بين "أمير العفو" و"مَلِك القَمع"
2023-12-18 - 8:43 م
مرآة البحرين (خاص): يوم السبت الماضي 16 ديسمبر 2023 غادر هذه الدنيا أمير دولة الكويت نواف الأحمد الصباح، بعد صراع مرير مع المرض، وبعد فترة حكمٍ قصيرة نسبياً لم تتعدَ الثلاثة أعوام، لكنه غادر هذه الدنيا تاركاً فيها إرثاً وسمعةً طيبة، و"مراسيم عَفو" ستعرّف الناس بفترة حكمه القصير متى ما تم استذكارها.
منذ توليه مقاليد الحكم أواخر العام 2020 بعد وفاة أخيه صباح الأحمد، عمل نواف الأحمد على إنجاز ملف المصالحة السياسية وإن بوتيرة بطيئة. بعد حوالي عام من تسلمّه مقاليد الحكم، توافق الأمير مع أطياف مختلفة من الكويتيين على طي صفحة الماضي عبر إصدار عفو أميري واسع شمل عدداً كبيراً من النشطاء والمعارضين، أبرزهم زعيم المعارض السابق مسلّم البراك ورفاقه المقيمين في تركيا.
كما شمل العفو معظم النشطاء الشيعة المتهمين في قضية "خلية العبدلي"، بما فيهم أبرز شخصية شيعية في الكويت، الشيخ حسين المعتوق الذي كان يقيم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وعلى الرغم من أن العفو الأميري لم يشمل كثيرين، لكنه فتح الباب واسعاً أمام مناخات إيجابية، أدت إلى صدور عفو ثان واسع هو الآخر في أواخر نوفمبر الماضي، شمل عشرات النشطاء والمغردين المقيمين في الخارج والذين صدرت بحقهم أحكام سجن طويلة أبرزهم، عبدالحميد دشتي وصقر الحشاش، بالإضافة إلى شمول عدد من المسجونين لأسباب مختلفة في هذا العفو، أبرزهم المتهم الرئيسي في قضية "خلية العبدلي" المحكوم بالسجن المؤبد، كما رافق العفو قرارات بإعادة الجنسية لعدد ممن سحبت منهم جنسياتهم قبل حوالي عشر سنوات لأسباب سياسية.
بعد أسبوعين على العفو الأميري الأخير، توفي نواف الأحمد، لكنه غادر هذه الدنيا ملقّباً بـ "أمير العفو"، لأن حكمه القصير امتاز بمراسيم العفو التي طوت صفحة الماضي، وفتحت البلاد على مرحلة جديدة من العمل السياسي.
وفي المقابل فإن ملك البحرين الذي حكم البلاد لما يقرب الربع قرن بدأ حكمه بعفو عام وشامل (لطي صفحة القمع التي اتسم فيها حكم والده الدموي)، وميثاق وطني اتفق عليه معظم الشعب، لكنه سرعان ما تراجع عن ذلك بالانقلاب على الميثاق بعد عام واحد فقط. ومنذ العام 2002 صارت البحرين عنواناً لأزمات سياسية لا تنتهي بين الحكم والمعارضة.
بعد 10 أعوام من ذلك العفو، ثار الناس ضد الحكم، وملأوا الشوارع، فأجابهم الملك بالدبابات والجيش ودرع الجزيرة بدلاً من الاستماع لهم ولمطالبهم، ما أدى لقتل العشرات وسجن الآلاف.
أما اليوم وبعد مضي 12 عاماً على تلك الثورة الشعبية وما رافقتها من آلام ومعاناة، فإن الملك لا يبدو أنه في وارد القيام بأي خطوة من جانبه لتهدئة الأمور وفتح المجال للمصالحة، بل على العكس من ذلك فإن القبضة الأمنية زادت وتوسّعت لتشمل قضايا لا علاقة لها بالوضع السياسي المحلي مثل المسيرات المناهضة لإسرائيل التي اعتقل بسببها العشرات منذ بدء الحرب على غزة.
كما وأن الملك الذي أشرف شخصياً على ملف إعادة العلاقات مع قطر وإنهاء القطيعة رغم تمنّع الدوحة، نجح أخيراً في تطبيع العلاقات وسافر إلى قطر للمشاركة في القمة الخليجية والتقى أميرها تميم بن حمد، إلا أنه ومن معه لم يتخذوا أي خطوة إيجابية في ملف الشيخ علي سلمان الذي يقضي حكماً بالسجن المؤبد بتهمة "التخابر مع قطر".
حتى الآن يبدو أن حمد بن عيسى يفضل نهاية مشابهة لنهاية والده الذي غادر هذه الدنيا، والناس ناقمة عليه وعلى حكمه، على أن يختار نهاية مشابهة لنهاية نواف الأحمد الذي غادر هذه الدنيا والناس تترحم عليه، وحكمه بات أشبه بحكم والده، دموياً مليئاً بالقمع، فيما الناس باتوا ينتظرون طي هذه الصفحة عسى أن يقوم من يخلفه بخطوة تضمد جراحهم وتنهي آلامهم.