ومتى يتطلّع الملك الى ما أراده شعبه؟

مرآة البحرين - 2024-12-15 - 10:21 م

في 25 آذار/مارس 2024، وصف ملك البحرين حمد بن عيسى سورية بقيادة بشار الأسد بالشقيقة. يومها، أوفد سفير المملكة وحيد مبارك سيار الى قصر المهاجرين في دمشق لتسليم الأسد رسالة تتضمّن دعوته لحضور القمة العربية في المنامة، ناقلًا إليه تحيات "صاحب الجلالة" وتمنياته لسورية قيادة وشعبًا بدوام التقدم والازدهار.

 

هذا الودّ الذي استُؤنف افتعاله تماشيًا مع عودة علاقات دول الخليج مع الشام بدءًا من عام 2021، اتّسع التعبير عنه خلال لقائهما على هامش القمة العربية في أيار/مايو الماضي. الابتسامات كانت عنوان الجلسة في قصر الصخير، حيث نعت الملك نظيره السوري بـ"الأخ"، كما ورد في الخبر الرسمي على وكالة "بنا". وفي الاجتماع هذا، تحدّث الملك عن سُبل تعزيز "مسار العلاقات الأخوية الوثيقة".

 

في 13 كانون الأول/ديسمبر الجاري، أي بعد 9 أشهر بالتمام والكمال، وعقب سقوط نظام الأسد في سورية، قرّر الملك أن يكون سبّاقًا على مستوى الرؤساء في الدول العربية، وأن ينتزع لنفسه لقب أول زعيم عربي يُراسل القائد العام لفرقة التنسيق العسكري في سورية  أحمد الشرع- أبو محمد الجولاني.

 

الموقف الأبرز في الرسالة كان في تأكيد الملك أهمية "تحقيق تطلّعات الشعب السوري"، واستعداد بلاده لدعم المنظمات الإقليمية والدولية لتحقيق ما فيه صالح الشعب السوري.

 

من يقرأ مضمون الرسالة والحرارة التي كُتبت فيها ولاسيّما التعبيرات الحريصة على مصالح السوريين، يظنّ أن حاكمًا من الغرب يتحدّث عمّا يتمنّاه شعبه ويريده ويطمح إليه، وليس رئيسًا عربيًا مُتمسّكًا بسلطته وبنظام حُكم قبيلة مستمرّ منذ عشرات السنين. 

 

مُفردات ما يسعى إليه الشعب البحريني لا يمكن أن يستخدمها رئيسٌ لا يعترف بالآخر، ولم يُعْطه فرصةً للحوار، ولم يحقّق تطلّعاته عندما خرج الى الشارع على غرار ما حصل في الدول العربية، لا بل قرّر أن يُحاصره بالعصا الأمنية ورُهاب السجون والمؤبّدات والنفي وإسقاط الجنسية والحرمان من النشاط السياسي.  

 

من ينوي أن يعِظ أو ينصح الطارئين الجُدد على السلطة في الدولة السورية الوليدة قبل أيام، عليه أن يخلع ثوب القمع والمنع والحظر، ويتقرّب من شعبه أوّلًا وأن يزيل المسافات ويمنح المساحات، والأهمّ أن يُغادر كوكب الانفصام الذي يسكنه منذ نحو 14 عامًا.  

 

لا مكان لتطلّعات الشعوب في قاموس آل خليفة الذين لم يتقدّموا خطوة واحدة نحو أبناء بلدهم، واختصروا الشعب بمجموعة مُواليين لنظامهم خوفًا وكُرهًا، أو بفئة مُنتفعين مُستفيدين من ثرواتهم. التنظير على الشعوب يحتاج الى إدراك مُفردات الحرية والديمقراطية الغائبة فعليًا عن بلد كالبحرين.

 

ألا يُسائل حاكم البحرين نفسه كيف يُهنّئ من فاز بمعركة الثورة على نظام الأسد تحقيقًا لمطالب شعبية (إذا افترضنا ذلك)، ويُحرّم على مواطنيه المعركة نفسها؟ أليس الأجدى به أن ينصرف إلى الاستماع إلى تطلّعات شعبه، بدل إفراغ دروس الهِداية في غير محلّها؟ أما آن الأوان لأن ينال شعبه ما صرَخ لأجله كلّ هذه السنوات؟

 

ركوب موجات الشعوب لا ينسجم مع مُحاربٍ لها منذ اللحظة الأولى لاندلاعها على أرض بلده. من يتقبّل الآخر وحده قادر على مشاركة الآخرين تجارب انتقال السلطات إمّا بالطرق السلمية أو عن طريق الانقلابات والثورات. وفي البحرين، لا يستطيع الحاكم مُخاطبة الشعوب العربية بينما يترك مواطنيه تحت قبضته الأمنية والسياسية والاقتصادية.

 

صحيحٌ أن حمد بن عيسى استطاع أن يسبق الزعماء العرب لتهنئة الجولاني، لكنّه لم يسبقهم إلى التمثيل الشعبي الحقيقي وتكريس الديمقراطية حُكمًا دائمًا في المملكة الخليجية الصُغرى. لذلك، من بلى شعبه بالجوْر والطغيان والاستفراد، عليه الاندحار والرحيل هو أيضًا.