المحامي محمد التاجر: رفيق الألق، الكبير هشام عدوان، سامحني ما ودعتك
محمد التاجر - 2021-06-21 - 3:47 ص
بهدوء كما عاش ، انطوى وحيدا ورحل أعز أصدقاء الزمن الجميل، هشام عدوان عرفته منذ أن عملنا سويا في الصحافة، هو في جريدة الأيام وأنا في جريدة أخبار الخليج في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات. دون اغلب الأصدقاء والزملاء التقت أرواحنا، لنُكوّن أفضل صداقة عرفتها في حياتي، استمرت لعقود حتى انضوى كلانا فيما يشغله، آخر لقاء تعاهدنا أن نعود ولم نعد .
كانت تجمعنا ليال طويلة وسهر جميل ونقاش يبعث على الروحانية والألق الذي لا يمكنك أن تنساه.لو سُئلت ما هو أسعد شيء في حياتك؟ لم يكن سوى لقائه والتسامر معه دون أن نعرف المكان ولا الوقت، تُعجب به وهو رفيقك، لأنه عبقري في اللغة ومستكشف في كل شيء ومستبحر في العلم
هو شخص، يُقاتل لما يؤمن به، ويتسع لكل فكر، ويقرب من كل نفس طيبة، غزير العلم وطيب المعشر، لا يوجد من لا يحبه. في بيت التاجر لم يكن صديقا لي فقط بل لكل أخواني .
يعرفه كل الصحفيين، فقد عمل في الأيام والوسط وأخبار الخليج وجامعة البحرين، والإذاعة والتلفزيون وهيئة تنظيم سوق العمل، وتعلم منه الكثيرون وبالرغم من إن هذه الأماكن احتوت العديد من الزملاء إلا أنه كان يعتبر علاقتنا أكثر من أن تغلب عليها أي صداقة، لدرجة أنه دخل الدير وعرف أهلها بسبب علاقتي القريبة منه.
جمعتنا الصداقة بأجيال من الصحفيين في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، ابتداء من جلال المبارك وسعيد محمد وصحبة الأكاديمية (زاوية مقهى في كازينو القضيبية، تجمع الصحافيين والأطباء والمثقفين، زارها وزير الإعلام المرحوم طارق المؤيد، والأب الروحي الذي أنشأها هو د.علي محمود، وهو الأب الروحي للكثير من الصحافيين في التسعينيات). جمعت هذه الأكاديمية الأصحاب علي صالح وغسان الشهابي ثم بعد رحيل الدكتور بقينا في مقهى أبو عبدالرحمن وبعدها كنا نلتقي في مقهى الكحيانة لأنها بسيطة، ولا تضع حدا للوقت، وبمكن أن نعيش فيها سمرا طويلا وأحاديث لا تمل.
مع هشام ذهبت إلى أماكن حفرت في الذاكرة، مملوءة بالثقافة والصداقة، يعطيك هشام الدافع لحب الحياة لكونه فيها. هو من فتح قلبي للقضية الفلسطينية، وفتح علاقتي بأغلب الفلسطينيين في البحرين. والده المربي عادل عدوان، كان دائما ينصحني نيابة عنه، وزوج أخته أستاذ الرياضيات في مدرسة الهداية الأستاذ جمعة عدوان، سبقه في المعرفة من المدرسة .
هشام يعطيك حقك من الصداقة وحقك من معايشتها ويدفعك للنجاح بأن يرى فيك ما لا يراه غيرك ولقد عاصر عملي في الصحافة، وعاصر بدايات عملي في المحاماة، ولم ألقَ مثله لا تمازج معه في الأفكار وأتقارب معه، ونادرا ما تلتقى بشخص في هذا الزمن مثله، لا تشعر بضياع وقت في صداقته. واليوم تتذكر وقتك معه وتأسف على هذا الذي ضاع، أين المنطق؟ أين السعادة؟ أين من يعطيك كتابا؟
هو الصديق والأخ الذي أفتقده اليوم بشدة، وأنعاه بحرقة، وأعتقد أنني لن ألتقي بمثله كإنسان جاء صدفه من لقاء ورحل بدون وداع . إنه يذكرك بكل شي جميل، في الصحافة، في المقاهي، في السواحل، في المجالس، كلها رحلت أو ماتت.
لم يتلوث بشيء، ولم يتغير لشيء، ولم يستفد كغيره من مميزات خيانة الضمير، ولم يستغل الأزمات بالرغم من معارفه وبالرغم من قبوله لدى الجميع، وبالرغم من اطلاعه ومعرفته، فهو الموسوعة والعارف كموسوعة معرفية في اللغة والأدب والدين والمذاهب.
رحمك الله يا صديقي هشام، فأنت الوحيد الذي حزنت على رحيله تبقى في القلب.
وداعا هشام و لروحك الخلد في الجنان