حربُ الدولة على العمالة الأجنبية: صحوةٌ متأخرة؟

مرآة البحرين - 2024-12-11 - 7:47 ص

صحوةٌ متأخرة أو مدفوعة على الأغلب تظهر اليوم في وسائل إعلام الدولة تجاه العمالة الأجنبية في البحرين وصولًا إلى جرائم التجنيس. على ما يبدو جليًا أن ضوءًا أخضرَ أُعطي لأكثر من جهة داخلية وحتى لكتّاب صحافيين لتناول أزمة العمالة الأجنبية المُخالفة، بدءًا من البنغالية، كونها أكبر الشرائح في سوق العمل الوافد في مملكة البحرين وتشكّل 10% من السكان، من أجل تسليط الضوء على مساوئها وارتداداتها السلبية على السوق المحلي.

 

أوضحُ المقالات تعبيرًا عن السخط المُستجدّ تجاه البنغاليين ظهر في مقال سوسن الشاعر في صحيفة الوطن بتاريخ 12/11/2024 عندما تحدّثت عن 35 ألف مُخالف ما زالوا في البحرين من أصل 95 ألفًا رحّل معظهم، ورأت في الحاصل استنزافًا لموارد الدولة وتهديدًا لأمنها الوطني، سائلةً عن إمكانية مُحاسبة المُتسبّبين للمشكلة. الشاعر تطرّقت في المقال نفسه إلى كارثة التجنيس المُخالف بصفته مورد ضخٍّ في التعداد السكاني للمملكة، وعدّت ذلك خيانةً للوطن. 

 

تناوُل مشكلة العمالة الأجنبية المخالفة وتداعياتها وَرَدَ في أكثر من مقال، إنْ في صحيفة البلاد، أو في الوطن مع الشاعر نفسها. وخلاصة الحديث، مخاطر هذه الفئة التي تدمّر المجتمع البحريني. كلام تزامن مع إعلان وزارة الداخلية بشأن تصدّر العمالة البنغالية قائمة الجرائم، بموازاة إثارة بعض النواب المسألة في البرلمان، كما جرى مع النائب نجيب الكواري، الذي أسهب في التطرق إلى بيان الداخلية ومشاكل البنغاليين.

 

بحسب الاقتصادي عارف خليفة، حوالي 160 ألف بنغالي يعيشون في البحرين، ومعدل دخل الشخص الواحد حوالي 200 دينار بحريني، ويحوّل منه 150 دينارًا بحرينيًا إلى وطنه، بما يصل في مجموعه الى 768 مليون دولار سنويًا، فيعيش بـ 50 دينارًا، يصرفها ما بين سكنه وأكله وملابسه وتنقّلاته ومشترياته وعلاجه، والدولة توفّر له ما ينقصه مجانًا، بدون أيّة ضريبة خاصة، حاله حال المواطن.

 

المجتمع البحريني اذًا أمام مشكلة حقيقية باعتراف الحكومة وأصوات الداخل. تفاقم الانعكاسات السلبية أثقل كاهل الدولة فأدركت سوء قرارها، عندما غلّبت نواياها غير الاقتصادية على الاقتصادية والاجتماعية  تارةً، وتارةً أخرى حين عزّزت استفادة المُتنفّذين الكبار من الفيزا العادية والمرنة. 

 

من بوابة تسهيل دخول العمّال الأجانب ومنحهم كلّ امتياز، عملت الدولة على ضرب التركيبة السكانية للبلد. ربّما أرادت استغلال وجود هذه الفئة مقابل تحقيق تغيير ديموغرافي مضاد للشيعة في البحرين على غرار التجنيس العشوائي الذي أدمنته لفترة.

 

التأثير الرديء للعمالة الذي أدّى لتواتر الأصوات الغاضبة، يبرز في حجم الخسارة من ضخامة تحويلات العمال الأجانب للخارج. بداية هذا العام، أقرّ مجلس النواب البحريني مشروع قانون يقضي بفرض ضريبة على التحويلات المالية الخارجية للأجانب بنسبة 2%، الحكومة حينها عارضت القانون بحجة أنه لا ينسجم مع دستور البلاد لناحية مبدأ الحرية الاقتصادية. المحلّلون الاقتصاديون عقّبوا على ذلك، وأشاروا إلى ضرورة وأهمية فرض هذه الضريبة والسيطرة على هذه التحويلات من أجل رفع السيولة المحلية. 

 

ومن بين دوافع الحديث عن مخاطر العمالة الأجنبية تأتي جرائمهم المضطردة. وزارة الداخلية كشفت زيادة جرائم العمالة البنغالية، ما أوجد شعورًا عامًا بعدم الترحيب بها داخل المجتمع البحريني، لكنّ المعضلة هنا تكمن في أن هذا المجتمع وسوقه يُدمنان الاعتماد على هذه الفئة، على الرغم من امتعاض المواطنين الدائم من البطالة وأزمة حاجتهم إلى الوظائف ومطالبتهم ببحرنتها، خاصة أن نسبة البطالة في البحرين بحسب إحصاء موقع "تريدينغ إيكونوميكس" الاقتصادي وصلت في نهاية 2022 إلى 5.5%.

 

موضوع الناحية الإجرامية لدى البنغاليين المُخالفين يمكن وصفه بأنه عامل قلق لدى الناس. منبعُ ذلك أن هؤلاء العمّال قادمون من بيئة سيّئة، ما يدفعهم إلى القيام بعمليات نصب وخداع، وكلّ هذا السيناريو تستطيع الدولة أن توقفه حتمًا باجراءاتٍ عديدة كالتحكّم بحجم تراخيص استقدام أيّ جنسية للعمل، أو ترحيل عمّال، أو سحب جنسيات من أجانب. 

 

بعد كلّ ما تقدّم، السؤال المطروح هو لماذا يكثر حديث الحكومة عن أثر العمّال البنغاليين السلبي إلى هذ الحدّ اليوم؟ هل سيشهد البحرينيون خطّة عاجلة للتخلّص من هذه المشكلة؟ أم أن البحرين تستنسخ علاج دول في مجلس التعاون الخليجي لأزمة العمّال الأجانب على أراضيها وكذلك المُجنّسين كما حصل في الكويت مثلًا؟