عباس المرشد: نونو رجل إسرائيل في المنامة...أسطورة الحق اليهودي في البحرين
عباس المرشد - 2022-11-27 - 7:49 ص
احتلال المنامة وتغير هويتها الثقافية وتحطيم صورتها الشيعية هي أهم الأهداف المرحلية لمشروع الحي اليهوي الذي تم الكشف عنه قبل عدة أشهر وعاد الحديث عنه قبيل بدء احتفالات عيد الحانوكا اليهودي.
في الإعلان الصحفي يتحدث ابراهيم نونو بصفته الناطق الرسمي باسم الجالية اليهودية في الخليج لكنه يتحدث أيضا بوصفه رجل إسرائيل في المنطقة ومهندس مشاريعها في المنامة أو لنقل يجب أن ننظر إليه بهذه الصفة لا غير.
لست في وارد سرد تفاصيل تلك العلاقة قبيل توقيع اتفاق الذل المسمى باتفاقيات إبراهام للتطبيع، فما يفعله الرجل من أجل إسرائيل أكبر من دور الوسيط التجاري أو الوسيط الديني. إلا أن الخبر الذي نشرته صحيفة البلاد على لسانه يؤكد هذا الدور والعلاقة بينه وبين إسرائيل وأنه يمثل واجهة الكيان المؤقت في البحرين. إذ جرت العادة أن لا تباشر السفارات الإسرائيلية مشاريعها في المناطق إلا من خلال وجوه ورجال توكل إليهم تلك المهام لتنفيذها بإشراف رسمي من السفارة أو الجهة الرسمية الإسرائيلية.
يتحدر ابراهيم نونو من عائلة يهودية من أصول عراقية استوطنت البحرين بداية القرن العشرين واشغلت في التجارة، وقتها كانت أعداد اليهود في البحرين تتكاثر بسرعة مذهلة فارتفعت أعدادهم من بضعة أفراد إلى عدة مئات في أقل من عقد واحد وهذا ما يثير السؤال عن سبب تلك الهجرة والأهداف التي تتوخاها الجماعات المهاجرة ومن الذي يقف وراءهم وكيف تعامل الحاكم والعائلة الحاكمة مع الموضوع. بعض من أولئك اليهود جاء من اليمن في رحلة الاستيطان في فلسطين وبعضهم جاء من العراق وإيران هربا من سلطات العثمانيين. تدفق الهجرة اليهودية إلى البحرين دفع بأحد اليهود الروس أن يعرض على الاحتلال البريطاني فكرة احتلال البحرين والإحساء وتوفير جيش قوامه 100 ألف يهودي لتنفيذ هذا الغرض. تصادفت تلك الفكرة مع تنفيذ وعد بلفور واحتلال آل سعود للإحساء وهي المعلومات التي لم يتوفر عليها اليهودي الروسي وقتها لكن السفارة الفرنسية أبلغته بذلك وتقرر أن تكون أرض فلسطين وطنا جديدا لليهود. وخلال العشر السنوات اللاحقة لوعد بلفور تزايدت أعداد اليهود في البحرين برعاية بريطانية لتسهيل توطنيهم في فلسطين. بدوره منح الحاكم وقتها حمد بن عيسى بعض اليهود مكانة سياسية وتم تعيين ممثل يهودي في مجلس بلدية المنامة وتسهيل وجودهم وإعطاء الكثير منهم حق الجنسية البحرينية وفق قانون الجنسية الصادر في 1937 وبذلك حول الحاكم المهاجرين اليهود إلى مواطنين في أول عملية تجنيس برعاية بريطانية. في 1946 بلغ عدد اليهود في البحرين حوالي 700 يهودي وفق الإحصاء الأول الذي أجراه بلجريف.
سريعا تكشفت خطة الهجرة اليهودية إلى البحرين وتبين أن البحرين لم تكن سوى محطة أولية لإتمام رحلة الشتات اليهودي وصولا إلى أرض فلسطين ونظرا لقيام الحرب العالمية الثانية أصبحت الهجرة تعاني مأزقا فعليا فاليهود الذين جلبوا إلى البحرين استهوتهم الحياة في أرض البحرين وكان صعبا على المشغل إقناع هؤلاء بترك البحرين والتوجه إلى فلسطين. في حينها كانت الباكستان تخوض صراعا سياسيا من أجل استقلالها عن الهند ونتيجة لذلك الصراع تأثرت دول المنطقة بالصراعات الطائفية بين المسلمين الهنود والباكستانيين من جهة والهندوس من جهة أخرى ورصدت التقارير البريطانية حدوث توترات طائفية بين الهندوس والمسلمين في كل من البحرين وقطر، كما تم رصد منشورات تحريضية يوزعها الهندوس ضد المسلمين الهنود.
استغلت الإدارة البريطانية هذه الصراعات الفرعية في تشكيل مجموعات مدفوعة الأجر لإيذاء اليهود في البحرين وبعض دول المنطقة وحثهم على إتمام خط الهجرة إلى فلسطين. وبالفعل انتشرت أعمال تخريب وإرهاب موجهة ضد الجاليات اليهودية في أكثر من بلد عربي وتحريض اليهود للانتقال من تلك البلدان إلى أرض فلسطين. لاحقا وبعد انجلاء أعمال الشغب ضد اليهود في البحرين سافرت أغلبية الجالية اليهودية إلى فلسطين وبقي بضع عشرات منهم فقط. وكشف التقرير الجنائي الذي أعده بلجريف أن أعمال الشغب التي وجهت ضد اليهود لم تكن محلية وأن المشاركين فيها كانوا مندسين أصلا إضافة إلى أن أغلب المتورطين في أعمال الشغب والاغتصاب والحرق لم يكونوا من حملة الجنسية البحرينية.
المثير هنا أن بعض العائلات اليهودية التي فضلت البقاء في البحرين كعائلة خضوري انضمت إلى حملات المقاطعة العربية للكيان المؤقت التي أقرتها الجامعة العربية والتزام بها نظام الحكم في البحرين، ولكن لم يسجل لعائلة نون موقف مماثل رغم أنها كانت معنية بإظهار انحيازها للقضية العربية الكبرى وهو ما يثير الشك في العلاقة بين العائلة والكيان المؤقت.
استنادا إلى هذا العرض التاريخي يصبح الحديث عن الحق اليهودي في المنامة كذبة وأسطورة يراد منها تأسيس كيانات دينية وسياسية تزاحم الكيانات الأصيلة في المنامة ويصبح لتلك الكيانات المستحدثة سطوة ومكانة على غرار المكانة التي منحها أسلاف العائلة الحاكمة لليهود المهاجرين تحت الرعاية البريطانية.
في الحلقة القادمة مشاريع إسرائيل في البحرين.