ملك البحرين في عيد ميلاده السبعين ليس بخير
2020-01-29 - 4:09 ص
مرآة البحرين (خاص): يصادف اليوم الذكرى السبعين لميلاد الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة (28 يناير/ كانون الثاني 1950). وحرص سفير البحرين في المملكة المتحدة الشيخ فواز آل خليفة على زف تهنئة خاصة له عبر صورة تظهر الملك ممتطياً حصاناً بزي عسكري تملأه النياشين مع أبيات شعر باللغة المحكية تقول "للملك عيد وأنت سيد الأعياد/ في يوم ميلادك يا وجه السعد/ زانت البحرين والفرح ينعاد/ فرحة لعيون عشاقها حمد". لكن لماذا سفير البحرين ليس على صواب؟
لقد بدأ الملك عهده فعلاً بإشاعة الأفراح عبر إطلاق الحريات السياسية وحرية الصحافة وتشكيل الجمعيات وتبييض السجون من المعتقلين وإعادة المنفيين والعمل بالبرلمان. لكن بعد عقدين من ذلك أعيد المعتقلون إلى السجون بما يناهز ضعف العدد الذي كان في وقت تسلمه الحكم. بين ألفين إلى ثلاثة آلاف هي أكثر التقديرات لمعتقلي الانتفاضة التسعينية. أما الآن فلدينا بين أربعة إلى خمسة آلاف في السجون منذ اندلاع احتجاجات 14 فبراير/ شباط.
أغلقت 4 من 6 جمعيات معارضة كانت تفاوضه على تحقيق المطالبات السياسية في 2011: جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، جمعية العمل الوطني الديمقراطي وعد، جمعية العمل الإسلامي وجمعية الإخاء.
أغلقت 3 من 5 صحف أنشئت في عهده وعُدّ وجودها كدلالة على العافية ومناخ الحريات الإعلاميّة: صحيفة الوسط، صحيفة الوقت، صحيفة الميثاق. ولم تتبقّ إلا الصحف الناطقة باسم الحكم والتي تدور في فلك دواوينه التي تتولى تمويلها وإغداقها بالمال: البلاد، الوطن. وحتّى هذه تواجه ظروفاً ماليّة صعبة وتواصل الاستغناء بشكل تدريجي عن خدمات كتّابها كما من المستبعد رؤيتها في المشهد في غضون السنوات الخمس القادمة.
عاد النشطاء والفاعلون الاجتماعيون الشيعة إلى المنافي بأعداد مضاعفة تزيد بكثير على العدد الذي كان في وقت مجيئه إلى الحكم والذي كان في حدود 500 منفي ومهجر. وتشكلت هجرات عائلية تتواجد اليوم في نطاق القارّات الخمس. بل طاولت حتّى البيئة السنية التي وجد العديد من أفرادها في قطر مكاناً يلوذون به والتجنس بجنسيتها بعد أن أصبح البقاء في البحرين أمراً لا يُطاق. بما في ذلك ضباط سنة في الجيش البحريني كياسر الجلاهمة ونائب بحريني سابق كحمد المهندي ووكيل نيابة كإبراهيم حمد المهندي وعضو مجلس بلدي كعلي المهندي. إضافة إلى رحيل أعداد من عائلة الكواري والجلاهمة والسويدي وغيرهم.
خلال العام الذي تسلّم فيه الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم 1999 كان الدين العام للبلاد يراوح في حدود 370 مليون دولار. أما اليوم فهو يلامس 30 مليار دولار، بحسب أحدث بيانات مصرف البحرين المركزيّ. كما أن كثيراً من موازنة البلاد غدا يذهب إلى التسلّح. وتقول دراسة أصدرتها مؤسسة "كارنيغي للسلام الدولي" خلال شهر فبراير/ شباط 2019 إن المشتريات العسكرية للبحرين من الولايات المتحدة وحدها قد فاقت 6 مليارات دولار خلال العامين الأخيرين.
وتوّج الملك حمد سنوات حكمه العشرين بخصومة عميقة مع الطائفة الشيعية ومع زعمائها وقادتها. فقد نفى قادتها الدينيين كالشيخ حسين نجاتي إلى لبنان. واضطرّ زعميها آية الله الشيخ عيسى قاسم إلى الرحيل إلى المنفى بعد وضعه عامين تحت الإقامة الجبرية. وأغلقت جمعية "التوعية" الإسلامية التي كانت إعادة فتحها وبنائها من أول القرارات في بداية حكمه. كما أغلق أيضاً المجلس الإسلامي العلمائي وتمّ تجريم فريضة "الخمس" التي تعد أحد أركان عقيدة الطائفة الشيعية وتمت مصادرة أموالها.
وأضاف الملك أساليب سلطويّة جديدة لم تكن معهودة من قبل عبر تسليم قرار البلاد إلى السعوديّة وتجريد مئات المواطنين من الجنسية ومنحها لآلاف الأجانب ضمن سياسة ممنهجة تستهدف تغيير ديمغرافيّة البلاد المركّبة.
أكثر تقديرات الشهداء في الانتفاضة التسعينيّة لامست 40 شهيداً قتلوا برصاص الأمن. أما في ظل عهد الملك الحالي فلدينا ما يفوق 200 شهيد وهو رقم يفوق جميع من استشهدوا على يد الأمن منذ حكم عائلة آل خليفة البحرين في 1783.
في ظل حكم الملك حمد أصبح البحريني ليس أولويّة في التوظيف. وفاق عدد الأجانب سكّان البلاد. حيث بلغ عدد الأجانب نحو 813377 أجنبي في قبال 689714 بحرينياً. وتمّ العبث بالتركيبة السكانية عبر سياسات التجنيس السياسي التي أضافت على الكتلة السكانية نحو 120 ألفاً عبر التجنيس على أقل التقادير. كما أصبح المواطن البحريني يُشتم وسط تواطؤ أجهزة تنفيذ القانون التي تتولى على التوالي تبرئة شاتميهم الذين أغلبهم من الأجانب والمجنسين.
أطلقت يد أجهزة الأمن لتعبث بحياة الناس، وتلاحقهم وتحصي أنفاسهم بشكل يبدو معها قانون أمن الدولة (الذي ألغي في أول عهد الملك) مجرّد مزحة لطيفة. استشهد ما لا يقل عن 5 تحت التعذيب في قبال 2 في الانتفاضة التسعينية. واليوم لدى إدارة الجرائم الإلكترونية اليد الطولى على وجهة النقاشات في الفضاء العام الافتراضيّ. هذه الإدارة التي أنشئت في العام 2011 لأغراض مكافحة جرائم القرصنة الإلكترونية لم يعد لديها شغل غير مطاردة أصحاب الرأي والصحفيين على وسائل التواصل الاجتماعي وقراءة همساتهم واستدعائهم للتحقيق أو اعتقالهم وعرضهم على النيابة وعلى محاكمات قضائية صورية.
لم يعد هناك أيّ شيء لدى الملك يمكن أن يفاخر به. فالبلد قائمة فعلاً على الإعانات الخليجية السعودية الإماراتية والكويتية. وحتى تلك المؤسسات الشكلية التي أنشأها مثل البرلمان والمجالس البلدية وديوان الرقابة فقد غدت أضحوكة بين الناس.
البرلمان يسمي الناس أفراده "الموب رياييل" لفرط اندكاكهم في الحكومة ومزايدتهم عليها وعلى طرحها. وقد أقرّ جميع القرارات التي يرفضها الناس كضريبة القيمة المضافة وكسر حقيبة صندوق التعطل على غير أهداف تأسيسه وسنّ سنة إسقاط الجنسيات وحرمان أفراد الجمعيات المنحلة من المشاركة السياسية والانتخاب.
وتشكو المجالس البلدية من شكليتها وانعدام الصلاحيات التي تملكها مجالس أخرى هي مجالس المحافظات. وأصبح بلدي العاصمة بالتعيين بعد أن كان بالانتخاب. أما ديوان الرقابة فقد أصدر 16 تقريراً تطرق فيها إلى قضايا فساد كبيرة لكن لم تتم محاكمة فاسد واحد أو إحالته على المعاش.
سبعون عاماً على الملك الإصلاحي الذي لم يعد مصلحاً لأيّ شيء. كل عام والملك حمد بخير.