كمّامة ولي العهد البحريني
2020-08-28 - 2:06 م
مرآة البحرين (خاص): كم كان مثيرا للسخرية أن تشغل كمّامة ولي العهد الرأي العام البحريني، أكثر من زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو التي "وعّن" فيها سلمان بن حمد كمّامة ماكلارين الأولى، وأكثر أيضا من وباء كورونا الذي يُفترض أن ولي العهد لبس الكمّامة الراقية لاتّقاء العدوى به من بومبيو وفريقه القادم من واشنطن (أكبر بؤرة للوباء في العالم كلّه).
سلّطت وسائل الإعلام الضوء على الكمّامة التكنولوجية الأنيقة، ودخل مغرّدون في جدالات لتفكيك رسالتها السياسية. كمّامة ولي العهد كانت هي "الموضوع" السياسي، وليس قضيّة التطبيع الخليجي مع إسرائيل، ولا الأوضاع الاقتصادية المتردّية في البلاد، وبالطبع ليست "الكورونا".
تُحيّر "الكمّامة العجيبة" أفهام النقّاد والمتابعين، فقط لأنّ ولي العهد البحريني الذي ظهر سابقا في دعايات لساعات فاخرة، ارتداها خلال اجتماع سيحظى بتغطية عالمية. استقبل سلمان بن حمد بومبيو بالكمّامة، مخفيا نصف وجهه، لا عن كورونا، ولكن رُبّما عن أشياء كثيرة أخرى. هل كانت هذه هي الرسالة فعلا، أم أنّها وجه للتسويق لسباقات الفورمولا عشية الإعلان عن استئنافها في البحرين خلال هذا العام، وعشيّة تطوّرات تجارية تخص ماكلارين التي تصارع للبقاء بعد قرض مقدّم من البحرين (تملك الدولة النسبة الأعلى من أسهمها).
البعض ذهب بعيدا ليعطي الشعار الذي ورد على الكمّامة (نتسابق كفريق واحد) بعدا سياسيا مربوطا بزيارة بومبيو، أو برؤية ولي العهد للواقع السياسي في الداخل، رغم أنه كما أشار أحد المغرّدين مجرد شعار تسويقي مصدره الفورمولا "لبسه ولي العهد للتعبير عن أولوياته".
يدور هذا السجال المضحك المحزن، في حين يختفي من الساحة النقاش القلق من قضايا الحياة والموت: كورونا، إسرائيل، والاقتصاد المنهار.
ورغم أن نقاشات كهذه عادة ما تفتح من الخارج، لكنها تجرّ الناس بسهولة مفرطة إلى هذا الهامش السخيف. رُبما لم يعد هناك حيّز في الفضاء العام إلا للمواضيع التي يجب أن لا تكون سوى مثار للسخرية، لتتحوّل صورة مثل هذه إلى قضية ذات أبعاد سياسية جادّة يجب النقاش فيها.
يبدو الحال طبيعيا جدّا في بلد ليس للناس فيه أي دور أو مشاركة في صناعة القرار، لا الداخلي ولا الخارجي. فأي شيء ستضيفه نقاشاتهم بعد 10 سنوات من الإقصاء سوى التعبير عن الإحباط والعجز.
على صعيد الداخل، يجب فعلا أن ينحّي الناس اهتمامهم بالصراع السياسي حول إحياء ذكرى عاشوراء وسط تفشّي فيروس كورونا، لصالح كمّامة ولي العهد. وبدلا من أن يطالب المواطنون (أصحاب الحق في خدمات الدولة) بحماية تجمّعاتهم الدينية المقدّسة صحّيا لضمان إقامتها بشكل آمن، يواجهون "بعزم" حربا إعلامية وسياسية ضروس لمنع إحيائها بكل السبل. هل ستمنع كمّامة ولي العهد ارتفاع حالات كورونا في موسم عاشوراء، أو ستسمح بإحيائه بشكل آمن صحّيا وسياسيا؟ هل ستوقف كمّ السباب والشتائم والاستنقاصات والإهانات الطائفية التي يتلقّاها المواطنون الشيعة لمجرّد إصرارهم على ممارسة حرّياتهم الدينية (تماما مثل الحرّية التي ضمنتها الدولة للطّلاب في الذهاب للمدرسة أو تلقّي التعليم عن بعد)؟
على صعيد الداخل أيضا، هل ستنقذ كمّامة ولي العهد اقتصاد البحرين من الإفلاس؟ هل ستمكّنه من دفع ديونه السيادية الجديدة بعد رفع سقفها إلى 15 مليار دينار؟ هل ستعالج آثار كورونا الكارثية على اقتصاد البلاد؟ وهل سترجع له روحه التي سرقها "هوامير" السوق وتجّار الإقامات و"المستثمرون" الأجانب؟
وأخيرا... على صعيد الخارج، هل ستوقف كمّامة ولي العهد الزحف نحو التطبيع مع إسرائيل؟ هل لها علاقة بتصريح الملك الذي امتدحته منظمة التحرير الفلسطينية حول قضيّة السلام؟ هل هي معرّة من تطبيع الإمارات مع إسرائيل أم استعداد "عالمي" لاستقبالها ضمن الفريق الواحد؟ هل كان ولي العهد يسد أنفه عن رائحة إسرائيل التي جاء بها بومبيو إلى الخليج من بوّابة الإمارات العربية المتّحدة؟ أم يستقبلها بكل سلام في دار التسامح الديني؟
كمّامة واحدة يمكن أن تفتح كل هذه النقاشات العامّة. يا لها من كمّامة!