البحرين: تجميد قرار فصل صحفيي"الوطن" ليس سوى إجراء مؤقت... الآتي أسوأ

من اليسار: رئيس تحرير صحيفة صحيفة
من اليسار: رئيس تحرير صحيفة صحيفة

2020-01-28 - 1:56 ص

مرآة البحرين (خاص): أوقفت صحيفة "الوطن" الحكوميّة في البحرين بشكل مؤقت قرار فصل 12 صحفياً إثر اجتماع عقد بين وزارة العمل والصحيفة. لكن ذلك ليس سوى ترقيع لأزمة عميقة. الحقيقة أنّ الأزمة المالية الهيكلية التي تعيشها هذه الصحيفة التي ظل يغدق عليها الديوان الملكي على مدى عقد ونصف ليست سوى تعبير عن أزمة مالية أكبر يعيشها الديوان نفسه وتعيشها البلاد منذ أن فقدت السيطرة على دينها العام. 

فرغم سلة الدعم الخليجية واصل الدين في الارتفاع ليبلغ 37 مليار دولار مع تقديرات بالغة السوء يتنبأ بها البنك الدولي بأن يواصل في الارتفاع بنسبة 114 في المائة. فيما يقول اقتصاديون إن الاستقرار المالي لميزانية البحرين لن يتحقق قبل العام 2024 لكن ذلك يتطلب أن تكون لحكومة البحرين إيرادات سنوية غير نفطية تفوق المليار ونصف مليار دينار وهو أمر شبه مستحيل في ظل الإدارة الاقتصادية القائمة.

في ظل هذه الأجواء من أين تغطّي الصحف البحرينية الورقية مصروفاتها؟ جميع الصحف البحرينية التي تصدر حاليا في الأسواق محسوبة على جهات داخل العائلة الحاكمة، وهذا ليس بالسر. وتستحق هذه الصحف دعما ماليا مباشرا أو غير مباشر لتغطية نفقاتها. لكنها مثل القطاعات الأخرى، فقد تأثّرت بالركود الاقتصادي العام الذي تشهده البلاد. 

كان رجل الأعمال حازم جناحي قد تنبأ في العام 2019 بأن "توقف بعض الصحف الورقية عن الصدور"، إلى جانب إغلاق العديد من المتاجر ومحلات البيع بالتجزئة ومعارض السيارات للأوضاع الاقتصادية هذه. ويبدو واضحا أن الصحف الورقية تعاني من أزمات مالية قد تدفعها للخروج من السوق.

لا توجد معلومات حتى الآن عن تراجع الديوان الملكي عن دعم الصحف القريبة منه وكذلك الحال بالنسبة لديوان رئيس الوزراء، غير أن تراجع الإنفاق الإعلاني تسبب في صعوبات مالية للصحف. وتعتبر الإعلانات التجارية ثاني أكبر مصدر دخل للصحف بعد الدعم الحكومي.

ويعزو رئيس جمعية المعلنين البحرينية خميس المقلة التراجع في الإنفاق إلى "تقليل الصرف من قبل كبار المعلنين كالاتصالات، البنوك والهيئات، التى يشكل نشاطها حصة كبيرة من الصرف الإعلاني في البحرين".

وليست الجهات التجارية الوحيدة التي تسعى إلى ضبط إنفاقها الإعلاني، فقد أقرت الحكومة "خفضا كبير في مصاريف الإعلانات"، وقال مسؤول حكومي في إحدى الهيئات الحكومية لـ "مرآة البحرين" إن الحكومة تلزم الهيئة بثلاثة إعلانات سنوية.

وإلى جانب ذلك، يضيف "نعمل منذ سنتين على خفض مصروفاتنا على المطبوعات والاشتراكات (...) لا نشتري نسخا كثيرا من تلك الصحف، يكاد يقتصر الأمر على نسخ لمكاتب المسؤولين الرئيسيين".

قبل سنوات كانت الاشتراكات الحكومية تمثّل موردا جيدا للصحف البحرينية، أما اليوم فالأمر يقتصر على عدد محدود جدا من الاشتراكات فقط. ولعل هذا يفسّر سبب غضب صحيفة "البلاد" التي تعبر عن لسان حال مجلس الوزراء على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي التي تقتبس أخبارها وتثبيت تنويه على أخبارها يهددها بمقاضاتها قانونيا. لقد تقلّص هامش حيلتها وضيق ذات اليد إلى مستوى معاركة حسابات السوشيال ميديا.

يقول المقلة في تصريح سابق إن "أنشطة الإعلان الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي تقدر في حدود 10% من إجمالي الإعلانات التقليدية".

ولعل مثل هذه الأرقام هي ما يفسّر بيان سابق لجمعية الصحافيين (حكومية) برئاسة عهدية أحمد الذي حذّرت فيه صفحات إخبارية عبر الانستغرام من إجراءات قانونية على خلفية إعادة نشر مواد منشورة في الصحف البحرينية، ولم يخلُ البيان من تلميحات للقضايا المالية.

فيما قالت جمعية الصحافيين "يجب التفريق بين حق التعبير وبين مزاولة مهنة الصحافة (...) المهنة تعني الحصول على الرخص من الجهات الرسمية المعنية ومؤدى ذلك تأسيس شركة تجارية تخضع لقواعد العمل التجاري وبما يتيح لها نشر الإعلانات لتمويل نشاطها وصرف رواتب موظفيها".

تعطي أزمة صحيفة الوطن التي عللت قرار الاستغناء عن بعض صحفييها (قبل أن تتراجع عنه في وقت لاحق) بـ"إعادة هيكلة الشركة تحقيقا للمصلحة العامة" تعطي فكرة عامة عن المستقبل. مستقبل صحافة مهجورة ما عاد لها مشترٍ ولا يمكن أن تتنفس بغير دعم الحكومة التي أصبحت نفسها في حاجة إلى دعم.