إبراهيم الدمستاني : أنا وإبراهيم «الدوبليكيت».. اشتباه أسماء وتشابه مصائر!«2-4»

2012-11-17 - 1:31 م


مرآة البحرين (خاص)
البحرين - ابتسام صالح

صدفة ربما أو باعث من القدر أوعز لنا إلى إجراء هذا اللقاء، مع شخص بتنا نعرف أنه صار وراء القضبان الآن. كنا قررنا في «مرآة البحرين» في بداية شهر رمضان الماضي، القيام بمهمة كتابة سير «الكادر الطبي». كنا نرى أن مأساتهم لا تشبه أي مأساة. ويستحقون لذلك أن يعرف الناس، شيئاً آخر من صميم حياتهم، غير ما عرفوه. وضعنا الأجندة، وقمنا بالمهام. كان إبراهيم الدمستاني أحد هؤلاء. لم نكن نعلم، وربما حتى ولا هو، أن الفسحة الوقتية التي منح إياها خارج السجن، ستنتهي به إلى السجن ثانية. على العموم، فنحن قد التقيناه. أجرينا حوارات مطوّلة معه، إضافة إلى سواه. حين عدنا لتحرير حوار الدمستاني، وجدنا أن في لغته  من بلاغة التعبير، معطوفة على تجربة مرّة، ما يمكن معها قول كل شيء. استغنينا عن أسئلتنا، وأبقينا متعة السرد العجيبة التي كانت تتدفق من لسانه كما تتدفق من لسان واحد من أولي الفصاحة والتعبير. في هذه الحلقة نتحدث عن الدمستاني قبل تجربة 14 فبراير حتى الدخول فيها ثم يباشر إبراهيم الدمستاني عرض تفاصيل الأسبوع الأول من الاعتقال. كيف تمّ اعتقاله، وإلى أين تم اقتياده ومن الضباط الذين أشرفوا على تعذيبه... وأين! لنتركه يتحدث بنفسه..


في الليلة السابقة لاعتقالي، داهمت الشرطة منزل مساعد ممرض يعمل في مركز السلمانية الطبي من ذوات السترة الخضراء. كان يحمل اسم إبراهيم الدمستاني، فظنوا أنه أنا. لذلك رحت أطلق عليه دعابة: إبراهيم الدمستاني الـ Duplicate أو كبش الفداء. كبش الفداء الآخر، كان أخصائي الأطفال المقيم الدكتور صادق جعفر الذي اعتقل واتهم بالقيام بعملية في جسم الشهيد علي المؤمن بينما الذي أجرى العملية هو استشاري جراحة الرئة والأوعية الدموية وزراعة الكلى الدكتور صادق عبدالله. تشابه الأسماء أحيانا يجلب نكاية لأصحابها، فيؤخذوا ظلما فوق ظلم ولا اعتذار ولا تصحيح. بل أن الخطأ أصبح عمدياً فيما بعد.

بعد حواليّ أسبوع من إدلائنا بالاعترافات تحت التعذيب وإمضائنا الأوراق التي طلبوها منا، أخذنا إلى سجن الحوض الجاف في الساعة الواحدة ليلا. كان المعتقلون هناك من كل النوعيات، أطباء، مدونون، مصورون، نشطاء في المنتديات الالكترونية، متخصصون في الكمبيوتر، طلبة جامعة البحرين، مجموعة العرين. كما كان معنا المتهمون في قضية قطع «لسان المؤذن» - ثبت لاحقاً من واسطة القضاء البحريني بطلان القضية -، إضافة إلى معتقلي المنامة. هؤلاء الأخيرون جاءوا بهم من مركز إيواء المساجين بـ«أسري» بعد مجيئنا بحوالي الثلاثة أشهر.

أخذنا إلى عنبر رقم «5». عادة ما يبدأ السجان بالتأكد منا أولا، حيث يسأل: "ما عندك شيء؟". حيث يقومون بتفتيشنا يٌتفقد أجسادنا وما إذا كنا مصابين. رأى رضوضاً ودما ينزف من ساقي، فقام بتصويره ورفع تقرير عنه كي يكونوا في حل من مسئولية الضرب وأثر الإصابات، لأنه صادف أن توقف التعذيب منذ ظهر ذلك اليوم بسبب استشهاد زكريا العشيري وعلي صقر في 9 أبريل/نيسان. 

لاتقربوا القفل.. إنه كاميرا

حين دخلت زنزانة «7» رأيت الشباب لكني لم أميزهم جيدا، حيث للتو رفعت عنا عصابات الأعين فتأثر النظر  بذلك سلبا. لم أتعرف بسرعة إلى استشاري جراحة العظام الدكتور باسم ضيف لذلك السبب، وبسبب آخر أيضا أنه كان أصلع الرأس. كان مستلق منهكاً من التعذيب والجميع كذلك، الممرض إبراهيم الدمستاني الـ Duplicate، وأيضاً محمود القطري وعماد العصفور، وهما من نشطاء والمواقع الإليكترونية. كانوا كلهم من شدة الإنهاك والأوجاع والقيح غير قادرين حتى على الوقوف للسلام والمصافحة، لذا راحوا يستعيضون عن ذلك بالإشارة. 

لكن الكتور ضيف تأثر نظره أكثر منا، خصوصا وأنه من لابسي النظارات الطبية، فكان يحذر شركاءه في الزنزانة من تجاوزات الحديث خشية تصويرهم من خلال كاميرا مثبته في الباب. كان يقول لهم:"لا تكلموني، لا تجون صوبي فيه كاميرات مراقبة"، كان يهيأ له أن قفل الباب هو كاميرا. هكذا كان الحال.

نظرا لإصابتي، فقد أخذت إلى عيادة سجن الحوض الجاف، وكنت مصمد العين، فضلا عن تكبيل يديّ. كان يفترض وأنا مع الطبيب أن تهطل علي الرحمة، ألست في حضرة ملائكة الرحمة! لكن رجال المخابرات الذين عادة ما يرافقونا في هذا النوع من المشاوير يمنعون الأطباء من ذلك، بل يتم بتكريمنا بالإهانات والضرب.  في اليوم الثاني من ذهابي إلى سجن الحوض الجاف جاء ضابط بلباس مدني وأمر بأخذي للمستشفى، وترك لي الخيار في الذهاب إلى المستشفى العسكري أو مستشفى القلعة، لكنني فضلت الأخير لأنني عرفت المكان وفيه الدواء متوفر.       

جغرافية السجن
    
يقع سجن الحوض الجاف في فضاء صحراوي، وهو ذو مرافق متعددة. بعد البوابة الرئيسة، تسير بك السيارة في شارع داخلي مسافة نصف كيلومتر تقريبا، فترى على يسارك كبائن متفرقة مخصصة للزيارات، تليها عنابر جديدة متركزة في الزاوية. يليها على جهة اليمين تقع ستة عنابر مملوءة بالنزلاء. عنبر 1 لسجناء قضايا الهجرة والجوازات. عنبر 2 لسجناء المخدرات.  عنبر 3 لسجناء المراكز من السياسيين، أي القادمين من مراكز الشرطة.  عنبر 4 ينزل فيه سجناء المراكز غير السياسيين والمحولين أيضا من مراكز الشرطة.  العنبر 5 الذي جرى إنزالنا فيه أولا. ثم العنبر رقم 6 الذي قضينا فيه بقية المدة. وهذان العنبران الأخيران خصصا لنزلاء التحقيقات الجنائية. 

على الجهة اليسرى من الشارع في قبال العنابر الستة تقع عيادة السجن. والعيادة هي الأقرب لواجهة العنبر 5  فيما تمتد مظلات من طرف سقفي عنبر 5 و6 إلى طرف سقف العيادة.  أمام واجهة العيادة من جهة أخرى يقع الملعب، حيث يسمح لسجناء العنابر بالتجول فيه، في أثناء استراحات النزلاء بمدد متفاوتة. وإذا تجولت في الملعب بحيث يكون خلفك العنابر الستة ترى أمامك خمسة عنابر أخرى ينزل في بعضها سجناء أمن الدولة كالذي جرى إنزال فيه أمين عام جمعية العمل الإسلامي "أمل" الشيخ محمد علي المحفوظ وبقية نشطاء الجمعية، وذلك قبل أن يحاكموا ويتم نقلهم إلى سجن جو. ثم هناك عنبر آخر لسجناء الشرطة العسكرية.

عنبر رقم 5 ولياليه

 
سجن الحوض الجاف
ما إن تدخل إلى العنبر 5 حتى تستقبلك بوابة بها فتحة صغيرة للاستئذان كفتحة محلات الصيدلة عادة ما تستخدم للكلام وتوجيه الأوامر. حين تدخل البهو ترى على جهة اليمين غرفة تسمى غرفة الحلاقة، ،في الزاوية اليمنى من الغرفة طاولة وأمامها مرآة وكرسي للنزيل المراد حلق شعره، ويتم حلق الشعر مرة واحدة أسبوعيا. ويحاذي الطاولة من جهة الجدار كرسي طويل يسع 3 أشخاص وترتفع فوقه رفوف ممتلئة بنسخ من القرآن الكريم. مقابل الباب تقريبا يقفُ فرن عالٍ متعدد الطوابق للتسخين والخَبز، وفي الزاوية اليسرى تقع الثلاجة. 

على جهة اليسار من البهو يقع مكتب الشرطة، تدخله فترى أمامك الشرطي المناوب جالسا أمام طاولته. على يساره ترتفع رفوف عادة ما تستخدم لوضع عليها الهواتف النقالة (المغلقة) خشية تصوير شيء ما هناك. في الزاوية اليسرى من جهة الباب تقع الثلاجة وفي الزاوية الأخرى التي تقابلها يقع باب الحمام. ثم تأتي البوابة الرئيسة ذات القضبان الحديدية التي تفضي إلى داخل العنبر. يأخذك منظر القضبان الحديدية إلى ممر ضيق عرضه 5X6  قدم تقريبا. 

توجد في العنبر سبع زنازن تبدأ أرقامها من اليسار إلى اليمين بشكل متعرج Zigzag، فجاءت الأرقام الفردية يسارا، والأرقام الزوجية يمينا. 

أبواب الزنزانات مؤلفة من قضبان حديدية كأقفاص الحيوانات، لكنها رحبة قليلا. ورغم أن تلك الأبواب غير متقابلة تماما إلا أنها تسمح برؤية بعضنا البعض من خلالها كما تكشف حركة الممر. استثناء الزنزانتين 6 و 7 حيث لبابيهما نافذتان صغيرتان بسبب التصاقهما بدورات المياه. هاتان الزنزانتان تقعان في نهاية العنبر، تليهما من جهة اليمين حمامات الاستحمام، ومن جهة اليسار حمامات المراحيض. وكلها مراحيض عربية ماعدا حمام واحد انجليزي مخصص لمرضى الظهر.   

بعد الحمامات، أي في الزاويتين تمتد أحواض المغاسل. يقطع الأحواض باب أخير يفضي إلى الخارج حيث ساحة مظللة تمتد بها الظلال إلى خلف العنبر 6 أيضا. في هذه المساحة المظللة خلف العنبرين شُدت حبال لنشر الثياب، كما خصصت للتدخين.

في هذا العنبر تحديدها توزعنا نحن الأطباء في زنزاناته السبع، كل عشرة أشخاص في زنزانة واحدة. يمكن تقدير مساحة الزنزانة بحوالي 3x4 متر مربع. حين تدخل الزنزانة من الباب الذي عادة ما يكون في الوسط، ينتصب على اليمين سريران، وعلى الجهة اليسرى ثلاثة أسرّة. وجميع الأسرّة من فئة الطابقين بحيث يسع المكان عشرة نزلاء. كنا ننام على فرش تبسط على الأرض، لكن الفرش تغيرت بحيث تم جعلها ترتفع عن الأرض بعد التحسينات التي أجريت عقب تقرير بسيوني.

أعلى الجدار يوجد مكيف هواء، وفي أقصى اليسار نافذة صغيرة ذات قضبان يرشح منها الضوء أو الهواء المحمّل أحيانا بأصوات الطيور، وكذلك صوت الأذان. الشيء الغريب أن صوت الأذان لم يكن يريحني، كان المؤذن يشعرني أنه لا يختلف عن السجّان. فكل شيء صادر عن إدارة السجن لا ترحب به نفسي ولا تستسيغه، وذلك من جهتي على الأقل.
نزلنا في تلك الزنازين السبعة حسب التوزيع التالي: 

زنزانة 1: الدكتور علي العكري، مجموعة من نشطاء الـ(IT) وعدد من مجموعة العرين، إضافة إلى آخرين من قضايا أخرى. 
زنزانة  2: استشاري جراحة التجميل الدكتور عبد الشهيد فضل والطبيب المقيم الدكتورعبدالله الدرازي ومسئول الإسعافات سيد مرهون الوداعي وسائق الإسعاف عبد الحسين الغنـــّامي، إضافة إلى عدد من مجموعة العرين أيضاً وآخرين.
زنزانة  3: استشاريا جراحة الفك والفم الدكتور عارف رجب والدكتور غسان ضيف والدكتور عبد الخالق العريبي وطبيب العائلة الدكتور أحمد عمران ومعهم بعض سواق الإسعاف.
زنزانة 4: الدكتور سعيد السماهيجي ومدير مستشفى المحرق للولادة يونس عاشوري، مع بعض من مجموعة العرين.
زنزانة 5: الدكتور نادر ديواني والصيدلاني علي جعفر مع بعض من مجموعة العرين. إضافة إلى هاني أبو عباس وهو مصمم موقع إليكتروني باسم المنار اختص بأخبار حزب الله والسيد حسن نصر الله مما أوحى للنيابة أنه مرتبط بحزب الله. 
زنزانة 6: الدكتور باسم ضيف والدكتور محمود أصغر واستشاري جراحة المخ والأعصاب الدكتور نبيل حميد، إضافة إلى مجموعة من سواق الإسعاف، ومجموعة نشطاء المنتديات الإلكترونية، وآخرين بقضايا أخرى.
زنزانة رقم 7: وضعت فيها شخصياً مع إبراهيم الدمستاني الـDuplicate والدكتور باسم ضيف الذي نقل فيما بعد إلى الزنزانة 6. وكان معنا أيضاً سائقا الإسعاف أمير الهملي وحسين الصافي ومساعد ممرض حمزة الجمري. ثم التحق معنا فيما بعد الدكتور صادق عبدالله والدكتور صادق جعفر، والاستشاري رئيس قسم العناية المركزة الدكتور حسن التوبلاني، إضافة إلى عماد العصفور رئيس شركة لتصميم موقع بوابة البحرين الإلكترونية، ومحمود القطري وهو شاب في الثانوية له اهتمامات بتنظيم وبيع مساحات لمواقع الكترونية بشكل غير رسمي.   

إفراجات وإعادة توزيع 

بعد انتهاء السلامة الوطنية، والإفراج عن متهمي الجنح من الكادر الطبي في 28 يونيو/حزيران وكذلك الإفراج عن سجناء آخرين تم نقلنا إلى العنبر 6.  نقص عدد الكادر الطبي من 28 تقريبا إلى 11 شخص فقط. وضعونا في زنزانتين. هندسة هذا العنبر تختلف قليلا عن الآخر الذي أقمنا فيه باديء ذي بدء، فهناك كانت الأبواب عبارة عن قضبان حديدية، لكن هنا الأبواب عادية وبها نافذة صغيرة مساحتها 6x10 بوصة. لكل زنزانة حمام خاص بها، وأضيف إليه في التحسينات "البسيونية" صنبور ماء بارد للشرب. 

ثم بعد ذلك أخذت أنا والدكتور علي العكري والدكتور نادر ديواني والصيدلاني علي جعفر إلى الزنزانة رقم 1. ومعنا كان مصطفى من مجموعة العرين، وجعفر النكّال المتهم بمساعدة زوج أخته في طلب رافعة لسيارته في يوم الهجوم على سترة، ولاحقا انضم إلينا يونس عاشوري (قبل أن يحاكم وينقل إلى سجن جو). وكان هذا الأخير في زنزانة 3 لكنه اختنق من المكتئبين فيها فهرب عنهم من أجل معنويات أفضل، كما قال لنا.

أما زنزانة رقم 2، فقد ضمت كلا من : الدكتور حسن التوبلاني والدكتور باسم ضيف والدكتور غسان ضيف والدكتور محمود أصغر والدكتور عبد الخالق العريبي والدكتور أحمد عمران وورئيس الإسعاف سيد مرهون وسيد هادي المتهم باستخدام سيارته الخاصة في نقل المصابين. 

ونزل الدكتور سعيد السماهيجي في الزنزانة رقم 3 مع سجناء آخرين، ثم فرغت في الأيام الأخيرة من رمضان وخصصت للتلفزيون. وفيها تمت لقاءات السيد بسيوني. فيما وتوزع بقية السجناء في الزنازن السبعة. وقد اكتشفنا، لكن متأخراً نوعاً ما، أن هذا العنبر كان مخصصاً للسجينات المحكومات. عرفنا ذلك من خلال بعض ألبستهن الداخلية التي تركنها هناك.



التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus