» رأي
في ذكرى ثورة 14 فبراير (الائتلاف) وقود الثورة
فيصل المالكي - 2013-02-01 - 10:57 ص
فيصل المالكي*
إن ما يميز ثورة البحرين عن الثورات العربية التي انطلقت في دول ما عرف بالربيع العربي، أنها تشكلت بها قيادات علنية تمثلت في الجمعيات السياسية، وأخذت تتعامل مع النظام والعالم بمنظماته الدولية والحقوقية على السطح، وأخرى ميدانية ولكنها سرية، كالذي نحن بصدده في هذا المقال (ائتلاف 14 فبراير) حيث فرضت عليه ظروف التنكيل بالناشطين انتهاج هذا الأسلوب من العمل، ولأن الثورات التي تزامنت ثورتنا معها حسمت بشكل أو بآخر، فلم تعد بحاجة إلى عمل سري كالذي عليه في البحرين.
وما يلفت النظام قبل المراقبين أن هذه القيادة السرية أثبتت قدرة على إعطاء التعليمات لجماهير الثورة في ظروف ضاغطة صعبة، وأنه كلما مر عليها الزمن ازدادت تمرساً وقدرة على التحرك السري من جهة، ومن جهة أخرى تمكنت من إلهاب حماس الشباب المضحي للتواجد في الساحات حينما يصدر الأمر لها بالنزول إلى الشارع، حتى لأني أحياناً أنتظر وقت الدعوة فقط لأكتشف هل هذا التحشيد حقيقي أم لا، لأجد أن كل دعوة منه يستحيل أن تمر دون أن تتحقق، أو أن يستنفر الجهاز الأمني لمنعها.
من أجل ذلك أصبح النظام يمايز بين تلك القيادات فيجد أن القيادة السرية للائتلاف هي مصدر إزعاج وقلق لأنه لا يمكنه أن يجري معها أي تفاهم لسريتها، ولأنها لا تعترف بهذا النظام من الأساس.
ومن هنا يتساءل المراقبون عن المفارقة في حجم الاستنفار الأمني المصاحب لفعاليات المعارضة إذ هو كبير مع الاحتجاجات التي يدعو لها الائتلاف، في مقابل محدودية ذلك الاستنفار لفعاليات الجمعيات السياسية، برغم أن عدد المشاركين في تظاهرات واعتصامات الجمعيات يفوق عددهم عند الائتلاف أحياناً، مع التأكيد هنا على أن الحديث بإيجابية عن الائتلاف لا يعني أبداً الحديث بسلبية عن الجمعيات السياسية، وإنما هو التنوع والتكامل بين العمل السياسي والثوري، والمناسبةُ التي تفرض علينا قول كلمة في حق هذا التنظيم مفجر الثورة ووقودها. من جديد أكرر السؤال: لماذا هذه المفارقة في الاستنفارين؟
أولاً: إن شكل فعاليات الجمعيات السياسية يأخذ الطابع المحكوم ظرفاً: زماناً ومكاناً، ونادرا ما يتعدد، بل لم يحدث إلا مرة واحدة أن أخرجت الجمعيات السياسية عشر مسيرات في عشرة مواقع مختلفة من أرجاء البحرين، بعكس الائتلاف فإنه عندما يدعو لاحتجاج فإنه يحرك جماهيره في آن واحد في كل المناطق التي تحظى بتأييده وهي كثيرة جداً، وبخاصة تلك التي تتاخم دوار اللؤلؤة، وهو المكان الذي انطلقت منه الثورة وسطر الشعب أجمل ملاحمه بسقوط الشهداء وبالاعتداء على العزل الأبرياء المطالبين بحقوقهم.
واليوم عندما يدعو الائتلاف إلى تظاهرة ويعلن أنه يستهدف الوصول إلى الدوار من جديد، فإن النظام يصاب بهستيريا أمنية لاعتقاده جازماً بأن هؤلاء الشباب إنما يقصدون إعادة التموضع من جديد في ذات المكان الاستراتيجي حيث قلب العاصمة ومركزها المالي والتجاري والدبلوماسي، فضلاً عن تأريخ هذا المكان وحيثياته الثورية الملهمة. والنظام لا يتحمل أن يعيش هذه التجربة من جديد، بدليل هدمه للدوار وإلغائه للعملة التي تحمل صورته، بل قام عبر وزارة التربية والتعليم بمكاتبة إحدى المدارس الخاصة لاستبدال شعار دوار اللؤلؤة من على الزي المدرسي للطلبة وكافة القرطاسية الخاصة بها.
لذا فإنه لا يتحمل هذا الصداع من جديد، وقد اتخذ قراراً حازما جازماً أن لا يفتح هذه المنطقة أبداً قبل أن يتأكد من إخماد الثورة بشكل أكيد، وإلا لما حولها إلى ثكنة عسكرية كل من يشاهدها يتأكد أن بقاء هذا المنظر العسكري كاف ليشعر الداخل والخارج معاً أن البحرين لازالت مضطربة وأنها ليست بخير.
ثانياً: لأن ائتلاف 14 فبراير حين يدعو للتظاهر فإنه يستهدف المناسبات التي تمثل بالنسبة للنظام تواريخ "مجيدة" وهي في نظره تواريخ نصب واحتيال على الشعب، كيوم السادس عشر من ديسمبر: فهو عند النظام يوم الاستقلال وعند الائتلاف يوم مزيف إذ الحقيقي في الرابع عشر من أغسطس، هذا عوضاً عن كونه تاريخ سقوط أول شهيدين في انتفاضة التسعينات يوم 17ديسمبر1994م والذي على إثره اتخذته المعارضة يوما للشهداء.
ومثال آخر هو يوم 14فبراير، حيث الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني عام 2001م والذي أحرز فيه النظام نسبة 98.4% من المصوتين بـ (نعم) لمشروعه مما اعتبره يوم بيعة جديد لآل خليفة، وفي المقابل يعتبره الائتلاف يوم الخديعة الكبرى والالتفاف على مطالب الشعب، والنكوص عن الوعود ونقضها، ومنه وفيه تحرك سنة 2011 ليضع حداً نهائياً لهذه الكذبة، وليسطر ملحمة جديدة من النضال ما تزال مستمرة.
وهكذا كل المناسبات التي حولها النظام بعنجهيته إلى مناسبة تستثمرها المعارضة لتسلط الضوء على مظلومية هذا الشعب، ونترك أمر تتبعها للقارئ الكريم وسوف يجد ما توصلنا إليه مطابقاً للواقع.
وعليه فإن الائتلاف يستهدف هذه المناسبات ليعكر على النظام صفو بهرجته من جانب، وليصرخ للعالم بأن هذه الاحتفالية إنما تأتي على تأريخ من الدجل ليس له أصل وطني، ولهذا فإنه ينجح في جر البلد للعسكرة في هذه الأيام فيفسد على النظام كل شيء.
ثالثاً: إن الائتلاف لم يعترف لا بقانون الجمعيات ولا بقانون التجمعات باعتبار أن هذين القانونين صدرا في ظل غياب التمثيل الشعبي عبر برلمان كامل الصلاحيات من جانب، ومن جانب آخر فإن اعترافه بتلك القوانين يذهِب بثوابته الثورية التي لا تنطلق من إصلاح النظام لكفره به أصلاً، وإنما تنطلق من ثابت إسقاطه إسقاطا حقيقيا لا تكتيكياً، فما يبدو لكل المراقبين للشأن البحريني أن الائتلاف بعد مرور عامين من الثورة ترسخت لديه نظرية الإسقاط ولم تعد قابلة للنقاش البتة.
وبالتالي فإن النظام يجن جنونه يوم فعالياته لعلمه أن هذه الجماعات تستهدف وجوده إضافة إلى أنها لا تعترف بقوانينه مطلقاً.
إن البحرين.. هذا البلد الصغير في جغرافيته اكتسب تجربة ثرَّة في العمل السياسي والحقوقي، مع كل ما يستلزمه هذان العملان من أنشطة إعلامية وتوثيقية وحتى دبلوماسية، وأنه كلما تأخر عنه الحل تمرست المعارضة إلى الحد الذي تتأهل فيه للحكم يوماً ما، كما تأهلت سائر المعارضات فاستلمته والواقع يسوق لنا أمثلة عدة تنطق بهذا المعنى.
*كاتب من البحرين.