"قراندول" المتكاثرة.. "العرف البلغريفي" يقود السياسة الرسمية في رعاية الاتجار بالبشر!
مرآة البحرين - 2025-01-27 - 10:05 م
في رواية "قراندول" للكاتب البحريني خالد البسام، يشعل رجلان يرتديان غتراً بيضاء حي الدعارة التاريخي وسط العاصمة المنامة بدافع التطهّر، ليتحوّل الصرح الذي خصصه المستشار البريطاني تشارلز بليغريف (1926 - 1957م) لاحتضان تجارة البغاء، إلى رماد اختفت معه ملامح الحي!
ليس هذا تحريضاً على العنف، لكنها تبدو الطريقة الوحيدة أمام عشرات من ضحايا الاتجار بالبشر لتحرير أنفسهم وإنهاء معاناتهم المتفاقمة، خصوصاً ممن يتم استغلالهم بشكل قذر في زواريب العالم السفلي في البحرين، إذ تشير الأرقام إلى تلقي نيابة الاتجار بالبشر 54 قضية في العام 2024، بعد أن كانت 48 في 2023، و44 في 2022، وهي غيض من فيض، وإلا فإنّ سياسة تقطير الأرقام لابد وأنها ستراعي عدم استثارة التقارير الحقوقية الدولية.
نساء وفتيات من تايلاند والفلبين والمغرب والأردن وسوريا ولبنان وروسيا والصين وفيتنام ودول أوروبا الشرقية يتعرضن إلى البغاء القسري في البحرين، ويأتين إليها -بحسب تقارير حقوقية- للعمل في ظروف قاهرة، فيما أشارت مصادر رسمية في سنوات سابقة إلى أن 65% من العمال المهاجرين لم يطلعوا على عقود عملهم، وأن 89% منهم لم يكونوا على علم بشروط عملهم فور وصولهم إلى البلاد، ما يشرع الأبواب إلى استغلالهم كرقيق بشكل إجباري.
استند اصدار القانون البحريني لمكافحة الاتجار بالأشخاص على مجموعة قوانين واتفاقيات محلية ودولية، كاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، والاتفاقية الخاصة بمكافحة الرق بمختلف أشكاله. ونصت مواد القانون على مكافحة استغلال الأشخاص في الدعارة و الاعتداء الجنسي.
لكن، نحن أمام منظومة متكاملة تؤسس وتدير تجارة الرقيق الحديثة، والأمر لا يُشبه بأي حال المخالفات الفردية.
المئات والآلاف من بنات الليل القادمين من مختلف دول العالم، في حاجة قبل أي شيء لاستصدار تصاريح دخول للبلاد، سواء كانت تحت عنوان الزيارة أو الإقامة أو العمل، هذا من جانب، وفي المقلب الآخر وتحت عناوين مختلفة تصدر تراخيص رسمية لفنادق ومنشآت تعمل ليل نهار في هذه التجارة المخالفة، وبحماية حقيقية من مختلف الأجهزة المعنية، بدءًا من تجميد مهام التفتيش والمراقبة التابعة لوزارة السياحة، وصولًا للأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية المعنية بحماية مناطق نشاط الدعارة من أي أعمال تضر باستقرار الأنشطة القائمة، وينحصر جهدها في السيطرة على الأعراض الجانبية، كحوادث المرور وحالات العراك بين الزبائن تحت تأثير المشروبات الكحولية، أو ربما تلك المتعلقة بتسوية حسابات الخدمات الليلية في تلك الأماكن.
تبدأ مشكلة الاتجار بالبشر في البحرين من كونها بيئة حاضنة وجاذبة، فالحكومة لا تزال تعمل وفق "العرف البلغريفي" في تخصيص أحياء البغاء حتى اليوم، وفي هذا السياق، يبدو قانون الاتجار بالبشر البحريني (2008) الذي جاء تحت ضغوط التقارير الأمريكية السنوية، معطلاً فوق الرف عندما يتعلق الأمر بأحياء وجزر "قراندول" المتكاثرة، وسيفاً مسلّطاً فيما يخص قضايا الاتجار بالبشر الأقلّ ضرراً، مثل إكراه العمالة الرخيصة على العمل، أو استغلال الخادمات وحجز جوازات سفرهن، وهذا الأمر كافٍ لإسكات تقارير الخارجية الأمريكية التي كانت تصنف البحرين قبل صدور القانون، إلى مستويات دنيا جداً، ففي العام 2007 مثلاً صُنّفت في "المستوى الثالث" الذي يمثل المستوى الأسوأ ضمن التقييم الأمريكي.
وقادت السلطات البحرينية حملة علاقات عامة واسعة لتحسين صورتها، ونظمت في هذا الصدد عدداً من المؤتمرات واللقاءات، واستحدثت هيئة وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر وحماية الآداب العامة بمبنى متعدد الطوابق حرصت أن يكون بارزاً أمام المارة في شارع الشيخ عيسى بن سلمان السريع، وسعت للانضمام للاتفاقيات الدولية، لكن زيارة واحدة للمنامة وبعض ضواحيها يمكن أن تكشف بقاءها على قمة عرش التجارة الجنسية في العالم.
ولم تعد العاصمة المنامة وضواحيها المنطقة الجغرافية الوحيدة لرعاية تجارة الجنس في البحرين، ودخلت في هذا السياق الجزر والمنتجعات الخاصة على الخط، خصوصاً مع استثمار أفراد من العائلة الحاكمة رؤوس أموالهم في هذا المجال.
ويدار ملف الدعارة في البحرين منذ عقود برعاية رسمية كاملة، نتيجة العوائد الهائلة التي يقرنها البعض بعائدات النفط، وتعتبر من التجارات المحتكرة في البلاد لصالح "الهوامير"، على الرغم من منافسة أبناء الجاليات الآسيوية في الدوائر الأرخص في السوق، ويشكل هؤلاء الحلقة الأضعف في "بروباغندا محاربة الاتجار بالبشر"، حيث لا يمر أسبوع دون القبض على عدد منهم.