عباس المرشد: قانون تنظيم الصحافة في البحرين..القيود الثقيلة على الحريات

عباس المرشد - مجموعة الخليج لمراقبة الحريات والصحافة - 2022-06-07 - 5:57 ص

في مشروع بقانون الذي تقدمت به الحكومة لمجلس النواب أواخر أبريل 2022 ثم ارتأت سحبه لمزيد من الدراسة ثمة قيود ثقيلة على الحريات. فالتعديلات المقدمة من قبل الحكومة على مرسوم 2002 بشأن تنظيم الصحافة رغم أنها تعديلات تصب في تصحيح مسار تشكيل حقل صحفي يتمتع بالبيئة الآمنة إلا أنها غير كافية ولا تلبي شروط استقلالية الحقل الصحفي وبالتالي فإن تمريرها كما هي مقدمة من قبل الحكومة يعني ترقّب مرحلة مشوشة للعمل الصحفي على أقل التقادير. لماذا هي بيئة مشوّشة ومضّطربة؟ لعدة أسباب يمكن تلمسها في الصيغة التي تقدمت بها الحكومة ووافقت عليها اللجنة المختصة في مجلس النواب دون إجراء أي تعديل سوى التعديلات الإملائية لا أكثر.

التعديلات التي تقدمت بها الحكومة على مرسوم 2002 في شأن تنظيم الصحافة شملت الإعلام الإلكتروني والترخيص للمطبوعات وتداولها وبالتالي فنحن أمام رؤية واسعة للحريات الصحفية والإعلامية تجتهد الحكومة في تنظيمها. من المفترض أن تكون هذه التعديلات تنسجم وتعهدات حكومة البحرين أمام المجتمع الحقوقي الدولي، بتوسعة مجال الحريات الصحفية وإلغاء القيود الثقيلة التي يفرضها مرسوم 2002 على الحقل الصحفي والحقل الإعلامي. ورغم أن التعديلات المقترحة تلغي أحد أهم وأخطر القيود الثقيلة وهو حبس الصحفي إلا أنها تستبدله بدهاء مشهود بعقوبات مالية وبغرامات باهظة توجع عمل الصحافة وترهقها بما لا تحتمل، وكأن الحكومة هنا تنظر إلى عقوبة الصحفي على أنها مقايضة اقتصادية فبدلا من أن تصرف عليه وهو في السجن فعلى الصحفي أن يدفع غرامات للحكومة جراء عمله الصحفي غير المتسق مع رؤية الحكومة.

لا يتوقف الأمر في العقوبات المالية الثقيلة، فثمة ما تخفيه تلك التعديلات من قيود ثقيلة من قبيل توسعة صلاحيات الجهات الحكومية في إيقاف المواقع الالكترونية وحجبها متى ما رأت أنها لا تتوافق ورؤية الحكومة للأمن الوطني وهذه المطاطية تؤكد الرغبة الدفينة في فرض أجندة الحكومة على الحقل الصحفي وتشكيله بما يتوافق ورؤيتها لا بما تفرضه القيود الصحفية نفسها على ذاتها. وبالمثل فإن التعديلات المقترحة تخفي رغبة القمع والتهديد تحت عبارات خادشة للحريات الصحفية وتلوّح بإمكانية اللجوء إلى قانون العقوبات الجنائية لإيقاع الأذى بالصحافة والصحفيين. فصحيح أن قانون الصحافة لا يجيز حبس الصحفي على عمله الصحافي لكن قانون العقوبات وما يحمله من مواد قاسية سيكون هو الفصل بين الصحفي والنيابة العامة التي بإمكانها تحريك أي دعوى ضد أي صحيفة أو موقع إلكتروني أو مطبوعة وقد تستخدم النيابة العامة قانون الإرهاب سيء الصيت في بعض تلك الدعاوي كما فعلت مع صحفي صحيفة الوسط محمود الجزيري أو كما فعلت مع المصور العالمي حميدان فلكي تنتقم من عملهما أشد الانتقام لم تكتفي بقانون العقوبات وإنما حركت مواد قانون مكافحة الإرهاب.

وإذا كانت التعديلات المقترحة توحي بأنها في صالح الحقل الصحفي، فبالامكان التوقف قليلا لكسر ذلك الإيحاء الساحر والتوقف أمام الشروط المقيدة لإصدار ترخيص تشغيل موقع إلكتروني على الإنترنت حيث تشترط التعديلات أن لا يكون محروما من ممارسة حقوقه السياسية. ورغم عدم لباقة هذا الشرط وعدم مدخليته في الشأن الصحفي والإعلامي، إلا أن الغرض من هذا الشرط هو الاستثمار في ما يعرف بقوانين العزل السياسي التي صدرت منذ 2017 والتي على ضوئها تم حرمان أكثر من 70 ألف من حقوقهم السياسية تحت ذريعة عضويتهم في جمعيات سياسية منحلة بأمر قضائي.

في النهاية يصعب في مكان ما تصديق أن التعديلات المقترح إدخالها على مرسوم 2002 بشأن تنظيم الصحافة من شأنها أن توفر بيئة آمنة للمشتغلين في الصحافة والإعلام في البحرين بل على العكس من ذلك فإن تلك لتعديلات إن أقرت فهي تبشر بمرحلة ثقيلة جدا على الجسم الصحفي تزيد من ارتهانه ووهنه وضعفه الذي أوجده مرسوم 2002.

*يعاد نشر المقال دون تحرير من موقع مجموعة الخليج لمراقبة الحريات والصحافة (الخط الأحمر)