من أدخل عصا المستشار في عص مجلس النواب؟

المستشار الدكتور أمين إبراهيم عبدالحليم
المستشار الدكتور أمين إبراهيم عبدالحليم

2023-02-01 - 11:27 ص

مرآة البحرين (خاص): ما حدث يوم يوم أمس (31 يناير 2023) في جلسة مجلس النواب من هرج ومرج، يستدعي التوقف. قرر رئيس المجلس أحمد المسلّم بعد أن وجهه المستشار القانوني إلى شطب كلمة النائب ممدوح الصالح الذي وصف اسرائيل بأنها "الكيان الصهيوني". ما قصة هذا التوجيه من الناحية القانونية؟
هناك خلل كبير في آلية عمل مجلس النواب، خلل أشار له الشيخ علي سلمان في العام 2008 دون أن تناصره الكتل الأخرى وهي "المنبر الإسلامي - إخوان مسلمون" و"الأصالة- سلفيون"، بل ظاهرتا عليه ومررتا ذلك الخلل الذي هو بمثابة خطيئة.
تبدأ الحكاية بعد أن شاركت جمعية الوفاق في انتخابات العام 2006 وأصبح لها مقعدان في هيئة مكتب مجلس النواب، لم يستطع رئيس مجلس النواب السابق خليفة الظهراني تمرير ما يريده بشكل سهل كما تعود سابقا خلال ترؤسّه برلمان 2002.
إزاء هذا الوضع، نسّق الظهراني مع الديوان الملكي لإيجاد مخرج يبرر تفرّده بالقرارات، فتم ابتداع شكل قانوني جديد داخل هيكلة المجلس، دون سند من اللائحة الداخلية، ولا من قانون مجلسي الشورى والنواب، ولا من أي قانون آخر، فقد تم إنشاء هيئة تمت تسميتها بهيئة المستشارين القانونيين، بقرار منفرد من الظهراني نفسه، وتم إعطاء هذه الهيئة صلاحيات موسعة في كل شؤون الجلسات والمضابط وتسيير العمل داخل المجلس. صارت هي جهة الإفتاء وتقرير ما هو صحيح وما هو خطأ، عمليا هي صادرت جانبا مهما من مساحة عمل اللجان.
لم يقف الأمر على ابتداع الشكل فقط، بل قام الظهراني بتعيين المستشارين بنفسه دون مشورة ودون إعلان عن الوظائف للعموم، وقد اعترضت جمعية الوفاق بشدة، لكن كتلتي الإخوان والسلف كانتا في صف الرئيس.
وفي أكتوبر 2008 وجّه رئيس كتلة الوفاق الشيخ علي سلمان رسالة اعتراض رسمية على تشكيل هيئة المستشارين القانونيين إلى الظهراني، رسالة مهمة، من المهم استعراض ما ورد فيها.
الرسالة قال فيها الشيخ علي للظهراني، إنّ: «قراركم بتشكيل هيئة المستشارين القانونيين جدير بالرجوع عنه وعدم الاستمرار فيه؛ لأنّه يمثل وصمة غير صالحة البقاء في تاريخ الحياة البرلمانية، ولا تؤسس لمجلس تشريعي يماثل ما عليه المجالس التشريعية في الديمقراطيات العريقة التي كانت طموحا في ميثاق العمل الوطني الذي قمنا بالالتفاف حوله».
وأضاف بأنّ «قرار التشكيل جاء مخالفا للوائح وأنظمة مجلس النوّاب والتي تشير إلى أنه (ليس للرئيس أنْ يصدر أيّ قرار إذا كان يتضمن تعديلا في لائحة شئون العاملين بمجلس النوّاب، أو في القرارات التي لا يجوز له إصدارها إلاّ بموافقة مكتب المجلس)».
شارحا في خطابه: «أنه بإعمال ما تقدّم على القرار موضوع المذكرة، فإنكم استحدثتم هيئة جديدة في الهيكل التنظيمي للمجلس، وقررتم شروطا وأحكاما خاصة لأعضاء هذه الهيئة، بالإضافة إلى أنكم قررتم مزايا مالية لم تكن مُدرجة ضمن موازنة المجلس التي أقرها المجلس كهيئة، أو كان يجب أنْ يقرها المجلس كهيئة».
وختم الشيخ علي سلمان بقوله: «إنّ القرار استحدث على الهيكل التنظيمي وحدة عمل جديدة وأناط بها اختصاصات معيّنة، لم تكن هذه الهيئة أو الوحدة موجودة في الهيكل التنظيمي الذي يختص بإقراره مكتب المجلس، وهو من هذا الجانب يقع في عدّة مخالفات منها أنه صدر من دون اتخاذ الإجراءات اللازمة لإصداره وهو الحصول على موافقة المجلس».
رسالة مسبّبة بأسباب واقعية تبيّن مواقف الخطأ والخلل، لكنها لم تجد صدى ولا التفاتا من بقية الكتل التي كان رؤساؤها قصيري النظر فيما ستؤول إليه الأوضاع في مجلس النواب والبلد بأجمعه فيما بعد.
بعد رحيل الظهراني من منصبه، ومجيء برلمان 2014 تغوّلت الهيئة ودورها مع وصول شخصيات ضعيفة جدا لمنصب رئاسة مجلس النواب، هكذا كان الوضع مع أحمد الملا، وبعده فوزية زينل التي كانت غير مؤهلة بتاتا، وكان توجيه المستشارين لها خلال الجلسات واضحا بل مُحرجا في بعض الأحيان، والآن جاء أحمد المسلّم الذي ينتظر مثل فوزية الإشارة من المستشار القانوني.
إنّ تشكيل هيئة المستشارين بقرار منفرد من شخص واحد فقط، كان هو الخطيئة الأساسية التي مكّنت شخصا ليس من أهل البحرين، هو المستشار الدكتور أمين إبراهيم عبدالحليم في جلسة النواب أمس (31 يناير 2023) أن يوجّه رئيس مجلس النواب لاتخاذ قرار بشطب كلام نائب بحريني منتخب.
المستشار أمين إبراهيم، حضر الجلسة بالأمس بديلا لرئيس الهيئة الدكتور صالح الغثيث الذي لم يحضر يوم أمس، ربما كان في أكاديمية الشرطة في جوّ حيث يشرف على رسائل الماجستير هناك، فالدكتور صالح يشغل ما لا يقل عن أربع إلى خمس وظائف.
هيئة المستشارين، هي آلية إعاقة لعمل النواب، صممها الديوان الملكي عبر خليفة الظهراني الذي كان له الإخوان والسلف ظهيرين على تثبيتها، ومنذ ذلك اليوم وكل مستشار داخل هذه الهيئة ليس بحرينيا، فمن يرأسها هو عراقي من الموصل، والبقية من مصر الشقيقة، كلهم موظفون مأمورون من الديوان، وبإطلالة ومتابعة بسيطة تكتشف إن هؤلاء المستشارين يعمل كل منهم في أربع وظائف أخرى غير وظيفته في هذه الهيئة، وكل وظيفة لها راتب ومزايا منفصلة، هذه هي الفرصة الذهبية لهؤلاء المستشارين الذين هم بمثابة فرع من موظفي الديوان الملكي يديرون الأمر بحسب التوجيهات، ولهم صلاحيات لا تستند لدستور ولا للائحة ولا لقانون، فهل يتجرأ النواب ويعيدون طرح الإشكالية الرئيسية، ويصححون هذه الخطيئة التي صارت إحدى معوقات العمل البرلماني، وما أكثرها.
حقيقة مرّة أن يتدخل موظف برتبة مستشار أتى من بلاد أخرى، بل يتحكم في حياة مواطنين في بلاد ثانية، إنّه زمن تغوّل الأجانب ومسكنة وضَعْفِ أهل البحرين، حتى النواب منهم.