الفورمولا وان في البحرين: عشرون عامًا من المعارضة والغسيل الرياضي

من فعاليات سباق الفورمولا وان في البحرين (فبراير 2024)
من فعاليات سباق الفورمولا وان في البحرين (فبراير 2024)

أوسكار ريكيت - موقع ميدل إيست آي - 2024-03-27 - 2:37 م

ترجمة مرآة البحرين

 كان موسى الستراوي يبلغ من العمر 22 عامًا عندما وصل سباق الفورمولا وان إلى بلاده.

في تلك الفترة، لاحظ بالكاد الأمر. وقد هلّل السياسيون والعائلة المالكة الحاكمة لوصول رياضة السيارات في العام 2004 إلى مملكة البحرين، وهي أصغر دولة في الخليج.

لكن كانت لدى الستراوي، الحائز على ديبلوم في الصيانة الصناعية للمعدات، مخاوف أكثر ضغطًا. بعد ثلاثة أشهر، فُصِل من وظيفته في شركة نفط البحرين (بابكو) إذ جرى استقدام العمال المهاجرين، ومعظمهم من الهند ونيبال، ليحلوا مكان السكان المحليين.

بدأ الستراوي وبعض العمال الآخرين الذين جرى تسريحهم الاحتجاج أمام القصر الملكي. ورفعوا لافتات كتب عليها: "نحن بحرينيون وليس لدينا عمل"،  وأيضًا: "نحن بحرينيون ونبحث عن عمل".

وفي أحد الأيام، رأى المتظاهرون قافلة من المركبات الكبيرة تتجه نحو الصخير، موقع الحلبة التي بلغت تكلفتها 150 مليون دولار، والتي كان من المقرر أن تستضيف افتتاح  سباق الجائزة الكبرى. كان يجري الاستعداد لإقامة السباق في نهاية هذا الأسبوع. 

وقال الستراوي لموقع ميدل إيست آي: "جاء عناصر الشرطة وأخافونا. قالوا إنهم يريدون التحدث معنا عن وضعنا، إأن السلطات تريد مساعدتنا، وإنه يمكننا مناقشة ما كان يحدث".

وتوجه المتظاهرون مع الشرطة بعيدًا عن أنظار القصر والطريق الرئيسي المؤدي إلى المسار.

وقال الستراوي إنّها "كانت مجرد وسيلة لإبعادنا كي لا يرانا الصحفيون والأشخاص الذين سيذهبون إلى سباق الجائزة الكبرى".

وصرّح الستراوي لموقع ميدل إيست آي إن القادة البحرينيين الرئيسيين، بمن في ذلك الجنرال خليفة الفضالة، حضروا عدة مرات لإبلاغ المتظاهرين برغبتهم بالتحدث معهم، وأنهم سيعملون على حل الأمور.

لكن الوعد بمحاكمة عادلة لم يتحقق أبدًا. وفضلًا عن احتجاجه على البطالة، ينتمي الستراوي إلى الغالبية الشيعية في البحرين، التي عانت من حملات القمع في بلد تحكمه عائلة آل خليفة السنية منذ أكثر من قرنين من الزمن.

وفي إحدى ليالي مارس/آذار 2005، حوالي منتصف الليل، وصلت خمس سيارات إلى منزل الستراوي. اقتادت قوات الأمن الشاب البحريني، ووضعته في إحدى المركبات، ونقلته إلى ما وصفه بأنه "مكان مخفي". 

وقال لموقع ميدل إيست آي إنهم "ضربوني وقالوا إننا إذا واصلنا الاحتجاج فسوف يلاحقون زوجتي وعائلتي. لقد خلعوا ملابسي واعتدوا علي جنسيًا"  غير أنّه فضّل عدم الكشف عن المزيد من التفاصيل حول الاعتداء.

وتُرِك الستراوي ملقى في الشارع، واعتمد على الغرباء ليوصلوه إلى منزله حيث رأت زوجته المذهولة الدماء على ملابسه.

في العام التالي، ومع اقتراب موعد سباق الجائزة الكبرى في البحرين، نظم الستراوي وزملاؤه المحتجون تظاهرات لمحاولة جذب بعض الاهتمام إلى قضيتهم، التي توسعت الآن لتصبح حركة تطالب بالكرامة وإنهاء القمع السياسي في البحرين.

خارج مجمع الدانة، في منطقة السيف في المنامة، عاصمة البحرين، شاهد الصحفيون وغيرهم من الأشخاص المشاركين في الفورمولا وان المحتجين.

وقال الستراوي إن "الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي علينا، بعد أن رآنا رؤساء الفورمولا وان" مضيفًا أن [عناصر الشرطة] حاصروا المركز التجاري وقاموا بتقييد المتظاهرين. وفي أعقاب المواجهة حكم عليه بالسجن تسعة أشهر.

وعندما خرج من السجن، في ديسمبر/كانون الأول 2006، تقدم الستراوي أولًا بطلب للحصول على تأشيرة دخول بريطانية، لكنه لم يحصل عليها، ثم تقدم بطلب آخر للحصول على تأشيرة شنغن، وقد جرى منحه إياها.

حزم حقيبة تحتوي على صور من الاحتجاجات وغيرها من الأدلة على وضعه كناشط سياسي، وأخذ جواز سفره وتوجه إلى المطار حيث تمكن من الفرار، على الرغم من اقتراب قوات الأمن منه، وسافر أولاً إلى هولندا ثم إلى لندن، حيث تمكن من الحصول على اللجوء السياسي، وهو يعيش هناك منذ ذلك الحين.

تقليد مثير للقلق

حلّ سباق جائزة البحرين الكبرى يوم السبت في الذكرى العشرين للسباق الافتتاحي. بالنسبة لحكام البلاد، إنّه الوقت المناسب "لإقامة احتفالات خاصة بمناسبة الذكرى العشرين للبحرين في رياضة السيارات".

بالنسبة للناشطين المؤيدين للديمقراطية من البحرين، بمن في ذلك معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، فإن السباق هو شهادة على "تقليد مثير للقلق امتد على مدى عشرين عامًا من التبييض الرياضي في البحرين".

حضر سيد الوداعي، وهو المدير التنفيذي في معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، سباق جائزة البحرين الكبرى الأول، وحصل على تذكرة مجانية وزعتها السلطات على جميع طلاب المدارس والجامعات لأنها أرادت أن تضمن وجود جمهور كبير.

وقال لموقع ميدل إيست آي إنّ "الحكومة بذلت الكثير من الجهود في هذه المسألة. ذهبت لكننا لم نفهم ما الذي كان يحصل. لقد سمعنا الكثير من السيارات المزعجة للغاية". 

واليوم، يقول الوداعي، وهو أحد أبرز الناشطين البحرينيين في العالم، إنّ "أكثر ما يؤلمني هو عندما تطلق الفورمولا وان ادعاءات كاذبة ومدهشة عن كونها قوة من أجل الخير".

وتساءل الوداعي: "كيف يمكن أن يكون هذا هو الحال عندما لا يتسامح شركاؤك مع أي شكل من أشكال الاحتجاج؟ لقد ازداد سجل حقوق الإنسان في البحرين سوءًا خلال السنوات العشرين الماضية، وقد شهدنا انتكاسة كبيرة في عام 2011 عندما تم سحق حركة الاحتجاج الحاشدة وإلغاء السباق"، في إشارة إلى الانتفاضة التي اندلعت في المملكة في فترة "الربيع العربي".

وانضمت إلى النشطاء البحرينيين مجموعة من السياسيين البريطانيين، بما في ذلك زعيم حزب العمال السابق جيريمي كوربين ومستشار الظل السابق جون ماكدونيل، الذي وجّه رسالة إلى قيادة الفورمولا وان في 28 فبراير/شباط.

وقال النواب واللوردات في الرسالة أنّه "في حين لا تزال الفورمولا وان لا تزال متوهمة بشأن تأثيرها، فإن الأدلة توضح أن وضع حقوق الإنسان في البحرين قد تدهور بشكل كبير خلال العقدين الماضيين".

كما سلطوا الضوء على قضية صلاح عباس حبيب، وهو متظاهر مناهض للحكومة يبلغ من العمر 36 عامًا، والذي عُثر عليه ميتًا عشية سباق جائزة البحرين الكبرى في العام 2012. ولم تحقق إدارة الفورمولا وان فيما إذا كانت الوفاة مرتبطة بوجودها في الجزيرة. 

وقال متحدث باسم الفورمولا وان لموقع ميدل إيست آي إنّه "على مدى عقود، عملت الفورمولا وان بجد لتشكل قوة إيجابية في كل مكان تتسابق فيه، بما في ذلك على مستوى تحقيق الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية". وأضاف أن "الرياضات مثل الفورمولا وان تتمتع بموقع فريد يسمح لها بعبور الحدود والثقافات لجمع البلدان والمجتمعات معًا لمشاركة شغف المنافسة وإثارتها والإنجازات المذهلة".

وأكّد المتحدث أنه "نتحمل مسؤولياتنا المتعلقة بالحقوق بشكل جدي ونحدد معايير أخلاقية عالية للأطراف المقابلة والعاملين في سلسلة الإمداد لدينا، والتي تنص عليها العقود، ونولي اهتمامًا وثيقًا لالتزامها". 

كيف وصل سباق الجائزة الكبرى إلى الخليج؟

ومع ذلك، كانت إدارة الفورمولا وان مطلعة على مسألة القمع في البحرين منذ البداية.

ففي حديثه إلى موقع ميدل إيست آي في العام 2021، روى بيرني إيكلستون، الرجل الذي أدار رياضة السيارات لمدة أربعة عقود والذي أبرم الصفقة لإحضارها إلى المملكة الجزيرة، قصة كيفية وصول سباق الجائزة الكبرى إلى الخليج.

في العام 1999، تواصل سلمان بن حمد آل خليفة، ولي عهد البحرين الجديد الذي تلقى تعليمه في كامبريدج، مع إيكلستون. وقال إيكلستون إن سلمان كان "يقف وراء فكرة" إقامة سباق في البحرين "لأنه أدرك أنه سيكون أفضل شيء يمكن أن يحدث للبلاد".

ومع التقدم خطط السباق، التقى إيكلستون بشخصيات معارضة وبنشطاء محليين.

وقال إنّه "عندما ذهبنا إلى هناك لأول مرة، واجهنا بعض المشاكل مع السكان المحليين، الذين كانوا منزعجين مما أعتقدوا أن الحكام يقومون به. في النهاية، التقيت بجميع المحتجين وجلست معهم وتحدثت معهم. قلت لهم في ذلك الوقت: "ما تبحثون عنه هو ثورة حقًا". وهذا ما يحدث عادة. ومن ثم تهاجمون التاج وتستولون على البلاد. قلت إن هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكنكم فعله على الإطلاق".

ومع ذلك، لم يكن إيكلستون يتوقع اقتحام حواجز البحرين. وقال لموقع ميدل إيست آي إنني "ذكرت أن هذا ما يحدث عادة عند حصول هذه الأشياء، وأنا أعلم جيدًا أنه لا توجد طريقة في العالم يمكن أن يحدث فيها ذلك لأنهم لن يتمكنوا أبدًا من القيام بذلك".

في العام 2004، أُقيم أول سباق للجائزة الكبرى، وفاز مايكل شوماخر لصالح فيراري.

كان إيكلستون، الذي جرى استبداله كرئيس تنفيذي لمجموعة الفورمولا وان في العام 2017، بعد سنوات من توقيعه لصفقات لجلب رياضة السيارات إلى البحرين والإمارات العربية المتحدة، واضحًا بشأن ما يعتقد أن حكام الخليج يريدون القيام به من خلال الفورمولا وان.

وقال لميدل إيست آي إنّه ""هذا ما أرادوا القيام به، استخدام العلامة التجارية للترويج للبلد، وهو ما أرادوا فعله بوضوح. لقد ناسبنا الأمر وناسبهم أيضًا. عليهم أن يدفعوا الثمن. لقد أدركوا أنه كان رخيصًا على أي حال في مقابل حجم الدعاية التي حصلوا عليها. كنا جميعًا نعرف بالضبط ما كنا نفعله. ولحسن الحظ، أعتقد أن الأمر سار بشكل جيد". 

معاملة "غير إنسانية"

في سباق الجائزة الكبرى الذي شهدته البحرين العام الماضي، ألقي القبض على أربعة متظاهرين بعد أن تظاهروا بالقرب من المسار. وكان من بين المعتقلين السجينتان السياسيتان السابقتان هاجر منصور ونجاح يوسف.

قالت نجاح يوسف لموقع ميدل إيست آي  إنهم تعرضوا بعد ذلك "لمعاملة غير إنسانية" من قبل ضابط شرطة كبير. وكانت قد قضت سابقًا عامين في السجن "بسبب احتجاجها على الفورمولا وان".

واعتقل معهم رجلان، هما علي مهنا ومنير مشيمع، الذي أُعدِم شقيقه في العام 2017.

في ذلك الوقت، أصدرت الحكومة البحرينية بيانًا، نقله متحدث باسم إدارة الفورمولا وان إلى موقع ميدل إيست آي، ورد فيه أنه لم يجرِاعتقال أي شخص.

في الأسبوع الماضي، جرت مداهمة منزل عائلة منصور ومشيمع من قبل الشرطة في البحرين. تلقى مهنا استدعاءً من الشرطة، ولكن عند وصوله إلى المخفر، قيل له إن الأمر كان مجرد حادث.

وتلقت نجاح يوسف، التي انقطع اتصالها بالسلطات منذ سباق الجائزة الكبرى لعام 2023، رسالة نصية تطلب منها الذهاب إلى مركز الشرطة، غير أنها لم تذهب.

وقال الوداعي: "إذا سألتني لماذا حدث هذا لهم جميعًا في الأسبوع الماضي، فسأقول أن الرسالة واضحة: إنهم يريدون التأكد من عدم حدوث أي شيء حول سباق الجائزة الكبرى".

يبلغ موسى الستراوي من العمر الآن 42 عامًا. وهو يقيم في لندن منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، لكنه يواصل حملته من أجل شعبه، شعب البحرين.

ثلاثة من إخوته في السجن في الوطن. ولم يعد إلى المملكة الجزيرة منذ مغادرته. إنه خائف، في بعض الأحيان، من أن تتم إعادته إلى هناك.

وقال "إن الجائزة الكبرى تساعدهم"، في إشارة إلى القمع السياسي الذي تمارسه السلطات في البحرين مؤكدًا "إنها تساعدهم على القيام بذلك".

النص الأصلي