حقيقتان لله وللتاريخ حول التحركات الجارية في البحرين ضد افتتاح السفارة الإسرائيلية

إحدى المظاهرات التي خرجت في المنامة رفضاً لافتتاح السفارة الإسرائيلية
إحدى المظاهرات التي خرجت في المنامة رفضاً لافتتاح السفارة الإسرائيلية

2021-10-02 - 11:36 ص

مرآة البحرين (خاص): تؤكد ردود الأفعال والتفاعلات الجارية إزاء حدث افتتاح السفارة الإسرائيلية في المنامة حقيقتين دامغتين: أن الجسم السياسي للمعارضة بكافة قواها وأطيافها الإسلامية والوطنية، هو الجسم الأساسي الذي يقود عملية التصدي لمشروع التطبيع. فمن يعتصم ويتظاهر ويتولى بشكل يومي تعبئة الرأي العام و"تحريضه" وتحصينه كما يضخ مئات الصور والفيديوهات التي تعكس الرّفض الشعبي العام  لوسائل الإعلام الإقليمية والعالمية معرضاً نفسه لمخاطر القمع أو الاعتقال هم هؤلاء أنفسهم الذين شكلوا الجسم السياسي لحراك 2011. 

جغرافيا التحركات الميدانية اليوميّة الرّافضة لهذا المشروع هي المنامة وسترة والقدم والدير وأبو صيبع وسماهيج وغيرها من معاقل المعارضة الرئيسية وليس الرّفاع أو المحرق أو ساحة الشرفاء أو جامع الفاتح. 

في المقابل؛ وهذه هي الحقيقة الثانية: أن الجسم السياسي لموالي الحكم، بكافّة قواهم وأطيافهم الإسلامية والليبرالية، هو الجسم الأساسي الأكثر سلبية إزاء مثل هذا الحدث الكبير المزلزل. وهؤلاء قسمان، قسم يصطف مع الحكم  ومع قراره "التطبيعي" اصطفافاً أعمى بلا أي تحفظ، وتلمح في تعليقاتهم وسجالاهم نبرة "إسرائيلية" أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، وهم شرذمة قليلة تعد على الأصابع؛ لكن صوتهم بارز في الإعلام الخارجي الذي يبحث عادة عن وجهة نظر أخرى لموازنة التغطية. وقسم آخر رافض وهو أكثرية هذا الجسم في الحقيقة؛ لكنه لا يقوم بأي شيء جدّي أو ميداني مؤثر على الأرض يظهر حقيقة هذا الرفض. 

أقصى ما قامت به جمعيات الفاتح البارزة مثل الأصالة الإسلامية (سلف) والمنبر الإسلامي (إخوان) وتجمع الوحدة الوطنية (خليط إسلاميين سنة) هو الانضواء المتحفظ و"المتأخر" وراء بيان "المبادرة الوطنية البحرينية لمناهضة التطبيع" لرفع العتب عن نفسها أمام جماهيرها. مع ملاحظة غياب جمعية "ميثاق العمل الوطني" أحد أضلاع ائتلاف "الفاتح" خلال سنوات الأزمة عن التوقيع على هذا البيان. 

يشذ بعض أفراد هذه الجمعيات "بشكل فردي" عن هذا التقييم؛ لكن إجمالاً فهذا هو الإطار العام لموقفها. حذر خانع ويأتي على العكس تماماً من مواقفها "الصقورية" السابقة إزاء أحداث محلية أو إقليمية.

كان حساب القيادي السلفي في جمعية "الأصالة" عبدالحليم مراد أحد أبرز المنصات الاجتماعية المهمة للترويج إلى "حملة تجهيز غازي" المشبوهة التي دشنها مع رفاقه في 6 مساجد محلية خلال الأعوام من 2011 - 2013  لدعم الجهاد في سوريا. أما الآن فهو في وادٍ آخر تماماً حيث يخرس كالأبكم إزاء حدث ضخم كافتتاح سفارة إسرائيلية في المنامة. وآخر تغريداته قبل يومين تقول "حقا على كل مسلم الدعاء لإخوانكم المسلمين في الهند". 

ومثله القيادي السلفي الآخر عادل الحمد الذي كان يحرّض الشباب في خطبه بجامع "النصف" في الرفاع قائلاً "استغلوا فرصة الصيف للجهاد في سوريا" كما يقول عنوان واحدة من خطبه في 2011 الذي تحتفظ "مرآة البحرين" بتسجيل صوتي لها. اختفى الحمد كغيره من "الصقور" كما تختفي النعام بدس رؤوسها في الرمال أمام حادثة افتتاح السفارة.  ولولا تذكيرنا باسمه في هذا التعليق لكان نسياً منسيا.  

ولعل هذا ما جعل قيادياً في جمعية "وعد" اليسارية وهو يوسف الخاجة يتساءل "أكثر من 80 (وصل العدد إلى 240) من علماء ومشايخ الطائفة الشيعية الأجلاء عبروا عن رفضهم لزيارة وزير خارجية العدو الصهيوني إلى البحرين لتدشين سفارتهم في المنامة وإقامة علاقات معه في بيان صدر اليوم في موقف مشرف منهم، فأين المشايخ الأفاضل من الطائفة السنية؟ صمتكم من كل ما يجري مؤسف".

إنها أمثلة بسيطة لفهم طبيعة الجسم السياسي النشط في البحرين ومقابله الجسم السياسي المنصاع والخانع. الجسم الحقيقي المستعد لتبني القضايا الوطنية والقومية والدفاع عنها مع تحمّل شتّى حملات التشويه والقمع والتشكيك في ولائه ووطنيته. والجسم الزائف المنصرف لتحقيق المنافع الشخصية الضيقة؛ "الصقوري" إزاء القضايا الخارجية البعيدة التي لا تُدفّعه والسلبي إزاء النهوض بأعباء القضايا الداخلية التي تحتاج شجاعة وربما دفع كُلَف باهظة. 

حين يشاهد الفلسطيني أو العربي المشهد البحريني هذه الأيام، ويرى الفيديوهات والصور والمواقف الشجاعة المشرفة المتحدية لقرار السلطات بمصالحة محتلهم ومنحه سفارة؛ ينبغي أن يعلم بأن مداميك هذا الحراك هي هي مداميك حراك دوار اللؤلؤة في 2011. ناسه، جغرافيته، قادته من إسلاميين وحلفائهم من اليساريين والقوميين. هؤلاء هم من يتصدّى اليوم بشجاعة وقوة لقرار السلطات. وهم من يتولون تعبئة الرأي الشعبي العام وصياغته وجعله عصيّاً على الاختراق.

قد يجادل بعض أنصار الحكومة بشأن مدى مصداقية مثل هذا الحكم. وعليك أيها الفلسطيني أو العربي أن تسأل هؤلاء ـــ إذا صادفك أحدهم ـــ للتأكد من مصداقيته هو نفسه: ما إذا كان يقبل بوجود برلمان وطني منتخب بشكل كامل تعود له صلاحية الموافقة أو رفض المعاهدات الخارجية؟ لأنه لا معنى لشخص أو تنظيم يقول إنه يرفض التطبيع وفي الوقت نفسه يقول إن حق توقيع المعاهدات الخارجية هو حق من حقوق السيادة للحكومة، كما قال بيان سابق لجمعيّات الفاتح. أو يدعو الحكومة لإيقاف التطبيع وفي الوقت نفسه يكافح ضد أن تكون الحكومة منتخبة من الشعب.  

إن هذا نوع من الخطاب السياسي العدمي الشبيه بمن يقوم بتعذيب نفسه لتحقيق شعور وهمي بالراحة "المازوخية". أن تكافح كي لا يكون لك أي قرار في الحكومة ثم حين تقرر الحكومة شيئاً لا يعجبك تقول من أجل إراحة نفسك من أية مسؤولية:  أنا ضده!