السعودية مسؤولة عن الموت البطيء لنيلسون مانديلا المملكة

المفكر والناشط السعودي الراحل عبد الله الحامد (أرشيف)
المفكر والناشط السعودي الراحل عبد الله الحامد (أرشيف)

عبد الله العودة - صحيفة الواشنطن بوست - 2020-04-25 - 10:39 م

ترجمة مرآة البحرين

رحل عبد الله الحامد ، أبرز المفكرين والنشطاء السعوديين.

قبل أسبوعين، انهار الحامد ودخل في غيبوبة في السجن. على مدى أسابيع، حُرم من إجراء قسطرة قلبية طال انتظارها، وفقًا لعائلته. بعد انهياره، تُرِك الحامد لساعات على أرض السجن قبل نقله إلى وحدة العناية المركزة في مستشفى الشميسي بالرياض، وفقًا لشهود عيان. توفي يوم الأربعاء. يجب تحميل الدولة السعودية المسؤولية عن الوفاة البطيئة للحامد.

بلا منازع، كان الحامد،  البالغ من العمر 69 عامًا، أبرز إصلاحي في المملكة العربية السعودية. كان ناشطًا مخضرمًا وأحد المهندسين البارزين لحركة بقيادة سعودية تطالب بتشكيل دستور والانتقال نحو الديمقراطية. وقد اعتقلت السلطات السعودية الحامد في عدة مناسبات، كانت المرة الأولى فيها في العام 1993، وفُصِل من عدة وظائف. تم القبض عليه في المرة الأخيرة في 9 مارس/آذار 2013، وحُكم عليه بالسجن 11 عامًا، وقضى السنوات الأخيرة من حياته محتجزًا بين أربعة جدران.

حارب الحامد من أجل أن تكون السعودية حرة. في العام 2003، إلى جانب عدد من المفكرين والناشطين السعوديين البارزين، وقع على عريضة "رؤية لواقع ومستقبل الأمة"، التي دعت إلى حقوق أساسية وإصلاحات سياسية، مثل الانتخابات، وفصل السلطات، ووقف الاعتقالات التعسفية. ومع انتشار العريضة، اجتمع الحامد مع آخرين للقاء ولي العهد آنذاك، الأمير عبد الله بن عبد العزيز، الذي ادعى مشاركتهم رؤاهم، وقال لهم: "رؤيتكم رؤيتي ، ومشروعكم مشروعي". ولكن مرت سنوات، وتوفي الملك عبد الله من دون أن يفي بوعوده للحامد وزملائه.

في العام 2009، على الرغم من اعتقاله ستة مرات في تلك الفترة، أسس الحامد مع آخرين جمعية الحقوق المدنية والسياسية السعودية للحقوق المدنية والسياسية (حسم)، وهي مؤسسة  رائدة للمجتمع المدني في المملكة. لقد كانت حسم مشروعًا سياسيًا يهدف إلى القيام بما فشلت الدولة السعودية في تحقيقه لفترة طويلة: التمثيل والتنوع والديمقراطية والحرية. من عدد من النواحي، كانت تلك بداية الربيع العربي في المملكة العربية السعودية. وبخلاف عدد من الحوارات السياسية التي كانت تجري في المملكة السعودية، تجاوزت حسم الاختلافات الأيديولوجية والسياسية والطائفية وحققت شعبية واسعة بين مختلف قطاعات المجتمع. في العام 2011، وقع عدد غير مسبوق من المواطنين السعوديين على عريضة تاريخية  بعنوان "نحو دولة الحقوق والمؤسسات"، والتي دعت إلى القيم الديمقراطية والتوسيع في الحقوق والحريات. كان للعريضة، كجمعية حسم، إمكانية قوية لتغيير مسار الإصلاح السياسي داخل المملكة.

كان للحامد تأثير خاص مزعج لنسيج الفساد داخل المملكة السعودية. في كتبه، أعاد الحامد تفسير الأساس التقليدي للنظرية السياسية الإسلامية اليوم وأبطل الأساس الأيديولوجي الذي يستخدمه رجال الدين المتشددون  الموالون للدولة في السعودية لتبرير السلطة المطلقة والأنظمة الاستبدادية.

أعاد الحامد أيضًا تفسير العقد الإسلامي، المعروف بالبيعة، للتأكيد على ضرورة الموافقة الثنائية على اعتبار أي عقد ساري المفعول. بموجب هذا التفسير، ستكون موافقة الناس عنصرًا ضروريًا لاعتبار أي عملية سياسية شرعية. ما جعل الحامد فاعلًا للغاية هو أنه أسّس خطابًا داخل المملكة العربية السعودية لم يُجافِ التقاليد السياسية أو يتجاهل السياق المحلي بل أعاد تفسيرهم بطريقة أشركت الجمهور في صنع القرار، ما يمهد الطريق للديمقراطية والحريات الأساسية.

رأت الدولة في أفكار الحامد تهديدًا وجوديًا للنظام الملكي السعودي. في محاولة لإسكات الحامد وزملائه، الداعين إلى الديمقراطية، حظرت الدولة السعودية جمعية حسم، واعتقلت الأعضاء المؤسسين لها وجمّدت أموالهم.

قبل قتله بوحشية في العام 2018، على يد الحكومة السعودية في قنصليتها في تركيا،  شارك  الصحفي جمال خاشقجي قصة مع جمهوره حول رد الأسرة المالكة على العرائض المتداولة. بناءً على طلب الملك عبد الله، تم تشكيل لجنة من الأفراد النافذين في العائلة المالكة لدراسة الاستجابة المناسِبة التي يجب أن تتخذها المملكة العربية السعودية في وجه الربيع العربي، وكيف يمكن للمملكة منع الاضطرابات التي كانت تهز الدول المجاورة. وباستثناء الأمير آنذاك  سلمان، والأمير خالد الفيصل، خلصت اللجنة إلى ضرورة إجراء انتخابات عامة وآليات ديمقراطية والمزيد من الحريات. ومع ذلك، تم تعليق هذه العملية فجأة عندما اعتلى الملك سلمان العرش في العام 2015 وعين ابنه محمد بن سلمان وليًا للعهد. ومحمد بن سلمان أصبح، كما هو معروف، الحاكم المطلق الفعلي الآن للمملكة العربية السعودية، محطماً الآمال بالتطور الديمقراطي في المملكة العربية السعودية.

في إحدى محادثاتي الأخيرة مع جمال، وصف الحامد بأنه "مانديلا السعودي"، وأعرب عن أسفه لأن قضيته لم تلقَ الاهتمام أو الغضب العالمي الذي تستحقه. وكنيلسون مانديلا، الذي حطمت كلماته وتحركاته نظام فصل عنصري، سيبقى إرث الحامد الديمقراطي حيًا في المملكة العربية السعودية.

النص الأصلي