عباس بوصفوان: "حرية المواكب" دستورياً.. وعمى البصيرة
عباس بوصفوان - 2020-08-25 - 12:09 ص
لا يستطيع أعمى البصيرة أن يرى الحق الأبلج، والشمس في وضح النهار.
ذاك الذي ملأ الظلامُ قلبه لا يبصر وقد ازدرت الحكومة آراء أصحاب المآتم، وضربت بعرض الحائط بيانات كبار العلماء، وتجاهلت آراء الخبراء الاجتماعيين، الذين نصحوا القصر بالسماح للهيئات الحسينية بالقيام بأدوارها المعتادة في استقبال مُرتّب للمعزين، آخذاً بالاعتبار الضوابط المتعارف عليها صحياً، للتقليل من عدوى انتشار كوفيد ١٩، كما حصل مع العديد من الجهات الحكومية والأهلية والتجارية، التي استأنفت أعمالها.
وتملك الغالبية من الحسينيات من الحكمة والخبرة والأهلية والأحقية القانونية ما يجعلها شريكاً في القرار المتعلق بالشعائر العاشورائية.
وتحوز إداراتها الفاعلة من الحرص الديني والوطني المشهود، منذ مئات السنين، وهي التي لعبت أدواراً لا تُنسى في التاريخ الوطني، ما يجعلها مؤهلة لتراعي التوازن بين اقامة المراسيم الحسينية، وتجنب انتشار العدوى. فهل يدرك عميان القلوب ذلك؟
لا، وعميان القلوب، في العمق، لا يتمكنون أصلاً من ملاحظة التمييز الكافر ضد المواطنين الشيعة، ينفونه أو يبررونه أو يتفهمونه، وغالبيتهم يمارسونه.
وعلى الرغم من أنّ الانتهاكات ضد المؤسسة الدينية الشيعية ممنهجة وفاقعة وموثقة ومكشوفة، فإن هؤلاء العميان لا يرصدونها. عيونهم تراها، وقلوبهم المريضة المتربصة تنفيها.
والحقيقة أنه لا جديد يذكر في هجوم الحكومة على المؤسسة الوقفية والحسينيات والمساجد. وقيام السلطات الأمنية باستغلال جائحة كورونا للنيل من المواكب والرايات الحسينية ليس إلا سبباً لحظياً، وبدونه كانت الحكومة ستجد بديلاً ومسوغاً آخر، لتواصل إيذاء محبي الحسين.
نعم، أولئك الذين "ضرب الهوى على بصيرتهم"، تراهم يحتقرون المادة الدستورية التي تنص صراحة على أن "حرية الضمير مطلقة، وتكفل الدولة حرمة دور العبادة، وحرية القيام بشعائر الأديان والمواكب والاجتماعات الدينية طبقا للعادات المرعية في البلد"، كما ورد في المادة رقم (٢٢) لدستور دولة البحرين (١٩٧٣) ولدستور مملكة البحرين (٢٠٠٢).
لذا تراهم يتحدثون عن كل النصوص القانونية، إلا "حرية المواكب والاجتماعات الدينية". ولعلنا نلاحظ هنا أن النص الدستوري لا يتضمن عبارة "وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون"، بل ينص على "حرية المواكب والاجتماعات" مع وجوب مراعاة "العادات المرعية في البلاد"، التي تفوّض الحسينيات تنظيم القراءة الحسينية، وتسيير المواكب.
ويدرك المشرعون في المجلس التأسيسي، وكاتبو دستور ١٩٧٣ أن إضافة عبارة "وفقاً للقانون"، قد تمنح السلطات فسحة إصدار قانون، بدعوى تنظيم نشاط الحسينيات والمواكب، ما يمكن القصر من كتابة مواد "قانونية" تحد من حرية المراسيم الحسينية، كما تفعل الحكومة مع أي تنظيم للعمل السياسي او المدني أو النقابي، وهذا تحذير مسبق خطوة كهذه قد تكون متوقعة.
وهؤلاء عميان القلوب والعقول هم أنفسهم، بشحمهم ولحمهم، كانوا يشجعون الحكومة على تجاهل العالقين في إيران. سمعناهم يقولون: "خلهم يرنون"، وذلك في ذروة اجتياح مرض كوفيد ١٩ للعاصمة طهران ومدن مشهد وقم، في الأشهر الأولى من العام الجاري، وقد استخدموا كل القذارات اللغوية، ولصقوا بالزائرين أرذل الصفات، ودعوا لإسقاط جنسياتهم، بدلاً من أن تحن قلوبهم على كبار السن والأطفال والنساء البعيدين عن وطنهم، لكن لا قلوب لهم.
وقد فقدت البلاد ستة من المواطنين الزائرين إلى إيران، جراء تجاهل الحكومة، ولم يجر حتى تقديم تعازٍ إلى ذويهم.
راهناً، لا تعويل على عميان القلوب، لكن التعويل على من بقي لهم بعض قلب ليقدموا نصيحة للدولة، بأن لا تمنع الحسينيات من القيام بعمليات التنظيم المطلوبة للمجالس والمواكب، والتي -إن تمّت- سوف تسهم في إقامة الشعائر بمزيد من الإجلال والروحانية والأمان.
.."فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور".
*كاتب بحريني مقيم في لندن