حصاد 2019: مليار و100 مليون تحصّلها الحكومة من جيوب المواطنين

2019-12-30 - 9:32 ص

مرآة البحرين (حصاد 2019): انقضى العام 2019 على مزيد من التعقيدات المالية للبحرين، لم يعد هناك مجال لأكذوبة التوازن المالي، ولم تستفد الدولة فعلياً من تقاعد الآلاف من موظفيها ضمن برنامج «التقاعد الاختياري»، فالدين العام ارتفع وتخطى حاجز الـ 12 مليار دينار (31.9 مليار دولار أمريكي)، بعد اقتراض البحرين مبلغ 765 مليون دينار (2 مليار دولار أمريكي) على الرغم من تلقيها مساعدات خليجية.

وبحثت البحرين كعادتها عن حلول ترقيعية لا تكلفها كثيراً، ولا تضعها في قبالة المستثمرين والأثرياء في البلد، حيث تعمل الدولة على تحصيل مليار و100 مليون دينار من الرسوم والضرائب التي عادة ما يتم تحميلها للمواطنين، فيما ترفض الدولة للاستماع إلى نصائح صندوق النقد بفرض ضريبة دخل على الشركات.

تقليل الدعوم ومزيد من الرسوم 

لقد بدأت العام 2019 برفع سعر الديزل إلى 180 فلساً، وفرضت ضريبة القيمة المضافة على خدمات حيوية مثل «الكهرباء والماء»، ولأن القانون يمنع فرض ضريبة على الخدمات التي تحتكرها الدولة، رفع محامون قضية ضد الدولة بهذا الخصوص، لكن المحكمة رفضت تلك الدعوى وقالت إن فرض الضريبة قانون لأن الخدمة غير محتكرة، في إشارة ضمنية إلى خصخصة هذا القطاع الحيوي دون إعلان رسمي.

ومن بوابة الكهرباء حاولت الدولة أيضاً كعادتها تحميل المواطن قدرا أكبر من المسؤولية بتلاعبها في فواتير الكهرباء، وهو ما أدى إلى غضب كبير لدى المواطنين واستدعى تدخل ولي العهد الذي قدم حلاً ترقيعياً مؤقتاً يذكرنا بتأجيل رفع الدعم عن اللحوم، وهو ما يعني أن فواتير الكهرباء على الأغلب سيتم زيادتها الصيف المقبل مع طريقة الاحتساب الجديدة للدعم، فيما لا تزال قضية العدادات الذكية محل جدل بين مختلف الأطراف، خصوصاً بين النواب والمسؤولين في قطاع الكهرباء.

وبالحديث عن القشريات والأمور غير المؤثرة، فقد قامت وزارات الدولة ضمن خططها التقشفية باستبدال مياه فولفيك وإيفيان بمياه معدنية عادية والتوقف عن شراء الشوكولاته الفاخرة، فيما قام فريق خفض النفقات بوزارة الأشغال برفض 152 طلباً لصيانة مبان حكومية لتوفير 1.5 مليون دينار، بل وصل الأمر إلى حالة أشبه بالتسوّل منها إلى التقشف في حالة فوز المنتخب الوطني ببطولة كأس الخليج، فقد تم إجلاس اللاعبين على مقاعد في استوديوهات تلفزيون البحرين، الذي بث مباشرة حملة تبرعات لتقديم هدايا ومكافآت للاعبين من جيب القطاع الخاص والمواطنين بدلاً من المكافآت التي يتم تقديمها عادة من الدولة.

الدعم الخليجي لا يوقف الاقتراض

بدأت البحرين خطة طموحة للتوازن المالي كانت على ما يبدو شرطاً أساسياً لحصولها على مساعدات خليجية بقيمة 3.76 مليار دينار (10 مليارات دولار)، وبالفعل أعلنت البحرين أنها استلمت الدفعة الأولى من الدعم الخليجي الذي سيستمر للسنوات المقبلة على شكل دفعات، وقالت إن الدعم الخليجي ليست منحة، لكنها عبارة عن «قروض حسنة» تستحق على مدد طويلة.

وقال محافظ البنك المركزي إن الدعم المالي الخليجي سيعني اقتراضاً أقل بكثير من السابق، لكن الميزانية التي اعتمدتها حكومة البحرين لـ 2019 - 2020، أكدت أن العقلية التي تحكم البلاد غير مستعدة لخفض نفقات الأمن والعسكر التي تشكل 35٪ من ميزانية الدولة، لكنها مستعدة لخفض نفقات الصحة والتعليم والإسكان التي لم تتعدى الـ 25٪ من ميزانية الدولة.

وأعلنت الحكومة استلامها الدفعة الأولى من الدعم الخليجي، وقالت إنها تعمل على استلام الدفعة الثانية من أموال برنامج الدعم الخليجي، لكن ذلك لم يخفض الدين العام في البلاد.

وعلى الرغم من إعلانها عن توقعاتها بتلقي 2.28 مليار دولار ضمن الدفعة الثانية من المساعدات الخليجية، لكنها أشارت في موازنتها العامة إلى وجود عجز مالي بقيمة 1.3 مليار دينار ستعمل على تغطيتها من خلال الاقتراض، وبالفعل فبعد أيام فقط أعلنت البحرين اقتراضها مبلغ 765 مليون دينار (2 مليار دولار أمريكي)، وهو ما كان له نتائج معاكسة لبيانات وزير المالية، حيث تخطى الدين العام 12 مليار دينار لأول مرة، بل كشف تقرير ديوان الرقابة المالية عن أمر أخطر من ذلك، حين أشار إلى قيام شركات حكومية بالاقتراض المباشر، وأن ديونها لم يتم إدراجها ضمن الدين العام، ما يعني بالمحصلة إلى أن الرقم المعلن للدين العام هو أقل من الدين العام الحقيقي.

فوضى في التقاعد الاختياري

أدى برنامج التقاعد الاختياري الذي تم تدشينه العام الماضي (والذي سيوفر حوالي 166 مليون دينار سنوياً) إلى فوضى حقيقية في مؤسسات وأجهزة الدولة، آلاف الموظفين غادروا القطاع الحكومي، ما اضطر عدد من الجهات الحكومية إلى إلغاء الإجازات السنوية بسبب النقص الحاد الذي نتج عن التقاعد الاختياري.

ووفق أرقام رسمية فإن 8025 بحرينياً غادروا وظائفهم الحكومية ضمن برنامج التقاعد الاختياري وإن 45٪ منهم كانوا موظفين في وزارة التربية، فيما يقول الوزير عصام خلف إن 43٪ من موظفي وزارة الأشغال والبلديات تقاعدوا اختيارياً، وتشير أرقام وزارة الصحة إلى تقاعد 1800 موظفاً ضمن برنامج التقاعد الاختياري. 

لكن قلة الموظفين هي آخر ما يشغل بال من اتخذ القرار، والمشكلة الحقيقية تكمن في تمويل برنامج التقاعد الاختياري، كيف للدولة أن تصرف حوالي 300 مليون دينار كرواتب ومكافآت لهؤلاء الموظفين الذين تريد إخضاعهم للتقاعد الاختياري؟

هناك وجدت الحكومة الحل، سنأخذ الأموال من صندوق التعطل، لأن هذا الصندوق فوائضه السنوية تفوق 80 مليون دينار، فيما مصاريف العاطلين لا تتجاوز 8 ملايين دينار.

بحثت الحكومة عن حل غير قانوني أو دستوري، هي استولت على أموال يتم خصمها من رواتب المواطنين لتمويل مشروع محدد، وباتت تستفيد منها في أماكن أخرى. والطامة الكبرى كانت في أن الحكومة لم تعط النواب ضمانة أنها ستقتطع 230 مليوناً فقط من صندوق التعطل وأنها لن تكرر ذلك في مرات قادمة لتغطية تكاليف أمور أخرى.

لكن أحداً لم يتوقع أن تلقى الحكومة أي معارضة تذكر، بالفعل مر قانون الحكومة بيسر من الشورى إلى النواب حتى أصبحت هناك 230 مليون دينار في جيب الحكومة، التي تريد تمويل برنامج التقاعد الاختياري الذي كلفتها كانت 295 مليون دينار وفق ما ذكر رئيس ديوان الخدمة المدنية.

ولم تنته الحكاية هنا بل تم فتح باب التقاعد الاختياري مجدداً لموظفي 13 جهة حكومية، وأعلن ديوان الخدمة المدنية عن صرف رواتب الدفعة الأخيرة من المتقاعدين اختيارياً في نهاية شهر أغسطس للعام 2019.

مشاكل ما بعد التقاعد الاختياري كانت واضحة بشكل كبير في وزارة التربية التي استعانت بشركة ألمانية لحل مشكلة النقص الحاد في المدرسين، وأعلنت عن إيفاد معلمين سعوديين تتكفل الرياض برواتبهم لكن مع بداية العام الدراسة طالعتنا الصحف بعشرات الأخبار عن مدارس بدون مدراء ومدرسين، بل وصل الأمر إلى الاستعانة بحارس إحدى المدارس لتأمين حصص احتياطية.

من جهتها قامت وزارة الأشغال التي تقاعد حوالي نصف موظفيها البحرينيين، بدمج أقسام وإدارات، وظهرت مطالب بخصخصة قطاع التفتيش والرقابة بسبب نقص الكوادر البشرية، فيما أشارت وثيقة مسربة لديوان الخدمة المدنية إلى مواجهة النقص الحاد في الموظفين في القطاعات الحكومية، باللجوء إلى خصخصة عدد من الوظائف أبرزها وظائف الحراسات وتقنية المعلومات.

مستقبل غامض

لا يبدو أن لدى الحكومة أي توجه فعلي لخفض نفقاتها، ولا تبدو أنها مكترثة لشكاوى التجار البحرينيين خصوصاً الصغار منهم، وسياساتها في تفضيل الأجنبي ومحاولة استقطاب الأموال الأجنبية مستمرة، لا تكترث البحرين كثيراً بارتفاع دينها العام، لا تتردد البحرين في تغطية التزاماتها بزيادة الاقتراض، وتحاول تحميل المواطن كلفة التدهور المالي والاقتصادي. 

لا ترى البحرين كدولة غضاضة في فتح باب التبرعات للاعبي المنتخب الذين حققوا بطولة كأس الخليج، لكنها في الوقت نفسه تصرف 4 ملايين دولار على جائزة لم يسمع بها أحد من قبل.

كل ما تقوم به الدولة لا يهم، ما دامت تمتلك القدرة على إقناع جيرانها الأغنياء بإقراضها الأموال، فإن تصنيفها الائتماني سيرتفع، لتستطيع الاقتراض أكثر وأكثر حتى نغرق.