البحرين وتوظيف أبناء البلد.. الأجنبي يفوز
مرآة البحرين - 2025-01-01 - 7:11 ص
في 22 كانون الأول/ديسمبر الجاري، نشر جهاز الخدمة المدنية في البحرين أعداد الموظفين الأجانب في البلد، فيما ناقشت لجنة التحقيق البرلمانية بشأن عقود التوظيف وتوريد القوى العاملة في الوزارات والهيئات والشركات الحكومية تقريرها.
بمعزلٍ عن الآلية الرسمية المتّبعة لدى الجهاز التي من المفترض أنها رامية الى تأمين فرص عمل لأبناء البلد حتى لا يجنحوا الى خيار الغربة وتأميناتها المعيشية، يتّضح بشكل لا لُبس فيه أن الهدف من الإعلان عن هذه الأرقام هو القول إن الدولة تعمل على تخفيض نسبة الموظفين الأجانب، لإقناع المواطنين بجدوى الخطط الموضوعة لأجل هذه الغاية.
مُلاحظات عدّة تُسجّل عند الاطلاع على الأرقام المتداولة في بيان جهاز الخدمة المدنية وما تضمّنته جلسة مناقشة تقرير اللجنة البرلمانية، لكنّ الأبرز ما ورد بشأن حجم الأجانب في الوظائف الحكومية، إذ يعمل 6390 بعقدٍ مؤقت معظهم في مجاليِّ التعليم والصحة، وهؤلاء يُشكّلون نحو 15% من عموم موظفي الحكومة، بينما يعمل في القطاع الخاص 491000 أجنبي.
الحجّة الحاضرة لتفضيل الأجنبي على البحريني هو تعذّر وجود بحرينيين لملء الشواغر، وأن تجديد عقود الأجانب لا يتمّ إلّا وفق مبرّرات قوية ومقنعة، وأن الحكومة أنجزت عددًا من المشاريع لحل مشكلة البطالة وبحرنة الوظائف ووضعت حوافز تشجيعية لاستقطاب المواطنين.
الكلام الرسمي شيء وما يجري على الأرض شيءٌ آخر. الدخول في تفاصيل هذه المعضلة يُبيّن الفجوة الحاصلة وعُمق المشكلة، وكيف أن الحكومة تسير على خطّ تثبيت الأجنبي في وظيفته البحرينية بدلًا من العمل على الاستغناء عنه والاكتفاء بالقدرات الوطنية، أي بما يتناقض مع الخطة الوطنية لسوق العمل للأعوام الممتدّة من 2023 الى 2026، ولاسيّما لناحية خفض فارق التكلفة بين العامل البحريني والأجنبي وخلق المزيد من فرص العمل للمواطنين في القطاع الخاص.
يمكن اختصار أسباب هذه الأزمة بالتالي:
* ارتفاع تكلفة توظيف الكوادر الوطنية، الأمر الذي أدّى الى انخفاض جاذبية العامل البحريني لدى أصحاب العمل واستحواذ الأجنبي على غالبية الوظائف الجديدة في القطاع الخاص.
* منح الأجانب الوظائف التي تفوق روابتها عتبة الـ1000 دينار، إذ يتبيّن وفقًا للإحصائيات الداخلية أن 87% من الأجانب استحوذوا على مجمل الوظائف في الربع الرابع من سنة 2022، أمّا تلك التي تتجاوز رواتبها الـ900 دينار فنال الأجانب أيضًا حصّة الأسد فيها، وسجّلوا نسبة 88.6% فيها من السنة نفسها، في حين تؤكد الأرقام أن 95.6% من الوظائف التي تتعدّى معاشاتها الـ 1500 دينار كانت من نصيب الأجانب، بينما حاز أهل البلد فقط على 4.4% منها.
* ارتفاع نسبة العمالة الأجنبية في الوظائف الجديدة في القطاع الخاص بين كانون الثاني/يناير 2018 وأيلول/سبتمبر 2023، تبعًا لمؤشرات سوق العمل التي لا تتفّق مع الوزارة المعنية مباشرة بهذا الملفّ - وزارة العمل، مقابل انخفاض نسبة العمالة الوطنية في القطاع الخاص وبقاؤها ما بين 16% و19% خلال السنوات نفسها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، يتحدّث المراقبون لعملية التوظيف في البحرين عن أن مجموع البحرينيين الذين دخلوا سوق العمل عام 2022 هو 8971 فقط، بينما مجموع الأجانب الذين دخلوا سوق العمل من العام نفسه هو 94753 عاملًا، وهو رقم يفوق عشرة أضعاف من تمّ توظيفهم من البحرينيين.
هذه الأرقام تدحض معطيات هيئة سوق العمل التي يُقال إنها تحجبها، بينما يكشف تقرير الرقابة المالية 2023 -2024 عدم صحة أرقام وزارة العمل في التوظيف.
حلّ معاناة العاطلين عن العمل بات هاجسًا حقيقيًا في البحرين. بطالة الكوادر الوطنية تزيد ولا تنقص. النواب أنفسهم يتحدّثون عن ذلك، ويُشيرون الى ارتفاع حادّ في نسبة العاطلين عن العمل بلغ نسبة 102% خلال السنوات الخمس الماضية، إذ ارتفع من 3.66% عام 2018 (8000 عاطل) إلى 6.33% في نهاية 2023 (17000 عاطل).
المُصيبة الأكبر في هذا المشهد ليست الأرقام بقدر التصريح الذي أدلى به وزير الشؤون القانونية ووزير العمل بالوكالة يوسف بن عبدالحسين خلف، عندما تحدّث عن أن المملكة ماضية في طرح المزيد من المشاريع الرامية إلى الحفاظ على استقرار سوق العمل وإبقاء معدلات البطالة ضمن حدودها الآمنة. الحفاظ عليها وليس التخلّص أو التخفيف منها! تصريحٌ عجيب في كوكب آل خليفة وكأنّ الحلول قد تبخّرت على الإطلاق وليس هناك من منظّر اقتصادي واحد في الدولة يستطيع العثور على خطّة فعّالة تُنجي البلد كارثة احتلال الأجانب لوظائفه، أو في الحدّ الأدنى رفع عدد المواطنين العاملين في في القطاعيْن الخاص والعام الى 400000 بدلًا من 150000، كما ينصح المتخصّصون في شؤون التأمينات على اعتبار أن كل 4 على رأس الوظيفة يدفعون راتبَ متقاعد واحد. هنا يقول الرأي الاقتصادي "طالما لدينا 100 ألف متقاعد، فإن خطة إنقاذ التأمينات الإجتماعية من الإفلاس تحتاج الى أن يكون عدد العاملين في القطاعين هو 400000 لكي نصل الى نتيجة المعادلة بين الإيرادات للهيئة العامة للتأمين الاجتماعي والمصروفات على رواتب المتقاعدين".
التمسّك بخيار تغليب الأجنبي واستيراد الطاقات من الخارج لن يدفع الشباب سوى الى الهجرة وتفضيل عواصم الدول للعيش بكرامة، فإلى متى هذا التلكؤ إزاء حقّ طبيعي يسعى له كلّ صاحب شهادة وكفاءة وخبرة من أبناء البحرين؟