حصاد 2019: حرب الدواوين.. من صراع الأجنحة العلني إلى اتهام المعارضة وتجريم الفولو والريتويت

الملك ورئيس الوزراء وولي العهد
الملك ورئيس الوزراء وولي العهد

2019-12-30 - 10:08 ص

مرآة البحرين (حصاد 2019): لم تدم الهدنة غير المعلنة بين الديوان الملكي وديوان رئيس الوزراء كثيراً، الخلاف الذي تمت إدارته علناً في وسائل التواصل الاجتماعي، استمر لثلاثة أشهر (من فبراير حتى أبريل 2018)، وانتهى حينها باعتقال محمد الشروقي وآخرين بتهمة إدارة حساب (نائب تائب)، عاد مجددا إلى العلن، لكن من بوابة أخرى.

زيارة رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة لمنزل السيد عبدالله الغريفي، واتصاله بأمير قطر لتهنئته بحلول شهر رمضان وسط المقاطعة الخليجية للدوحة، أثارت حفيظة الديوان الملكي الذي بدأ بحملة واسعة عنوانها السيد عبدالله الغريفي، لكن في حقيقتها موجهة إلى رئيس الوزراء.

من جهته سارع ديوان رئيس الوزراء لتشغيل مواليه وأنصاره في وسائل التواصل الاجتماعي. وكان حساب (نائب تائب) قد تمت السيطرة عليه من قبل ديوان رئيس الوزراء بعد اعتقال الشروقي، ليتحول إلى منصة أخرى مؤيدة لخليفة بن سلمان بعد أن كان موّجهاً ضدّه، عاد الحساب للعمل سريعاً، واتهم صراحة وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد بمحاولة إزاحة خليفة بن سلمان واستبداله بـ (ناصر بن حمد) نجل الملك المدلل، فيما تحدث أشخاص مثل المحامي عبدالله هاشم وعبير الجلال مستهجنين تلك الحملة الإعلامية التي  تبدو أنها لن تنتهي قريباً.

وبعودة بسيطة إلى ما حدث العام الماضي، نرى أن الأمر بدأ بإنشاء حساب (نائب تائب) الذي نشر محادثات سرية للوكيل في ديوان مجلس الوزراء إبراهيم الدوسري، وشخصيات مثل عضو البرلمان حينها أنس بوهندي ومدير ادارة الشؤون الاعلامية في ديوان رئيس الوزراء محمد المحميد وهم يتبادلون فضائح تتعلق بنواب بينهم رئيس المجلس حينها أحمد الملا، وأحاديث أخرى عن أحمد عطية الله والديوان الملكي.

ومع أن الدوسري سارع إلى حذف حسابه في وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن نشر تلك المحادثات تلاها شكوى من النائب خالد الشاعر والنائب جمال بوحسن ضد أنس بوهندي وإبراهيم الدوسري، مع تشكيل لجنة تحقيق برلمانية في ملكية إبراهيم الدوسري لمجمع الريم.

ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل امتدت إلى عزل وزير العدل للنائب بوهندي من الخطابة وإمامة مسجد الغتم في الرفاع، كل هذا وحساب نائب تائب ينشر يوميا عشرات التغريدات التي تتهم خليفة بن سلمان وتهاجم فريقه العامل معه من أكبر مسؤول في الديوان إلى مغردين صغار أمثال عبير الجلال.

خرج رئيس الوزراء عن صمته وتحدث بصوت عال، هاجم إدارة الجرائم الإلكترونية واتهمها بنشر الفتن، ودافع عن إبراهيم الدوسري الذي منحه أرض مجمع الريم وقال إن لجنة التحقيق البرلمانية ولدت ولادة غير شرعية.

تصاعدت المناوشات بين الديوانين، ووصلت الأمور لمرحلة رفض فيها رئيس الوزراء استقبال رئيس مجلس النواب أحمد الملا، فيما اتهم محمد خالد المحسوب تقليديا على رئيس الوزراء، أبناءه بإدارة حساب نائب تائب.

لكن تلك الجولة انتهت بانتصار لرئيس الوزراء، أعلن وزير الداخلية التدخل لوقف الاشتباك في وسائل التواصل الاجتماعي، وأعقب ذلك البيان إعلان باعتقال مجموعة متهمة بإدارة حساب نائب تائب (أحدهم موظف في إدارة الجرائم الالكترونية) نشرت أسماءهم وصورهم في موقع وزارة الداخلية، كما اعتقلت الداخلية لاحقا نجل محمد خالد أثناء محاولته مغادرة البلاد، واتهمته لاحقاً بإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

وواصل خليفة بن سلمان جني المكاسب، فقد أدين رئيس تحرير صحيفة الوطن يوسف البنخليل في قضية سب أنس بوهندي، والعزل السياسي طال خالد الشاعر الذي منع من الترشح للانتخابات البرلمانية 2018، بعد تصدره الحملة ضد جناح رئيس الوزراء في برلمان 2014.

لكن المناوشات بين الجناحين استمرت وإن بطريقة غير مباشرة، قضية أرض عراد التي تملكها نجل وزير الديوان، لاقت استياءً شعبياً، لكن الحملة ضد إنشاء المجمع التجاري قادها مغردون محسوبون على جناح رئيس الوزراء، حيث تم استدعاؤهم لاحقاً وتهديدهم.

هذه المرة تبدو الأمور مختلفة، حساب نائب تائب الذي استولى عليه جناح رئيس الوزراء بعد اعتقاله المتهمين بإدارته (الحساب) يقول إن الديوان الملكي سيعين محرر صحفي في الصحف المحلية الأربع (الأيام، البلاد، أخبار الخليج والوطن) هدفه مراقبة الأخبار التي يتم نشرها عن رئيس الوزراء، فيما سيتم العمل على تهميش خليفة بن سلمان في المرحلة المقبلة.

كما يدعي الحساب أن خالد بن أحمد وشقيقه المشير خليفة بن أحمد اللذين وصفهما بـ "العصابة المارقة"، يعملان ومن معهما على إبراز ناصر بن حمد (نجل الملك) إعلامياً لكي يكون لاحقاً بديلاً لخليفة بن سلمان في منصب رئاسة الوزراء.

كل ذلك يمكن فهمه بشكل طبيعي ضمن ما هو معروف من صراع بين أجنحة الحكم، لكن ما لم يكن منسجماً مع كل ما سبق هو ما حدث لاحقاً، فمن أجل وقف هذه الحرب العلنية إعلامياً، تم حرف مسار هذا الصراع وتحوير إدارته من الأطراف المتحاربة المعروفة، إلى أسماء وجِهات خارجية، بدا واضحاً أن ذلك الحرف جاء من  أجل حماية الأطراف المتورطة والتغطية على الجهات التي تحرّكها.

في 20 مايو أعلنت الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والالكتروني إن الحسابات (المسيئة) يدار أغلبها من قبل جهات خارجية في إيران وقطر والعراق ودول أوربية، بالإضافة إلى شخصيات صادر بحقها أحكام قضائية وهاربة خارج البلاد وفق ما قالت. واتهمت كل من الحقوقيين يوسف المحافظة وحسين الستري بأنهم يقفان وراء تأسيس شبكة إلكترونية معادية تتولى إدارة مجموعة من الحسابات الإلكترونية على شبكات التواصل الاجتماعي، تشمل (حساب نائب تائب، وحساب الخوالد، وحساب خالد أم أو أي، وحساب خالد، وحساب النصرة للمظلومين)، كما تشمل (حساب سليمان باشا، وحساب وطني العزيز)، وفق ما زعمت الإدارة. 

بعدها بأيام نشرت وزارة الداخلية على حسابها تغريدة (باللغتين العربية والإنجليزية) تهدد فيها المواطنين والمقيمين بمعاقبتهم لمجرد قيامهم بـ(متابعة) الحسابات التي تعتبرها "تحريضية ومثيرة للفتنة"، فضلاً عن معاقبة من يعيد نشر ما تنشره هذه الحسابات، وهددت أن المتابعة أو الريتويت يكفي لتعريض الشخص "للمساءلة القانونية" وأن "إغلاقها فورا واجب وطني" على حد تعبيرها، الأمر الذي يعتبر مخالفاً  لقوانين موقع التواصل الاجتماعي تويتر لما يتضمنه من تهديد.

تبرئة ساحة الدواوين من مسار الصراع الدائر وتحويره نحو المعارضة، أطلق يد وزارة الداخلية في الاستفادة منه لضرب عدد أكبر من الحسابات المعارضة. فبعد اتهام المحافظة ورضي بإدارة حساب نائب تائب، سرعان ما اتُهم رئيس رابطة الصحافيين الصحافي عادل مرزوق بـ «بث الفتنة» وذلك بسبب الآراء التي ينشرها عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، وقالت إن «حساب عادل مرزوق يتم إدارته من خارج البحرين ويستهدف بث روح الفتنة بين مكونات المجتمع البحريني وجار اتخاذ الإجراءات القانونية بشأنه وكل من يروج لرسائله المشبوهة».

سبق ذلك توجيه ملك البحرين للأجهزة الأمنية لتغليظ قبضتها الأمنية على وسائل التواصل المجتمعي، قال بحضور رئيسيّ مجلسيّ الشورى والنواب «لقد وجهنا في هذا الشأن، الأجهزة الأمنية المختصة لوضع حد لذلك وبحزم، ولا مكان بيننا لمن يتطاول على القانون».

وسرعان ما سرت تلك الإجراءات بحق عدد من المغردين غير المعارضين أيضاً، أمثال الكاتب الصحفي إبراهيم الشيخ الذي تم سجنه في شهر أبريل ثم إطلاق سراحه سريعًا بوساطة من رئيس الوزراء، وليختفي بعدها عموده في صحيفة أخبار الخليج ويتوقف عن الكتابة، وكذلك النائب الإخواني السابق محمد خالد الذي خرج عبر رسالة مصورة بعد إطلاق سراحه من سجن استمر لمدة يومين فقط، معلناً إغلاق حسابه عبر منصة تويتر.

وبعد قصة أرض عراد، تم استدعاء عدد من المغردين الموالين الذين اعترضوا على تحويل ملكية أرض للدولة إلى ملكية خاصة لنجل وزير الديوان الملكي وبدء بناء مجمّع تجاري فوقها، وبعد توقف المشروع تم اعتقال المحامي عبدالله هاشم الذي كان رأس حربة ضد مشروع نجل وزير الديوان، أُفرج عنه لاحقاً.