إميل نخلة: على الرغم من الاحتفالات الرسمية لا يزال الشارع العربي مستاءً من اتفاقيات أبراهام

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عقد اجتماعًا افتراضيًا في الذكرى السنوية لاتفاقيات أبراهام
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عقد اجتماعًا افتراضيًا في الذكرى السنوية لاتفاقيات أبراهام

إميل نخلة - موقع responsiblestatecraft الأمريكي - 2021-10-22 - 6:07 م

ترجمة مرآة البحرين

الاجتماع الثلاثي يوم الأربعاء بين وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظرائه من إسرائيل والإمارات العربية المتحدة سوف يتوج سلسلة من الأحداث التي تحتفل بـ "اتفاقيات أبراهام"، وهي اتفاقية "السلام" بين إسرائيل وأربع دول عربية، قادها الموقعون العرب على الاتفاقية، أي الإمارات والبحرين.

في الذكرى السنوية الأولى للاتفاقيات الشهر الماضي، تعهد بلينكن "بالاعتماد على الجهود الناجحة للإدارة السابقة للمضي قُدُمًا بمسيرة التطبيع" خلال اجتماع عقده عبر تطبيق  Zoom مع يائير لابيد الإسرائيلي ووزيري خارجية الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وكذلك السودان والمغرب اللذين وقعا على الاتفاقيات في وقت لاحق من العام الماضي.

وهذا الأسبوع، أحيا جاريد كوشنر، وهو المهندس الرئيس للاتفاقيات وصهر الرئيس السابق دونالد ترامب، الذكرى السنوية يوم الإثنين بخطاب في الجلسة الافتتاحية لـ "كتلة اتفاقيات أبراهام" في الكنيست الإسرائيلي أعاد فيه سرد كيف أن الاتفاق "صدم الجميع" و"خلق ... نموذجًا جديدًا في المنطقة".

وسبقت الاحتفالات الأسبوع الماضي الزيارة الأولى على الإطلاق إلى البحرين من قبل مسؤول في الحكومة الإسرائيلية، وزير الخارجية لبيد، والذي سافر إلى المنامة لافتتاح السفارة الإسرائيلية فيها.

وعلى الرغم من فورة الاحتفالات هذه، لا تزال اتفاقيات أبراهام تولد الغضب بين الجماهير العربية بخلاف الدعم الذي تلقته من أنظمتها.

في الواقع، تقدم زيارة لبيد إلى المنامة درسًا مفيدًا لإدارة بايدن حول الانقسام بين الأنظمة العربية وشعوبها وسلبيات محاولاتها لتوسيع نطاق "التطبيع" بين إسرائيل وجيرانها العرب.

لدى وصوله إلى البحرين، حيث يشكل المسلمون الشيعة غالبية السكان، قوبل لبيد باحتجاجات في الشوارع تندد بالزيارة والاتفاقيات. ووقع أكثر من 240 من رجال الدين الشيعة البحرينيين على بيان في 1 أكتوبر/تشرين الأول ينددون فيه بـ "التطبيع مع العدو الصهيوني".

المتظاهرون، ومعظمهم من الشيعة، قادتهم حركة الوفاق المحظورة. عبّر آخرون، من التنظيمات السنية أو المختلطة من كلا الطائفتين - بما في ذلك الجماعة السلفية والجماعة الإسلامية والمنبر الإسلامي الموجه من قبل الإخوان المسلمين وائتلاف الوحدة الوطنية - عن غضبهم من افتتاح السفارة، لكنهم لم يوقعوا على العريضة المناهضة للتطبيع.

والعوامل المحلية والإقليمية الثلاثة وراء هذه المعارضة هي ضعف سجل حقوق الإنسان في البحرين والأنظمة الأخرى في المنطقة التي تدعم التطبيع، والرفض الشعبي للاتفاقيات نفسها؛ ومعارضة متزايدة لما تسميه الحكومة الإسرائيلية الجديدة "تقلص" الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

حقوق الإنسان

في البحرين، يواصل نظام آل خليفة مهاجمة وقمع المدافعين السلميين عن حقوق الإنسان من خلال الاعتقالات غير القانونية والمحاكمات الصورية والإدانات بعقوبة الإعدام. ووفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، صعّد النظام البحريني العام الماضي هجومه الشرس بالفعل على حرية التعبير وتكوين الجمعيات والمعارضة السلمية وواصل "قمعه للنشاط على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي".

ينتظر عشرات الأفراد تنفيذ حكم الإعدام، وفرصتهم في الفرار من الإعدام ضئيلة أو معدومة. يمارس ضباط الأمن البحرينيون بشكل روتيني التعذيب ضد السجناء السياسيين في مراكز الاحتجاز، وخاصة سجن جو السيء السمعة. جرّد النظام قرابة 300 بحريني من جنسيتهم وجعلهم "عديمي الجنسية". وأدى تعليق صحيفة الوسط في العام 2017 إلى ترك البلاد من دون إعلام مستقل.

في المملكة العربية السعودية، التي يعتبر حاكمها الفعلي محمد بن سلمان مؤيدًا ضمنيًا للاتفاقيات، أصبح قمع المعارضة معروفًا بوحشيته في جميع أنحاء العالم. في السنوات الأخيرة، استخدم محمد بن سلمان تقنية إلكترونية إسرائيلية متطورة لتتبع المعارضين السلميين في المملكة العربية السعودية وخارجها. واستخدمت الإمارات والبحرين التقنية ذاتها لتعقب معارضيهما.

أخبرني ناشط حقوقي خليجي عربي مؤخرًا أن الجماهير العربية تنظر إلى الاتفاقيات على أنها محاولة أخرى لتوسيع نفوذ إسرائيل وهيمنتها الإقليمية ولمساعدة الأنظمة الصديقة لإسرائيل على ترسيخ سيطرتها على شعوبها. يمكن لمراقب ناقد للمنطقة أن يستنتج أن الحفاظ على نظام دولة عربية قائم على حكم البلوتوقراطية والفساد والقمع وسوء الحكم وكراهية النساء وخالٍ من الالتزامات الملموسة بحقوق الإنسان أو الحقوق الوطنية الفلسطينية يخدم مصالح إسرائيل على المدى الطويل. بدلاً من إجراء انتخابات نزيهة، قامت معظم الأنظمة العربية، بما في ذلك الموقعون على اتفاقيات أبراهام، ببناء شرعيتها المتصورة على مزيج من التقليدية والقبلية والاستبداد والعقائد والروايات الدينية التي يهيمن عليها الذكور. كشفت أوراق "باندورا" التي تم إصدارها مؤخرًا عن فحش الثروة التي يخفيها عدد قليل من القادة العرب، بمن في ذلك ملك الأردن ورؤساء الوزراء اللبنانيون المتعاقبون، ويخفون ثرواتهم بعيدًا عن جماهيرهم. إنهم يعيشون في رفاهية في حين ينهار اقتصاد بلادهم وتكافح شعوبهم من أجل البقاء.

اتفاقيات أبراهام

تسلط الأحداث الاحتفالية في ذكرى [هذه الاتفاقيات] الضوء على العامل الثاني الذي يعزز المعارضة الشعبية البحرينية والعربية الأخرى لـ "التطبيع" الإسرائيلي العربي الناشئ، وتلفت الانتباه إلى الخطأ في الاتفاقيات. وسواء كانت فرصة أو تهديدًا، من الواضح أن الاتفاقيات لا تتعلق بالفلسطينيين أو رفاهيتهم في المستقبل.

إن إقامة علاقات بين إسرائيل والمزيد من جيرانها العرب من خلال صفقة معاملات تخدم مصالح الرئيس الأمريكي السابق وعائلته، وكذلك سياسات الحكومة الإسرائيلية المعادية للفلسطينيين، والمصالح القصيرة المدى للحكام العرب من دون إشراك الفلسطينيين، ليست بالأمر الجيد. على العكس من ذلك، فإنّ مثل هذه الصفقة، التي تخدم المصالح الذاتية، تضر باستقرار المنطقة على المدى الطويل، وبمصداقية الولايات المتحدة وفعاليتها ومصالحها في ذلك الجزء من العالم.

مهما كانت الفوائد الاقتصادية التي يُتَوقع أن تحققها الاتفاقيات، من الواضح أنها لن تصل إلى الجماهير العربية. من السخف، وفقًا لمصدر فلسطيني، الاعتقاد أنّ صيغة اقتصادية تُدبّر في واشنطن والقدس وأبو ظبي والمنامة من دون إشراك الطرف المتضرر الرئيسي، أي الفلسطينيين، ستؤدي إلى فترة من السلام أو الازدهار الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، لم تفعل الاتفاقيات شيئًا لدفع الأنظمة العربية إلى تحسين ممارساتها الرديئة في مجال حقوق الإنسان. على المدى الطويل، لن تقدم الدبلوماسية الجارية حول الاتفاقيات أكثر من مجرد صور فوتوغرافية مع الخلفيات المثيرة للذكريات في القدس أو المنامة أو واشنطن العاصمة.

"تقليص" الصراع؟

الارتباك الذي يحيط بالنموذج المفترض لرئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد بـ"تقليص الصراع" هو عامل آخر يغذي الرفض الشعبي لاتفاقات أبراهام. كان رئيس الوزراء نفتالي بينيت يردد دائمًا  عبارة "تقليص" - في حين يفضل لبيد "التقليل" - كوسيلة للتحايل في العلاقات العامة لإخفاء معارضته لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي دام 54 عامًا وإرضاء الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.

أعلن أنصار بينيت في واشنطن، بما في ذلك معهد واشنطن المؤثر لسياسة الشرق الأدنى، بحماس عن هذه العبارة على أنها وسيلة جديدة ومبتكرة لإنهاء - أو على الأقل تجميد - الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

لكنها ليست كذلك. نهج التقليص -الذي طوره في الأصل ميكاه جودمان، المفكر الإسرائيلي المؤيد لرئيس الوزراء السابق نتنياهو، وكذلك بينيت - هو عودة إلى حقبة كامب ديفيد الأولى منذ أكثر من 40 عامًا. تركز الحديث في واشنطن وتل أبيب في ذلك الوقت على ما يسمى بإجراءات أو تدابير بناء الثقة، كوسيلة لدفع "عملية السلام" إلى الأمام. لقد فشلت جميع أنواع الأسباب، ومن المرجح أن تفشل مرة أخرى. ستثبت الزيارات الرسمية رفيعة المستوى واحتفالات الذكرى السنوية - والمساعدات المالية الإضافية والاستثمارات من دول الخليج - أنها غير قادرة على تسهيل هذا الأمر.

تقليص الصراع هو وسيلة سهلة لبينيت لتجنب التعامل مع الاحتلال أو مستقبل الدولة الفلسطينية أو المطالب الفلسطينية الأخرى بالأمن والسلامة الشخصية وحقوق الإنسان والفرص الاقتصادية المتكافئة والكرامة. يبدو أن العبء المزدوج الذي يعاني منه الفلسطينيون تحت الاحتلال - والإذلال اليومي الذي تمارسه قوات الأمن الإسرائيلية والنظام القمعي والفاسد في رام الله - لا يتغير. وفي حال تم تبني صيغة التقليص التي وضعها بينيت كسياسة، وحصلت على دعم أمريكي صريح، قد يتحول غضب الفلسطينيين وإذلالهم إلى العنف.

في حال كان هناك التزام حقًا بحلّ الصراع الإسرائيلي العربي يتوجب استكشاف طرق مبتكرة للسماح لكلا الشعبين بالعيش بين النهر والبحر بأمن ومساواة وكرامة. ويجب التخلص من الإجراءات القديمة لبناء الثقة ونماذج الدولتين وكذلك شعار "تقليص الصراع" الجديد.

النص الأصلي