الضغط في حزب المحافظين البريطاني يسلط الضوء على علاقته الغامضة بتحالفات الخليج مع إسرائيل

رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون
رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون

محمد حسين - : موقع ميدل إيست مونيتور - 2021-08-17 - 7:54 م

ترجمة مرآة البحرين

عندما كشف برنامج "بانوراما" الذي بثته بي بي سي هذا الأسبوع عن مدى تورط رئيس الوزراء البريطاني السابق في الضغط لصالح شركة الاستثمار جرينسيل كابيتال، تجاوز [البرنامج] في البوح دور ديفيد كاميرون في الفضيحة. يعود الأمر إلى سنوات، لكن التحقيق بدأ بشكل صحيح فقط في وقت سابق من العام الحالي.

باختصار، أُفيدَ أن كاميرون ضغط على الوزراء وكبار الموظفين المدنيين لحمل بنك إنجلترا على استثمار 10 مليارات من أموال دافعي الضرائب البريطانيين في قروض جرينسيل. وعلى الرغم من مزاعمه بأن الاستثمار سيساعد الشركات البريطانية على الصمود خلال جائحة  الكورونا، لم تنجح ضغوط كاميرون حتى يونيو/حزيران 2020، عندما وافقت الحكومة أخيرًا على جرينسيل كمُقرِض بموجب خطة لمساعدة الشركات والشركات.

وبموجب مخطط قروض تعطل الأعمال بسبب فيروس كورونا (CLBIL)، سمح بنك الأعمال البريطاني المملوك للدولة للشركة بتقديم قروض مدعومة بضمان دافعي الضرائب بنسبة 80 في المائة. مع ذلك، وعبر هذا المخطط، تجاوزت جرينسيل شرط تقديم قروض لكل شركة بحد أقصى بلغ 50 مليون جنيه إسترليني من خلال منح قرض بقيمة 350 مليون جنيه إسترليني لسبع شركات مملوكة لرجل الأعمال البريطاني الهندي سانجيف غوبتا.

وفي الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، أقرضت جرينسيل أيضًا 850 مليون دولار من أموال المستثمرين لشركة الفحم الأمريكية Bluestone Resources، سبعون مليون دولار منها كانت فقط مُؤمّنة مقابل فواتير حقيقية. وفي الوقت نفسه، كان المبلغ المتبقي، البالغ 780 مليون دولار، مدعومًا بالكاد بالتّخمينات بشأن مبيعات الفحم المتوقعة لشركة Bluestone.

مع تخلف شركات غوبتا عن سداد قروض دافعي الضرائب، حُوِّلَت للتحقيق وتمّ تعليق الضمان الحكومي. وفي مارس/آذار من العام الحالي، انهارت شركة جرينسيل وخضعت للإجراءات الخاصة بهذا الوضع، كما توقع دافعو الضرائب البريطانيون خسارة حوالي 320 مليون جنيه إسترليني.

وبغض النظر عن التعقيدات المتعددة للفضيحة، كسب كاميرون عن دوره ربحًا إجماليًا قدره 10 ملايين (قبل دفع الضرائب) من خلال الضغط على الحكومة البريطانية للموافقة على جرينسيل وعملياتها. منذ الكشف عن المعلومات، زعم المتحدث باسم كاميرون أن رئيس الوزراء السابق خدم فقط في المجلس الاستشاري للشركة، ولم يكن على علم بأوجه القصور أو الصعوبات أو التخطيط المالي.

مع ذلك، هناك جانب آخر للقصة، وهو سياسي أكثر. لم تكشف الفضيحة عن الروابط بين شركات دولية وشخصيات سياسية حالية أو سابقة فحسب، بل أظهرت أيضًا مشاركة حزب المحافظين في الضغط لصالح أفراد وشركات أجنبية وكيانات أخرى.

وفي الشهر الماضي، ظهرت تفاصيل مشاركة الحزب في الضغط بشكل أكبر، ولكن في اتجاه مختلف تمامًا، وسياسي أكثر، عندما تم تعيين وزير الدفاع السابق ليام فوكس لقيادة مجموعة اتفاقيات أبراهام في المملكة المتحدة. أصبح لاتفاقيات أبراهام - وهو الإسم الذي أُطلق على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب العام الماضي- قاعدة الآن في بريطانيا، ما يمنح لندن دورًا أكبر في توسيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.

وبصرف النظر عن حقيقة أن المنصب قد مُنح بشكل أساسي لفوكس  من قبل سفراء البحرين والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل بدلاً من الحكومة البريطانية، فإن التعيين يبدو غريبًا عند الأخذ بعين الاعتبار العلاقة الطويلة الأمد بالفعل للوزير السابق مع تلك الدول على مدار  فترة توليه منصبه.

كوزير للدفاع من 2010 إلى 2011 (تحت رئاسة كاميرون، بالمصادفة)، أجرى فوكس عددًا من الرحلات إلى إسرائيل والإمارات والبحرين -من بين دول أخرى- لمناقشة الصفقات وتوقيعها، وحضور اجتماعات لم يُعلَن عنها. ومع ذلك، في أكتوبر/تشرين الأول 2011، أُجبِر على الاستقالة بعد أن توصل تحقيق إلى أنه انتهك اللوائح من خلال اصطحاب صديقه آدم ريتي معه في 18 رحلة على الأقل من تلك الرحلات إلى الخارج، والسماح له بحضور غالبية اجتماعاته وفعالياته، وكل ذلك من دون تصريح أمني من وزارة الدفاع.

علاقة العمل هذه بين فوكس وريتي، وكلاهما من الصهاينة المتحمسين وعضوان في منظمة أصدقاء إسرائيل المحافظين (CFI)، اتخذت منحى أكثر قتامة عندما اكتشف التحقيق أنّ رجال أعمال موالين لإسرائيل، وعلى علاقة بتل أبيب، مولوا رحلات ريتي إلى الخارج مع فوكس وعرضوا عليه صفقات وحسومات مربحة.

في تلك الفترة، تم التعاقد مع ريتي أيضًا من قبل شركة الضغط Tetra Strategy، بهدف الوصول إلى فوكس من أجل عقد اجتماعات وجعل الوزير يتدخل في نزاع قانوني استدرجت إليه وزارة الدفاع بشكل غير مباشر.

ما كشفته القضية برمتها قبل عقد من الزمن -لا سيما مع دور ريتي كمستشار غير رسمي دفع فوكس في النهاية إلى الاستقالة- هو أن الأنشطة غير المنظمة وغير الشفافة لجماعات الضغط في السياسة البريطانية تتداخل بشكل مباشر مع علاقات لندن مع الدول الأخرى. كما سلّطت الضوء على الطريقة التي يتم بها تقديم الصفقات التجارية والمصالح المالية على المصالح الوطنية والسياسية.

وبالإضافة إلى ذلك، كشفت القضية النقاب عن شبكة واسعة من جماعات الضغط والشركات ورجال الأعمال الأجانب، والعلاقات العميقة التي تربطهم بحزب المحافظين البريطاني.

بعد عقد من وقوع تلك الأحداث، وبعد عام بالكاد على دخول ضغط ديفيد كاميرون لصالح جرينسيل كابيتال حيز التنفيذ، قد تكون هناك مخاوف مشروعة من أن يوضح تعيين فوكس كرئيس لمجموعة اتفاقيات أبراهام في المملكة المتحدة نتائج المزيد من الضغط في حزب المحافظين الحكومة البريطانية.

يأتي كل ذلك وسط تزايد الإدانة للتنسيق بين الرئيس المشارك لحزب المحافظين بن إليوت مع سفيري المملكة العربية السعودية والبحرين، اللذين يهدفان إلى منح متبرع بارز مكانة رائدة في علاقات الحزب مع الشرق الأوسط. وعلى نحو غير مفاجئ، دعا حزب العمال المعارض وآخرين رئيس الوزراء بوريس جونسون إلى إقالة إليوت، زاعمين أن جهوده وجهود سفراء الخليج ستؤدي فقط إلى المزيد من العناصر الفاسدين داخل السياسة البريطانية.

الوقت وحده هو الذي سيحدد النتائج الناجمة عن تعيين فوكس، لكن من شبه المؤكد أن الضغط سيضمن تعميق العلاقات الإسرائيلية العربية مع دور مباشر للندن. ومما يثير القلق أن هذا قد يعني المزيد من التجاهل لسجلات حقوق الإنسان السيئة للدول العربية المعنية، فضلاً عن انتهاك إسرائيل المستمر لحقوق الفلسطينيين وخرقها للقانون الدولي.

النص الأصلي