه، كان المنقذ هو الرمز V، هو القناع، هو التاريخ، هو المكان، هو ما خلقته هذه الرموز من ابتكار، واختراق، واستفزاز، هو باختصار كل ما يحمل ذلك من سيميولوجيا جامعة للثورة.
أن تخاف من...
لقد لحقت هيبة فبراير بالمعارضة، فكان قرارها السريع الاستقالة من البرلمان، وخوض تجربة فبراير، ورفع السقف إلى "الملكية الدستورية". وكثيرا ما كرر السياسيون عبارة "المكان والزمان" على ألسنتهم "لن نعود إلى ما قبل 14 فبراير". لقد كان لفبراير المفعول البعيد جدا في خيارات الساسة، لقد جعل من التفكير في أي خيارات أخرى ضربا من المحال.
وبعد عامين أصبح 14 فبراير، أكثر شيء تهابه السلطة، دون النظر إلى السياق أو الظروف واللحظة التاريخية التي تمر بها الذكرى. أن يهدم نصب اللؤلؤة، ويحول إلى منطقة عسكرية مغلقة، لم يكن يعني سوى أن يزداد مفعوله الرمزي، فكيف إذن بما لا يمكن أن يهدم: ذلك التاريخ.
في العام الماضي استعدت السلطة إلى 14 فبراير بشراء عدد هائل من المدرعات، نزلت إلى الشارع لأول مرة في اليوم ذاته. منذ ذلك الحين، والناس اعتادت دخول المدرعات في أزقة القرى وبين بيوتها، لم يزد ذلك النظام سوى السخرية، لكنه لا يبدو معترفا بهذه الهزيمة حتى اليوم، عشية الذكرى الثانية: حواجز عسكرية، أجواء قانون الطوارئ، مئات المعتقلين، وحالة استنفار في كل أجهزة الأمن.
ليس العتاد العسكري هو فقط ما تعده السلطة لهذا التاريخ، هناك أيضا مطبخ "حوار" و"تفاوض" يرى البعض أنه وإن كان محكوما بالفشل، فهو شيء من التنازل، وملامح هيبة فبراير تبدو عليه جيدا. في الوقت ذاته تنظر السلطة بعين السخط، إلى "أسابيع" فبراير، التي تحييها المعارضة بشكل مكثف جدا، كل يوم، لكنها لم تعد تستطيع منعها، ولا حتى التذمر منها.
كل ما تقوم به السلطة يفضح هيبتها من فبراير: ظهور مكثف للملك والمسئولين، بيانات مفبركة، إشاعات مخابراتية، احتفالات في المدارس، احتفالات في جميع وزارات الدولة، إجبار الموظفين وطلاب المدارس على الحضور في هذا اليوم تحديدا بخطابات رسمية، وغيرها.
لا تخاف السلطة من التوتر الأمني، ولا من الإضراب، ولا من انهيار الاقتصاد، ولا من التظاهرات والاحتجاجات، ولا حتى من الضغوط الإعلامية والسياسية الدولية، هي تخاف وقع 14 فبراير، ذلك الرمز المزعج والمربك والمهيب.
فبراير: سر الهيبة
لماذا تهاب السلطة 14 فبراير؟
لأنه بدأ بالمجهول، ولا يزال. منذ اليوم الأول لانطلاق الدعوات إلى الثورة، والسؤال الملح هو "من هم 14 فبراير؟"، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم والإجابة هي ذاتها إجابة الفتاة Evey عن هوية صديقها V: هم كل واحد منا!
لقد حضر 14 فبراير إلى دوار اللؤلؤة دون قناع، وبعد 15 مارس اغتيلت وجوهه وجها وجها، ورغم ذلك بقي مجهولا.
إذن من هم شباب "ائتلاف 14 فبراير"؟ كيف ظل الائتلاف يعمل في السر طوال هذه المدة دون أن يكتشف قادته أو منظروه؟ كيف يستطيع أن يعمل بهذا التنظيم الفائق وأن يحظى بهذا القبول في كل الأوساط دون أن يكشف عن نفسه؟
ذلك هو قناع V في ثورة البحرين. تلك هي ابتكارات الثورة، ورموزها الخاصة في المجهول. لقد طور 14 فبراير نموذجه الثوري الخاص، عبر صناعة هذه الرمزيات في ثقافة المجتمع، فليس "14 فبراير" جماعة، ولا حزبا ولا تنظيما، حتى وإن كان فيه من يقود أو ينظر فعلا!
يشتغل "14 فبراير" وفق مفهوم V المطور للثورة: القناع على كل شخص، الزعيم في كل شخص، المجهول في كل حدث، فوضى السلطة والزعامات، مركزية التاريخ والمكان، قيمة الابتكار، وزخم الاستفزاز.
صناعة مثل هذه الرمزيات بهذا العمق، ليست قدرة أشخاص، ولا قدرة جماعات، إنها قدرة تلك اللحظة التاريخية بمجموع ما كونته وتكونت به، وهو ما لا يمكن أن يواجه أو ينتهي.
لم يعد هناك داع لأن يروّج لـ 14 فبراير، عبر التنظيرات والبيانات والحملات التحشيدية، ولا حتى عبر انتظار حدث استثنائي، لقد بدأ هذا الحدث في 14 فبراير 2011، وحين يكون نموذج الثورة مبنيا على هذا الأساس من السيميولوجيا، فإنها هي من تحرك التاريخ، لا التاريخ من يوقفها.
ستظل السلطة هي من ينتظر 14 فبراير، ويترقبه ويهابه، لأنها هي من تورط به.
وسيظل كل يوم 14 فبراير، وكل بقعة هي اللؤلؤة.
هامش:
اقرأ أيضا
- 2024-11-25هل تُقفل السلطة ملفات الأزمة في ديسمبر 2024؟
- 2024-11-13صلاة الجمعة.. لا بيع أو شراء في الشعيرة المقدّسة
- 2024-11-13ملك المستعمرة أم ملك البحرين: كيف تتعامل المملكة المتحدة مع مستعمرتها القديمة؟ ولماذا لم تعد تثير أسئلة حقوق الإنسان على فارس صليبها الأعظم؟
- 2024-11-05الجولة الخائبة
- 2024-11-03هكذا نفخت السلطة في نار "الحرب" على غزة كتاب أمريكي جديد يكشف دور زعماء 5 دول عربية منها البحرين في تأييد عمليات الإبادة