» رأي
المعارضة البحرينية والنمذجة
إيمان شمس الدين - 2012-12-18 - 8:45 ص
إيمان شمس الدين*
لا يمكن أن ينسى أحدنا أبدًا بدايات الثورة البحرينية وانعكاساتها السياسية على سياسيي ومثقفي ونُخَب الخليج، الذين كان جلّهم في البدايات مؤيدين للحراك المطلبي البحريني، وخاصةً الكويتيين منهم، إلا أنه كعادة اللبرلة العربية، والخليجية خاصة، لابد أن تُمسح بمسحة مذهبية وعصبية قبلية، كي تعود أدراجها وترجع لقواعدها، التي ما فتئت أن تتخلص منها، رغم كل مظاهر الحداثة التي تحاول التمسّح بها.
فالمعارضة الكويتية، التي ينتمي كثيرٌ من أعضائها إلى تيارات وشخصيات إسلامية، كان لها مواقف مُناهضة لحراك المعارضة البحرينية المطلبي من منطلق مذهبي، وعابت على المعارضة البحرينية كثيرًا من آليّاتها في الحراك، ومطلبها في تغيير رئيس الوزراء البحريني، لتورطه الفاضح في الفساد.
هذه المعارضة ذاتها اليوم في الكويت تطرح مطالب شبيهة إلى حدٍّ كبير بمطالب نظيرتها البحرينية، حيث طالبت بتغيير رئيس الوزراء السابق، الشيخ ناصر المحمد، لتورطه، وفق ما ادّعت، بقضايا فساد، أو ما عُرف بقضية الإيداعات المليونية. بل صعّدت المطلب إلى انتخاب رئيس وزراء شعبي، وهو ذاته المطلب البحريني للمعارضة.
واليوم بعد حلِّ مجلس الأمّة 2012 م نتيجة خلل دستوري، تتصاعد وتيرة الحراك المطلبي للمعارضة الكويتية باستخدام كثيرٍ من آليات وشعارات المعارضة البحرينية، كالمسيرات التي رفعت شعار "كرامة وطن"، وتم التخطيط لها والترويج بنفس الطريقة تقريبًا التي كانت تستخدمها المعارضة البحرينية، وبدأت تلجأ لمنظمات حقوق الإنسان، كي ترصد انتهاكات السلطة الكويتية في قمع المسيرات أمنيًا، وهو ما كانت تدعمه غالبًا في البحرين، ولا تعترض عليه، من استخدام القوة المفرطة من قبل السلطة البحرينية تجاه المعارضين السلميين البحرينيين.
ومن ثم دعا أحد رموزها، وهو النائب السابق مسلم البراك، إلى مسيرات ليلية في المناطق السكنية، على غرار ما تقوم به المعارضة البحرينية في المناطق والقرى البحرينية، وهو ما كان له رد فعلٍ عكسي من شركاء له في المعارضة الكويتية، كالإخوان المسلمين، وبعض المستقلين والليبراليين، إذ رفضوا دعوته هذه، كونها تهدّد أمن السكان واستقرارهم، مما يضر بالحراك ككل، ويؤلّب الناس عليهم. إضافةً إلى قيام النائب السابق نفسه بكتابة مقال في صحيفة بريطانية، تزامنًا مع زيارة الأمير الكويتي إلى بريطانيا، وهو ما كان يقوم به معارضون بحرينيون حينما يزور الملك البحريني أو ولي عهده بريطانيا. واليوم هناك دعوة من أحد أقطاب المعارضة الكويتية إلى تصعيد الحراك وتدويله في أوروبا، لتعريفها بحقانية المطالب التي تطرحها المعارضة الكويتية، وكيفية تعامل السلطة معها.
وللأسف، غالبية المعارضة الكويتية ينتمي إليها إسلاميون، بعضهم متشدّد، وبعضهم يميل نوعًا ما للتشدد، كون ظاهرة تسلّف الإخوان المسلمين تسرّبت أيضًا إلى داخل منظومة الإخوان المسلمين الفكرية.
والسؤال البديهي هو: هل ستقبل هذه المعارضة، بأطيافها المتعددة والمتمايزة، تشددًا وانفتاحًا، بدعم الحراك البحريني المطلبي كي تساعد على تحرر الشعوب في المنطقة وتطوير آليات الحكم، لتتحول إلى ممالك وإمارات دستورية، بدساتير تحترم حقوق الإنسان، وتوسع دائرة الحريات، ويكون الشعب فيها مصدر السلطات واقعًا وفعليًا؟ أم أنها أيضًا ستنظر للموضوع بمعايير مزدوجة، تنطلق من عصبيات مذهبية وطائفية بدأت الجماهير فعلًا تملها؟
إن الناظر لتشكيل الحكومة الكويتية، ولنتائج انتخابات مجلس الأمّة للرئاسة ولنيابة الرئاسة، يستطيع أن يفهم أن الوضع الخليجي، كأنظمة حاكمة، ووضع النخب السياسية والثقافية فيه، التي مازالت تحبو حبوًا، وتدعي ادعاءًا لبرلتها وديموقراطيتها، بل تتحول إلى العصبية القبلية والمذهبية والطائفية، وتتشح بلبوس المذهب، حينما تأتي الأمور إلى أن يصبح للشيعة حق مواطنة، ويُنظر لهم كمواطنين من الدرجة الأولى، حالهم حال أي مواطن نظير لهم في الحقوق والواجبات، وفق أسس الليبرالية، التي تعتمد على قيمتي الحرية والمساواة، إن سلمنا جدلًا بها كقاعدة تنطلق منها أنظمة الحكم.
وتبقى حقيقة واحدة ماثلة أمامنا، هي أنّ المعارضة البحرينية اليوم استطاعت أن تقدّم نموذجًا لتحرّر الشعوب، بسلميتها وآلياتها السلمية في الحراك، رغم كل العوائق المذهبية والعراقيل المتعصبة التي وُضِعت في طريقها.