لحظة الخيارات الكبرى
2024-10-04 - 8:57 م
مرآة البحرين (خاص): تعيش البحرين أزمة افتعلها النظام بمحض إرادته، بعد اغتيال الكيان الصهيوني لأمين عام حزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله قبل أسبوع.
منذ الإعلان عن اغتياله، ضجّ الوطن العربي والإسلامي، بفاجعة رحيله، وعبّر الملايين عن مشاعرهم الحزينة لفقده إن عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو في الميادين، حيث تظاهر الأردنيون حاملين صورته وأعلام حزب الله، وصلى المصريون صلاة الغائب على روحه، وملأت صوره شوارع تونس، فضلاً عن دول مثل سوريا والعراق التي كانت صاحبة عزاء في هذا الفقد.
خليجيًا أبّن مفتي سلطنة عمان السيد نصرالله في موقف متقدّم، وسمحت الكويت للطائفة الشيعية بإقامة مراسم عزاء له، فيما لم يتم تسجيل أي تصعيد أمني في قطر، أو الإمارات أو حتى السعودية ضد الطائفة الشيعية بشكل خاص، التي كان ألمها مضاعفًا عن أي أحد آخر نظرًا لمكانة الشهيد والتي عبّر عنها بشكل واضح بيان المرجعية العليا في النجف.
لكننا في البحرين عشنا وضعًا مغايرا، حين قرر النظام تحويل قضية الشهيد السيد نصرالله، إلى قضية خلافية. بدأت الحكاية من مغردّين يدورون في فلك النظام، ولا يتحدثون إلا بناءً على أوامره، لتبدأ بعد ذلك سلسلة من الأفعال الاستفزازية من قبل السلطات.
فبعد أن أرسلت الأوقاف الجعفرية رسائل إلى المآتم تدعوهم بشكل صريح لعدم إقامة أي فعالية تأبينية بحق هذا الرجل العظيم، دخلت وزارة التأزيم (الداخلية) على الخط، وبدأت سلسلة من الاستدعاءات واعتقلت ما لا يقل عن 61 شخصًا بسبب منشورات تأبينية بحق السيد، بينهم ما لا يقل عن 12 من المؤثرين اجتماعيًا، أو ما يسمون بـ "البلوغرز"، والذين يتابعهم الآلاف من المواطنين.
ووصلت الأمور إلى حد غير مسبوق حين اعتبرت الداخلية أن تأبين السيّد يهدد النسيج الاجتماعي في البلاد، في إشارة إلى عدم رضا "الطائفة السنيّة" بتأبين من استشهد دفاعًا عن أهله من الطائفة السنيّة في غزّة، حتى انتهينا بإيقاف الناس وسؤالهم عن سبب لبسهم للملابس السوداء، حيث ذكر الناشط علي مهنا أن أحدهم أوقفه وقال له إن لبس السواد ممنوع.
لكن لكي تكون الأمور واضحة للنظام، إن شعب البحرين وفيّ لمن كان وفيًًا معه في محنته، فحين كان النظام يبطش بمباركة ودعم وتمويل "الأشقاء" في محيطنا، كان السّيد يرفع الصوت عاليًا غير آبه بأي عواقب.
وبعيدًا عن الوفاء، فإن السلطة مدعوّة للتعقّل قليلًا والتأمّل فيما هو آت في قادم الأيام والأشهر، فنحن الآن على أبواب حرب إقليمية قد تغيّر وجه المنطقة، وأفضل الوسائل للحفاظ على "النسيج الاجتماعي" تغليب الحكمة والتعاطي الهادئ مع أي مستجد.
إن من السذاجة لمن على كرسي الحكم الظن بأن مآلات الأمور ستكون للصهاينة، وأننا دخلنا العصر الإسرائيلي في المنطقة، وإن من الغباء أن يتوقع أحد في البحرين أن الوحشية الإسرائيلية وحادثة اغتيال السيد نصرالله يمكن صرفها في الداخل ترجيحًا لكفّته، وإضعافًا للمعارضة وجمهورها.
هذا الجمهور اتخذ خياره بوضوح ودون خجل أو وجل، هو خيار ضد إسرائيل وأمريكا والغرب، هو خيار إلى جانب المقاومة في فلسطين ولبنان، وإن اتسعت رقعة المواجهات لا سمح الله إلى اليمن والعراق، فإن الموقف سيكون هو نفسه، ضد قوى الاستكبار ومع الشعوب الشقيقة، أما النصر فلن يكون إلا حليف أصحاب الأرض، وحين ذلك فمن ربط نفسه بإسرائيل واستخدم قوّتها للمغالبة وترجيح كفّته، سيكون هو أول الخاسرين وأكثرهم، فأحسنوا الاختيار.