عباس المرشد: تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية.. قوانين الموت السياسي بطريقة البحرين

عباس المرشد - 2022-10-25 - 4:37 ص

يعتبر قانون مباشرة الحقوق السياسية من أخطر القوانين ذات الصلة بالمشاركة السياسية بعد نصوص الدستور، وبالتالي فإن أي عملية هندسة للمشاركة السياسية وتحديد أوزان المشاركين ونوعيتهم لا بد أن تمر عبر هذا القانون.
فمنذ صدوره في 2002 وحتى الآن يخضع قانون مباشرة الحقوق السياسية تعديلات سياسية منفردة لم يكن لمجلس النواب أو أي دائرة شعبية علاقة أو رأي، إذ جرت العادة أن تصدر التعديلات بناء على صدور المراسيم الملكية حيث يصعب إن لم يستحيل معارضتها أثناء التصويت عليها في جلسات مجلس النواب. فحتى لو اعترض بعض النواب فإن النتيجة النهائية تكون دائما لصالح تمرير المرسوم الملكي أيا يكن مضمونه بما في ذلك حل مجلس النواب ذاته فسوف يصوت الأعضاء على الموافقة.
ينبغي علينا أن نحيط فهما أن التعديلات التي تقدم بصيعة مراسيم ليست خالية من الأغراض السياسية ومن إعادة إنتاج مقررات الحكم المطلق والهيمنة على مخرجات العملية السياسية.
في يوليو 2002 صدر مرسوم قانون مباشرة الحقوق السياسية بطريقة منفردة واحتوى على مواد إشكالية سياسية فسرت على أنها أدوات ضغط قانونية تمارس ضد قوى المعارضة التي رفضت دستور 2002 وملحقاته. واحدة من ضمن الإشكاليات السياسية التي واجهت المرسوم هي تحديد الدوائر الانتخابية بناء على مرسوم ملكي، إضافة إلى حصر لجنة الإشراف على سلامة الانتخاب في شخص وزير العدل والقرارات التي يصدرها.
إلا أن أخطر ما كان في القانون هو إلغاء شرط الجنسية الأصيلة من شروط الانتخاب ترشحا أو تصويتا. إذ كان قانون 1973 صريحا في منع المجنسين من التصويت والترشح قبل مرور عشر سنوات على اكتساب الجنيسة البحرينية وهذا ما أسقطه مرسوم قانون مباشرة الحقوق السياسية في 2002 إذ سمح لكل حامل جواز بحريني المشاركة حتى ولو مضى على تجنسه يوم واحد. هذا التعديل الأكثر خطورة أتى لمعالجة أزمة التجنيس الواسعة التي بدأت بشراسة مخيفة منذ 2000 بغرض تغيير التركيبة الديمغرافية وضبط موازين القوة السياسية.
وبالمثل فإن التعديلات اللاحقة التي سوف نأتي عليها تلبي رغبات وإشكاليات تواجه السلطة فتلجأ إلى قانون مباشرة الحقوق السياسي وتعمل فيه أدوات وقوة المراسيم الملكية.
لهذا كان التعديل الأول سريعا وملبيا لمواجهة قرار مقاطعة الانتخابات كجزء من حملة التخويف والإكراه فجاء نص التعديل قبيل أيام من بدء الاقتراع أي في 18 أكتوبر 2002 مؤكد على ختم الجواز أثناء التصويت فنص التعديل على "ويؤشّر في جواز السفر بما يفيد إدلاء الناخب بصوته"
ستواجهنا حالة أخرى اضطر فيها الديوان الملكي إلى إعادة هندسة القانون غداة قبول بعض قوى المعارضة بالمشاركة في انتخابات 2002. فرغبة في خلط الأوراق وأعداد الذين يحق لهم التصويت خفض التعديل الملكي في 30 يوليو 2006 سن الانتخاب إلى من سن 21 إلى سن العشرين بناء على محاولة كسب جماهيرية للسلطة أكبر وكمحاولة للتأثير تفضيلات التصويت. إلا أن التعديل تضمن منع الذين صدر في حقهم عفو خاص فجاء التعديل واضحا في المنع من الترشح لمجلس النواب "كل من:
1- المحكوم عليه بعقوبة جناية حتى وإن صدر بشأنه عفو خاص عن العقوبة أو ردَّ إليه اعتباره.
2- المحكوم عليه بعقوبة الحبس في الجرائم العمدية لمدة تزيد على ستة أشهر حتى وإن صدر بشأنه عفو خاص عن العقوبة. وذلك لمدة عشر سنوات تبدأ من اليوم التالي لتاريخ تنفيذ العقوبة أو سقوطها أو من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم نهائياً إذا كان مشمولاً بوقف التنفيذ. تتولى النيابة العامة إبلاغ وزارة العدل بالأحكام النهائية التي يترتب عليها الحرمان من مباشر الحقوق السياسية، وذلك خلال خمسة عشر يوماً من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم نهائياً.
وكان واضحا أن المقصود من هذا التعديل هو منع بعض نشطاء المعارضة واللجان الأهلية من الترشح" وبذلك غطى خفض سن الانتخاب على الهندسة الخفية في منع وتضييق شروط الترشح وإدخال النيابة العامة كجهة عسكرية في الانتخابات.
كانت مشاركة بعض قوى المعارضة في 2006 و2010 تمثل عثرة أمام مشروع هندسة المشاركة السياسية وربما كادت أن تفشل مشروع القصر تمرير ما كان يخطط له، في كل الأحوال كانت الفترة اللاحقة على 2011 فرصة سانحة للعودة إلى مشروع الحكم المطلق وإعادة إنتاجه وتحصينه من أي اختراق في المستقبل.
فجاء تعديل 22 سبتمبر 2014 والقاضي بشطب كل المقاطعين من سجلات الانتخاب وإعادة بناء الجداول الانتخابية بطريقة مرنة تسمح للسلطة التحكم في مخرجات العملية السياسية ونتائج الانتخابات فتم تعديل المادة الثامنة - البند (2): لتعطي لجنة الانتخابات صلاحيات العبث في سجلات الناخبين والكتلة الانتخابية حيث نص التعديل على " أن تشتمل الجداول على أسماء الناخبين ممن تتوافر فيهم الشروط المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا القانون ويراعى في ذلك المشاركة سابقاً في العملية الانتخابية من واقع السجلات،". في حينها كانت معركة تصفير صناديق الاقتراع حامية بين الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان ووزير العدل.
انتهت المعركة بخسارة وزير العدل سياسيا وانتخابيا لكن النتائج التي تم هندستها في التعديل سمحت لوزير العدل أن يتلاعب في النتائج النهائية وأن يصدر أمره بحل جمعية الوفاق واعتقال الشيخ علي سلمان.
في التعديل الأخير الذي أُجري في 10 يونيو 2018 حيث استبدال المادة الثانية الخاصة بشروط الترشح بحرمان الفئات التالية من حق الترشح وهذه الفئات وفق التعديل "قيادات وأعضاء الجمعيات السياسية الفعليين المنحلَّة بحكم نهائي لارتكابها مخالفة جسيمة لأحكام دستور المملكة أو أيِّ قانون من قوانينها. كل مَن تعمَّد الإضرار أو تعطيل سير الحياة الدستورية أو النيابية، وذلك بإنهاء أو ترْك العمل النيابي بالمجلس، أو تم إسقاط عضويته لذات الأسباب".
لقد شكل هذا التعديل الذي أدخل على قانون مباشرة الحقوق السياسية على خلفية صدور الحكم القضائي النهائي لحل كل من جمعية الوفاق وجمعية العمل الديمقراطي نهاية لعملية قتل المشاركة السياسية ودفنها إلى أجل مسمى.
وفي الواقع فقد جاءت قوانين العزل السياسي بحزمتين الأولى حرمان أعضاء الجمعيات السياسية المنحلة من الترشح للمناصب السياسية والإدارية والحزمة الثانية شطب من لم يشارك في الانتخابات السابقة من قيد الناخبين.
المدهش هنا أن موقف مجلس النواب إتّسم بجرأة عالية من الكراهية والمزايدة حيث وردت موافقة الحكومة على المشروع الذي يهدف بحسب الحكومة إلى :عدم تمكين المتطرفين من مراكز صنع القرار.وأنه جاء مرتكزا إلى أسس موضوعية من النصوص والمبادئ الدستورية والقانونية، لا يقصد من ورائها استبعاد شخص بعينه أو محدد بذاته، وإنما ترمي إلى وضع قاعدة قانونية عامة ومجردة لا تخصيص فيها لأحد ولا استبعاد من ورائها لفئة".
هكذا يتحول بجرة قلم أكثر من 70 ألف عضو في الجمعيات السياسية إلى متطرفين وهكذا يتم تحصين قلاع القصر من وصول معارضين للحكم في معارضة صريحة وواضحة لنصوص الدستور سواء في دستور 1973 أو دستور 2002 إذ لا يجب في أي حال من الأحوال أن "يتجاوز ضمانات دستورية تمثل الحد الأدنى للشرعية الدستورية والتي لا يجوز التفريط فيها أو وقفها أو الحد من قيمتها ومنها أصل البراءة والضمان القضائي، لأن القضاء مهما كانت الظروف هو حصن الحريات وحاميها وحارسها، ولأنه بإلغاء الضمان القضائي تتحول السلطة التشريعية إلى سلطة تحكمية".

* كاتب وباحث بحريني مقيم في المملكة المتحدة