مُعتقلو رأي لا "نزلاء"!
مرآة البحرين - 2025-01-26 - 9:57 م
أزمة مفاهيم تُضاف إلى سلسلة الأزمات التي ترفض الدولة الاعتراف بها في البحرين. قضية معتقلي الرأي المستمرّة رغم مواسم العفو الملكي التي لم تحلّها إلى الآن، تكاد تكون أكثر الأمثلة الحيّة على بقاء صفحة الـ2011 مفتوحة، دون أن تُطوى بخاتمة تُرضي المُتضرّرين منها.
جسر التلاقي بين المُعتقلين وما يُمثلّون، وبين السلطة الحاكمة ليس في أحسن أحواله، وقد يكون التعبير الأبلغ مقطوع. وحتى يعود إلى نشاطه، لابدّ أن تجمع الطرفيْن لغةٌ ونظرةٌ واحدة إلى مسألة التوقيف على خلفية سياسية بحتة. من هنا يبدأ النقاش والسؤال: لماذا يُعاقب مواطن بحريني بعد أن عبّر عن موقف سياسي أو أدلى بدلوه في مسألة داخلية؟
ولأنّ المشكلة وقعت وتعقّدت بعد حراك 2011 السلمي، وقرّرت الدولة أن تستهدف بأداتها الأمنية كلّ مُعارض ومُتظاهر ومُطالب بالإصلاح والعدالة والمساواة في المملكة، وملأت بهم الزنازين، ذهبت إلى ما هو أبعد، إلى قلْب المصطلحات بما يخدم مشروع الاستفراد بكامل المشهد.
تحرص سلطات الدولة ولاسيّما وزارة الداخلية عند مقاربة أيّ خبر يخصّ المعتقلين السياسيين على إبراز تسمياتها، علّها بهذه الطريقة "تؤدلج" الشعب. تقول أجهزة الداخلية المُختلفة وتحديدًا الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل، التي تُقدَّم اليوم على أنها "عمود الثقافة الأمنية"، إن مَن في السجن هم "نزلاء". تُثبّت الصفة على هؤلاء عن قصد في كلّ بياناتها ونشاطاتها الإعلامية، وتنطلق للترويج لخدماتها التي توفّرها لهم، والموزّعة عبر أقسام الطلبات والشكاوى والبرامج والشؤون القانونية.
تعريف الشخص القابع في الزنزانة ظُلمًا على خلفية سياسية كـ"نزيلٌ" في أدبيات وزارة الداخلية إذًا. وكأنّه في فندق خمس نجوم، يعيش أحلى أيّامه، ويُرفّه عن نفسه بشتّى الطرق، ويتمنّى مُلازمة المكان طيلة حياته لا مُغادرته بأسرع وقت. تسعى الوزارة لإقناع كلّ من يسمع بخبرٍ عن معتقل في سجن بحريني لأن تستعرض إنجازاتها هناك، من خلال ما تقول إنها تؤمنّه، كالأنشطة الرياضية على سبيل المثال.
ما هو محسومٌ أن ما يُعلنه الإعلام الرسمي وصفحات وزارة الداخلية من أخبار السجناء السياسيين، يستهدف بالدرجة الأولى الخارج، والمجتمع الحقوقي الغربي، الذي سيرى أن الاجراءات المتخذة بحقّ من تصفهم الداخلية بـ"النزلاء"، رائعة وبرامج التأهيل المقدّمة إليهم أروع، فهم مشمولون ببرامج تثقيفية ورياضية وترفيهية واجتماعية ونفسية كما تدّعي، وكأنّ ذلك اختراعٌ تحتكره الدولة البحرينية على مستوى العالم، ولا مكان لمنافسة أفخم سجون العالم في النرويج والنمسا واسبانيا ونيوزيلندا.
وحدهم السُذّج يصدّقون أن من في السجن يُسمّون "نزلاء". من تُدرجه الداخلية على قائمة "النزلاء" هو معتقل رأي اختار التعبير بكلّ صراحة عن موقف يتعارض مع سياسة الدولة، ومكانه الطبيعي خارج أسوار سجن جو، فهل يُعقل أن يكون الشيخ علي سلمان والشيخ عبد الجليل المقداد والشيخ محمد حبيب المقداد والأستاذ عبدالوهاب حسين، والشيخ عبدالهادي المخوضر، والشيخ ميرزا المحروس، الأستاذ عبدالهادي الخواجة والأستاذ محمد علي "نزلاء"؟ هل يصحّ أن نُطلق عليهم صفة "النزيل"؟ هل يأخذون قسطًا من الراحة في سجن جو مثلًا؟ وماذا عن الـ 401 سجين سياسي المتبقّين في المعتقل؟ هل هؤلاء أيضًا "نزلاء" فرحون بأوقاتهم في الزنازين؟
إذا أرادت الدولة الإيحاء بأن ظروف "نزلائها" جيّدة، فقد تكون مُحقّة في حالة السجناء الجنائيين المحكومين بمُددٍ طويلة لارتكابهم أفعالًا جرمية فظيعة كالقتل وما شابه، خاصة أن هؤلاء أكثر المُستفيدين من دفعات العفو الملكي، لا المعتقلين السياسيين الذي يكفل الدستور البحريني في مادته 23 حقّهم في التعبير عن آرائهم.
في اللغة العربية الفصيحة، النزيل هو الزائر والضيف، فهل تُكرّم الدولة "ضيوفها" في سجن جو، بالعقاب والقصاص والحصار والتضييق والانتهاك؟ هل من يخضع للمحاسبة على رأي أبداه يومًا للإصلاح والتأهيل وكأنه وحشًا مُفترسًا يُراد ترويضه؟ هل الإصلاح والتأهيل بات يُطبّق لمن طالب بالإصلاح؟
- 2025-01-29الهوية المهدّدة.. هاجس البحرينيين
- 2025-01-27"قراندول" المتكاثرة.. "العرف البلغريفي" يقود السياسة الرسمية في رعاية الاتجار بالبشر!
- 2025-01-25الصحافة في حضرة الملك.. تمثيلية رخيصة وتطبيل فاشل
- 2025-01-22"وثائقي" وزارة الداخلية لا يُجمِّل.. أزمة السجناء لا تُخبّأ
- 2025-01-20شحّ الكوادر الوطنية في البحرين: كذبة مُستهكلة