«الغانمي»... العسكري الذي اشترى شرف العسكرية بـ 10 سنوات من السجن

إشارة النصر.. اشترى إنسانيته وانتصر لها
إشارة النصر.. اشترى إنسانيته وانتصر لها

2021-04-11 - 10:43 ص

مرآة البحرين (خاص): فور أن فتح باب السيارة التي أقلّته إلى بني جمرة مسقط رأسه، رفع يديه أمام عدسات الكاميرا بعلامة الانتصار، وهو آخذا طريقه إلى المنزل. هناك لحظة أخرى، حيث احتضنته والدته الملهوفة الصارخة الشاكرة الفرحة بعودته حرّا طليقاً مثل باقي البشر.
العسكريّ الحرّ ذو الـ 25 ربيعاً الذي انحاز للمعتصمين في دوار اللؤلؤة في العام 2011 وتم رفعه على الأكتاف تكريماً له، خرج من السجن اليوم بعمر الـ 34. قال كل كل شيء لأهل البحرين عبر نظرة واحدة مليئة بالعنفوان، ورأس مرفوع، وأصبعين يلوحان بعلامة النصر.
لقد كسب هذا الشاب نفسه، وضميره، لم يتحوّل إلى جاسوس على أولئك الباحثين عن وطن، لم يجلد أحداً ولم يكسر باب منزل لاعتقال يافعٍ من حضن أمه. لقد كان هو المعتقل، هو المُعذّب هو الذي مزّق الجَلاد ذات مرة عروقًا من قدميه.

من هو وما هي قصته؟
المفرج عنه علي جاسم الغانمي، شاب بحريني انتسب إلى الشرطة لحبه خدمة وطنه وكان يعمل في جهاز النجدة إلى حين نقله إلى قسم الحراسات. لم تكن له علاقة وثيقة بالأمور السياسية، لكنّ تعاطفه مع ضحايا الاحتجاجات تسبب في اعتقاله والحكم عليه بالسجن.
في السابع عشر من فبراير من العام 2011، كان من بين المتواجدين في مجمع السلمانية الطبي ورأى الضحايا والجرحى الذين أتوا بهم للمستشفى بعد مجزرة الفجر، فكانت تلك بداية الحكاية.
قرر الغانمي بعدها الانخراط في الاحتجاجات والمطالبة بوضع حد للعنف الذي تمارسه قوات الأمن ضد المحتجين الفارغة أيديهم إلا من مطالبهم السلمية.
لقد كان واحدا من بين 124 عسكريا فقط انحازوا إلى المطالبين بحقوق تضيعها السلطات منذ عشرات السنين.
بعد إخلاء منطقة دوار اللؤلؤة من المحتجين مارس من ذات العام، أصبح الغانمي مطلوباً للأمن.
في 4 مايو، قامت قوة مكونة من حوالي 200 من أفراد قوات الأمن بمهاجمة مبنى في بني جمرة كان الغانمي وآخرون يحتمون فيه، ليتم اعتقاله.

رحلة العذاب
خلال رحلته في المعتقلات، تعرض الغانمي إلى التعذيب الوحشي، الشتم والحبس الانفرادي. وجهت له الحكومة اتهامات بينها التجمهر في 10 مسيرات والإقامة في الدوار، والتحريض على كراهية النظام، وتحريض العسكريين، والاتصال بقنوات تلفزيونية والتغيب عن العمل، كما تم توجيه تهم التجمهر والغياب للغانمي للفترة من 17 فبراير إلى نهاية يونيو، بينما اعتقل هو في الرابع من مايو. وحُكِم عليه بالسجن لمدة 13 عاما والتسريح من الخدمة.
داخل السجن تم استهدافه عدة مرات، ففي أحداث سجن جو 10 مارس 2015، تم اقتحام زنزانته وضربه على رأسه بعصا قبل سحبه إلى ساحة السجن ومواصلة ضربه هناك، وفي يوم آخر نقلوه إلى عيادة جو الطبية، حيث شارك أطباء في ضربه.
في أواخر فبراير 2017، استُهدف حراس سجن جو السجناء في حملة من العقوبات التعسفية والجماعية، وكان الغانمي من بين الذين تعرضوا لهذه العقوبة. ضرب حراس السجن الغانمي ووضعوه في الحبس الانفرادي وقيدوه بالجدران. وقد أدى الضرب العنيف والتكبيل الشديد والوقوف القسري إلى تمزق عروق في ساق الغانمي مما أدى إلى نزيف هائل. كما قاموا بحرمانه من النوم، وحرمانه من الصلاة.
رغم تلك المعاناة، عاد الغانمي يوم أمس 10 أبريل 2021، كما رأيناه، رجلاً، مرفوع الرأس، نقيّ الجيب، مرتاح الضمير، عاد لأمه، ولزوجته، وابنته زينب. عاد بعد أن اشترى ضميره وإنسانيته بعشر سنين قضاها في السجن، لم تزلزله الزلازل ولم تحرّكه النوازل، هكذا انتصر، فحق له رفع أصابعه بإشارة النصر.