حصاد 2019: سجن جو.. جربٌ وتسممٌ وحرمان من العلاج وإضراب سجناء العزل ووفاة غامضة لسجين مغربي

2019-12-29 - 2:20 م

مرآة البحرين (حصاد 2019): سجن جو المركزي، المكان الذي لا يكاد يمر شهر إلا وللبحرينيين معه قصة مؤلمة، بدءاً من قصص تسمم النزلاء نتيجة الماء الملوث والطعام الفاسد، إلى قصص المرضى الذين يشكون من خلف زنازينهم مما يتعرضون له من إهمال مواعيدهم الطبية وتلقي العلاج المناسب، إلى قصص الانتهاكات المتكررة لحقوق السجناء، إلى قصص سجناء العزل والحبس الانفرادي، إلى إضراب السجناء بين فترة وأخرى احتجاجاً على سوء المعاملة والحرمان من الحقوق. 

خلال الأسبوع الأول من ديسمبر فقط، رصدت جمعية الوفاق المنحلّة مجموعة من الانتهاكات والتجاوزات في السجون البحرينية بلغت 88 حالة معظمها في سجن جو المركزي، وقالت في بيان لها إنّ «انتهاكات السجون الـ 88 كالتالي تتوزع كالتالي: 2 حالة تعذيب، و10 حالات سوء معاملة، و76 حالة حرمان من العلاج بينهم من يعانون من أمراض مزمنة أو مستعصية، تركزت بشكل أساسي في سجن جو، فيما تم رصد حالتي حرمان من العلاج وحالتي تعذيب في سجن الحوض الجاف». هذا شأن أسبوع واحد فقط.

انتشار الجرب

تزايد انتشار مرض الجرب في سجن جو نتيجة سوء الأوضاع الصحّيّة في السجن، بينها تلوث مياه الخزانات، ومنع أهالي المعتقلين من جلب ملابس لأبنائهم، فيما يجبرون على شراء ملابس رديئة من داخل السجن، ولا يسمح لهم بالخروج للتعرض لأشعة الشمس سوى ساعة واحدة فقط تشمل الصلاة والاتصال بعوائلهم وغسل ملابسهم، فضلاً عن أنّ المعتقلين يشتكون من ساحة التشمّس التي تنتشر فيها حشرات وفئران وتمرّ في وسطها مياه المجاري الآسنة. على هذا فقد رصدت جمعية الوفاق في شهر ديسمبر أكثر من 70 حالة جرب في مبنى 12 عنبر 2 في سجن جو.

حالات التسمم 

تواردت بشكل ملحوظ  شكاوى النزلاء عن رداءة الطعام في سجن جو،  في 28 يناير أصيب عدد كبير من المحكومين في مبنى رقم 13 بالتسمم بعد تناول وجبة الغداء، نشرت الناشطة الحقوقية ابتسام الصائغ أن المبنى ساده حالة من الإرباك بسبب حجم المصابين. 

ونقلت الناشطة زينب آل خميس عن شقيقها المعتقل علي آل خميس قوله "لدينا خياران، إما أن نموت من الجوع أو نتسمم من الأكل"، مضيفة "كان يردد أنقذونا فإن وجبة الغذاء المقدمة لنا اليوم غير صالحة للأكل بسبب رائحتها السيئه والقديمه ونحن نجوع والكميات قليله... ألا يكفي سوء نوعية الوجبات والأواني الملوثة".

وفي شهر رمضان تعرّض نزلاء جو إلى حالة تسمم حادة نتج عنها حالات إسهال شديدة، أصبح الوضع كارثيًا حينما لم تفتح الشرطة الأبواب أول الأمر، قبل أن يشتد الضغط على الحمّام بسبب كثرة حالات الاسهال، اضطر بعض السجناء لقضاء حاجتهم في ملابسهم. وفق ما نقلت والدة أحد المعتقلين عن ابنها.  

الحرمان من العلاج 

بدأ العام 2019 وكل من المعتقلين ناجي فتيل وعلي حاجي يواصلان إضرابهما عن الطعام احتجاجاً على منعهما من العلاج. وكان الحقوقي فتيل المحكوم 15 عاماً، قد تحدث عبر تسجيل صوتي مسرّب عما يعانيه داخل سجن "جو" حيث فقد السمع في أذنه اليمنى بعد تعرضه للتعذيب والضرب، وقال إنه محروم من تلقي العلاج رغم المشاكل الصحية التي يعاني منها جراء التعذيب.

وأوضح علي حاجي في رسالة صوتية الضرر الذي لحق بصحته النفسية والجسدية، والفترة التي قضاها بعيدًا عن عائلته، بالإضافة إلى سوء التعذيب الذي تعرض له في التحقيقات الجنائية، قائلًا إنه أوقف إضرابًا عن الطعام استمر 26 يومًا بعد حصوله على وعد من مسؤول السجن، تركي الجودر، بوضع حد لمعاناته، لافتًا إلى أن تلك الوعود لم تتحقق أبدًا.

كما لجأت عائلة محمد السنكيس إلى شرطة النجدة لتحسين أوضاعه في السجن كونه مصاباً بالدسك في الظهر وبحاجة للتحرك والجلوس بشكل يناسب حالته الصحية، وهي إصابة ناتجة عن التعذيب أثناء الاعتقال وفق شهادته الموثقة. 

وتدهورت الحالة الصحية القيادي المعتقل عبد الجليل السنكيس (57 عاما) بشكل كبير في السجن، يعاني من ألم شديد في الصدر، وتخدّر في الأصابع، ورعشة في يده اليسرى منذ 22 أغسطس. قالت ابنته إن والدها قابل طبيب السجن في 28 أغسطس للمرة الأولى منذ 2017، قوبلت طلباته السابقة للحصول على الرعاية الطبية بالرفض. كما لم يسمح مسؤولو السجن بإجراء فحوصات خلايا الدم البيضاء التي يحتاجها بسبب مضاعفات اضراب الطعام المطوّل الذي خاضه في 2015، وفق ما نقلت هيومان رايتش ووتس في تقرير مفصل لها.

أما القيادي حسن مشيمع (71 عاما)، الذي يتعافى من ورم لمفاوي ويحتاج إلى فحوص كل ستة أشهر. قال ابنه إن آخر فحص له أجري في أغسطس 2018، بعد أن خاض (الابن) إضرابا عن الطعام دام 46 يوما في لندن. لم يحصل مشيمع على نتائج الفحص إلا في أبريل 2019. قالت أسرة مشيمع إن سلطات السجن وعدت بإجراء فحص آخر في أغسطس، لكن ذلك لم يحصل حتى 2 أكتوبر/تشرين الأول.

كما منعت سلطات سجن جو الرعاية الطبية عن المعتقل إلياس المُلا (28 عاما)، المصاب بسرطان القولون في مرحلته الثالثة. قالت والدته إنه يعاني من آلام في القولون والضلوع ومن الغثيان والإرهاق. وقد تدهورت الحالة الصحية لإلياس مع مماطلة إدارة السجن معالجة إلياس مما جعله يخوض إضراباً مفتوحاً عن الطعام بدأه في 7 يوليو تبعته والدته بالإضراب في اليوم التالي، حتى تم نقله إلى المستشفى للعلاج.

ومنع أحمد العرب (27 عاما) من زيارة الطبيب والحصول على دواء منذ أن حاول الفرار من السجن في 2017. نقل عنه معاناته من ألم شديد في ساقه وظهره، ومن كسور في أسنانه، زعم أنها ناتجة عن التعذيب.

وفاة السجين المغربي

في 21 فبراير أعلن المركز المغربي لحقوق الإنسان مقتل سجين مغربي في سجن جو المركزي في ظروف غامضة بعد تعرضه لسوء المعاملة. المواطن المغربي هو نجيب محفوظ ابن الشرقي، في العقد الثالث من العمر. قالت والدته في حديث مصوّر إن ابنها «تعرّض للتعذيب ليلة كاملة من طرف المسؤولين عن السجن». بينما قالت السفارة المغربية في البحرين، أن السجين توفي إثر نزيف مفاجئ في المخ، دون أن تشير لأسباب ذلك.

وحمل المركز المغربي لحقوق الإنسان مسؤولية وفاة المغربي لإدارة السجن، والقضاء البحريني المسؤول عن انتفاء قواعد المحاكمة العادلة، وكذا السفارة المغربية بالبحرين، التي لم تقم بما يجب لإنقاذ المواطن المغربي من خطر الموت داخل سجون البحرين، وفق ما ذكر في بيانه. وطالب الحكومة المغربية بتحويل جثة المتوفى إلى الطب الشرعي لمعرفة أسباب الوفاة وترتيب ما يجب ترتيبه على ضوء نتائج التشريح الطبي.

 من جانبها أصدرت وزارة الداخلية البحرينية في 24 فبراير، بياناً ناقضت فيه رواية السفارة المغربية في البحرين، حول أسباب وفاة السجين المتوفى. أعلن مدير عام السجون عبدالسلام العريفي، أن السجين المغربي محفوظ ابن الشرقي «تم نقله بتاريخ 17 فبراير 2019 إلى مجمع السلمانية الطبي إثر معاناته من آلام في الكلي ونقص حاد في الدم ، وبتاريخ 21 فبراير 2019 تم إبلاغ مركز الإصلاح والتأهيل بوفاته». 

وقد حمل البيان البحريني اعترافاً أن السجين تعرض لمضايقات داخل السجن، إذ ذكر البيان أن والدة السجين المغربي «سبق أن تقدمت بشكوى إلى مركز الإصلاح والتأهيل مفادها تعرضه لمضايقات من بعض النزلاء ، حيث تم التجاوب مع الشكوى ونقله إلى مبنى آخر».

إضراب سجناء العزل

خمسة عشر سجينا سياسيا، بدؤوا في 15 أغسطس 2019، إضراباً مفتوحاً عن الطعام، بعد أن بقوا يعانون لمدة عامين كاملين من العزل الممنهج في سجن جو. تحدّث عنهم المعتقل الشاب حسن الغسرة، سرّب رسالة شكا فيها ما يتعرضون إليه من تضييق أمني مشدد وتمييز عن باقي السجناء بوضعهم مع جنائيين مختلفين عنهم في اللغة والدين والثقافة وغير ناطقين بأي لغة مشتركة، ووصف الظروف القاسية التي يعيشون فيها، وطالبوا بوضعهم ضمن تصنيف طبيعي مع باقي السجناء.

سرعان ما توسعت حركة الاضراب لتصل إلى قرابة 600 سجين سياسي خلال الأيام التالية، وسط  تجاهل إدارة السجن لإضراب السجناء، فيما حُرم بعض المعتقلين المضربين من الزيارات والاتصالات والتواصل مع عوائلهم كما تم منعهم من الذهاب إلى الكانتين ومنعوا من شراء مستلزمات النظافة، وقالت  الناشطة زينب خميس بعد أسبوع من بدء الإضراب أن قوات الشغب قامت بمداهمة أحد العنابر في مبنى 16 مع استخدام أساليب التهديد والترهيب للسجناء في محاولة منهم لقطع الماء والتكييف في الغرف لإجبارهم على فك الإضراب.

وقد علّق عدد من المعتقلين إضرابهم خلال الأسبوع الأول من سبتمبر بعد تلقيهم وعودًا من إدارة السجن بالاستجابة لبعض مطالبهم، من حيث السماح لسجناء العزل بالاندماج مع البقية خلال إحياء مراسم عاشوراء لمدة ساعتين، على أن يتم تحقيق مطالبهم الباقية لاحقًا.