هل البحرين قادرة على تحمل تبعات توتر العلاقات مع تركيا؟
2020-08-11 - 12:14 م
مرآة البحرين (خاص): منذ العام 2011 أثبتت حكومة البحرين أمرين، الأول أن تصرفاتها لا تستند إلى منطق وطني ولا ينظر فيها للمصلحة العامة، والأمر الثاني أن القرار السيادي للدولة تم تسليمه للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مقابل دعم مالي وغطاء سياسي لسحق الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية.
لو أخذنا قضية قطع العلاقات مع قطر كمثال، سنكتشف إنها واحدة من أبرز الأدلة على هذه المزاعم، حيث أقدمت البحرين بعد 3 أشهر من زيارة ولي العهد سلمان بن حمد للدوحة وطلب مساعدات مالية (يقول قطريون إن حكومتهم دفعت مليار دولار للبحرين بعد تلك الزيارة) إلى إعلان قطع العلاقات مع قطر.
كان واضحا إن قضية قطع العلاقات مع قطر وراءها حكومتا أبوظبي والرياض، وأن المنامة لم تكن سوى مُنَفّذ لذلك القرار، ويبدو أن الأمر يتكرر مجدداً لكن مع دولة كبيرة اسمها تركيا.
التوترات مع تركيا بدأت منذ الحملة الشرسة التي قادتها حكومتا السعودية والإمارات على تيار الإخوان المسلمين، وتصاعدت تلك التوترات بعد قطع العلاقات مع قطر، حيث تعتبر تركيا الداعم الأبرز للأخيرة.
في ديسمبر الماضي تفاجأنا بتصريح من وزارة الخارجية البحرينية عن إلغاء الإعفاء من رسوم التأشيرة إلى تركيا (60 دولاراً)، في خطوة مستغربة (ألغيت رسوم التأشيرات على البحرينيين في يونيو 2017 في إشارة إلى تطور العلاقات بين البلدين، لكنها أعيدت مرة أخرى في ديسمبر 2019)، وفي فبراير 2020 أعلنت الخارجية البحرينية إن تركيا رفعت أسعار التأشيرات لتبلغ 77 دولاراً، ولتصبح الأعلى بين دول الخليج. أشارت الخارجية البحرينية أيضاً إلى أن القرار سيطبق على حاملي الجوازات الدبلوماسية (عادة ما يتم إعفاء حاملي الجوازات الدبلوماسية من التأشيرة أو الرسوم في إشارة لتطور العلاقات بين الدول).
طوال السنوات الماضية قرأنا عشرات المقالات المحرّضة على تركيا، لكن أحداً لم يأخذها على محمل الجد، فمعظم المتابعين يعلمون أن الأمر لم يكن أكثر من إرضاء للإماراتيين تحديداً الذين اشتروا عدداً من الكتاب البحرينيين، الذين أصبحوا يعبرون بوضوح عن مصالح أبوظبي ويدافعون عن مشاريعها خصوصاً في حربي اليمن وليبيا، وقضيتي العداء لقطر والتطبيع مع إسرائيل.
لكن الجديد في الأمر حصل بعد تصريح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار لقناة الجزيرة، عن الإمارات التي اتهمها بدعم منظمات إرهابية معادية لتركيا في ليبيا وسوريا، وقوله إن بلاده «ستحاسب الإمارات على ما فعلت في المكان والزمان المناسبين».
بعد حديث الوزير التركي، حصل اتصال هاتفي بين وزير الخارجية البحريني عبداللطيف الزياني ووزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، وبعد نصف ساعة من نشر خبر المكالمة الهاتفية على موقع وكالة أنباء البحرين، أصدرت الخارجية البحرينية بيانا استنكرت من خلاله التصريحات التركية.
بعد ساعات من بيان الخارجية البحرينية، أصدرت خارجية مجلس الشورى بيانا استنكارياً، كما أقدمت خارجية النواب على فعل الأمر ذاته، لكن اللافت كان البيان الثاني لخارجية النواب بعد يوم من الحادثة، حيث دعت فيه إلى وقف الحركة الاقتصادية والسياحية بين البلدين.
وبعيداً عن تطبيل وتهريج كتاب الديوان والمقربين من أبوظبي، يحق لنا أن نسأل من المتأثر من وقف الحركة الاقتصادية والسياحية بين البلدين إن تم اتخاذ قرار في هذا الاتجاه؟
تشير أرقام الأمم المتحدة الخاصة بالتجارة للعام 2018 إلى أن إجمالي صادرات تركيا إلى البحرين كانت 299 مليون دولار أمريكي، ما نسبته 0.18% من إجمالي صادرات تركيا التي بلغت 168 مليار و23 مليون دولار في ذلك العام.
في المقابل فإن صادرات البحرين لتركيا في 2018 بلغت 245 مليون دولار، بما نسبته 2.2% من إجمالي صادرات البحرين التي بلغت 11 مليار و265 مليون دولار، وهو ما يعني إن وقف الحركة الاقتصادية بين البلدين ستؤثر على البحرين أكثر من تركيا وفق قاعدة النسبة والتناسب، أما إذا لحظنا مالية الدولة والعجز المالي والدين العام فسنكون أمام قرار بالحد الأدنى غير حكيم سيزيد الوضع الاقتصادي سوءاً.
وإذا خضنا في التفاصيل أكثر سنرى أن حوالي 88% مما تستورده تركيا من البحرين هو الألمنيوم (215 مليون دولار من أصل 245 مليون دولار)، وبالاطلاع على أرقام شركة ألبا سنرى أن ذلك شكّل حوالي 9% من مبيعاتها التي بلغت مليارين و424 مليون دولار آنذاك، وفي حال وقف الحركة الاقتصادية فإن شركة ألبا ستزيد معاناتها وستنخفض مبيعاتها بنسبة كبيرة.
لقد كان العام 2011 مفصليا في تاريخ البحرين. أرادت أسرة آل خليفة أن تسحق الاحتجاجات بأي ثمن، فاستعانت بالسعودية والإمارات، لكنها لم تدرك مآلات ارتهانها لهاتين الدولتين. لقد باعت أسرة آل خليفة سيادة البحرين من أجل سحق شعبها، لكنها لم تعلم أنها كانت بقرارها المشؤوم ذلك كمن يطلق الرصاص على قدمه، وها هي اليوم تضطر للإضرار باقتصادها وماليتها إرضاء لأبوظبي والرياض.